فهل يا تُرى هل هناك بيت يخلو من المشاكل والمنغِّصات بين الزوجين؟ ومَن الزوج المثالي الذي يحسن إدارة منزله، ويجيد قيادة مركب العائلة؛ حتى لا تُغْرِقَه أمواج الشِّقاق، ويبتلعه طوفان المشكلات؟
للبيوت أسرارها، وللعلاقات الزوجية سِماتها، وفي حياة كل زوجين أفراحٌ وأتراح، فيومًا تطيب العشرة بين الزوجين، فيصبحان وكأنهما أسعد زوجين، ويومًا يحدث في البيت ما يعكر صفوه ويكدِّر هناءه، فتتباعد القلوب، وتستوحش النفوس، ويضيق البيت على سَعَتِه بساكنيه، وبين هذين اليومين أيام وأيام تكون شوبًا من المودة والبغض، وخليطًا من الحب والكراهية، فيا تُرى هل هناك بيت يخلو من المشاكل والمنغِّصات بين الزوجين؟ ومَن الزوج المثالي الذي يحسن إدارة منزله، ويجيد قيادة مركب العائلة؛ حتى لا تُغْرِقَه أمواج الشِّقاق، ويبتلعه طوفان المشكلات؟
أيها الأحبة، ليس منا أحدٌ يدَّعي أنه ذلك الرجل، ولكن دعونا نرحل إلى منزل زوج مثالي كان قدوة عظيمة في فن إدارة منزله، إنه زوج لا كالأزواج، رجل كان على خُلُقٍ رفيع، ومنهج حميد، استطاع بحكمته وبرفقه ولينه أن يُديرَ منزله أحسنَ إدارة، لم يكن يماثله أحد في الخُلُق والعدل، هذا الرجل كان يحمل رسالة عظيمة، وقد وُكِلَت إليه مهمة جسيمة، ولكن مهمته تلك لم تشغله عن إصلاح منزله، ورعاية أسرته، والترفُّق مع مشاكل البيت، ومع أنه كان قمة في الخلق واللين، والصفح عن المخطئ، والعفو عن الجاهل، إلا أنه لم يخلُ بيته من المشكلات الزوجية، ولم يسلم بيته من حدوث المنغصات والمكدِّرات مثله مثل سائر بيوت الناس.
أعرفتم هذا الرجل؟ إنه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، هذا النبي الكريم الذي اصطفاه ربه من بين الخلائق أجمعين؛ زكَّاه ربه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
وإن من أعظم جوانب أخلاقه صلى الله عليه وسلم وأجلِّها أخلاقَه في بيته؛ فتعالَ – أخي المسلم – لنعيش مع أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كيف كانت أخلاقه مع نسائه؟ كيف كان يتعامل مع أهل بيته؟ ففي البيت تظهر فيه أخلاق المرء، ويمكن لأي إنسان أن يتصنَّع ويتجمَّل بالأخلاق، والتعامل الطيب خارج البيت، فيتظاهر أمام الناس بأنه إنسان ملتزم، وصاحب كلمة طيبة، وتعامله طيب مع الناس، لكنه في بيته مختلف تمامًا؛ لذلك فالميزان الحقيقي لأخلاق المسلم هو في بيته، وإذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان، فاسأل عن أخلاقه في بيته.
عباد الله، تعالَوا بنا نسأل زوجاته أمهاتِ المؤمنين فنسمع منهن.
هذه السيدة عائشة رضي الله عنها يسألها الناس: ما هي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أهل بيته؟ وماذا كان يصنع في بيته عندك؟ فأجابت رضي الله عنها بوصف وجيز بليغ: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألينَ الناس وأكرم الناس، كان رجلًا من رجالكم إلا أنه كان ضحَّاكًا بسَّامًا، كان بشرًا من البشر يُفْلِي ثوبه، ويحلُب شاته، ويخدُم نفسه، كان يَخِيط ثوبه، ويخصِف نعله، وكان يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم، كان يكون في مهنة أهله؛ تعني: خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة))؛ (البخاري، وأحمد، وإسحاق بن راهويه في مسنده).
تأملوا معي كلماتِ السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي تصف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: (كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان ضحَّاكًا بسَّامًا)، أرأيتم كيف وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها تعامله صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟ كان لينًا هينًا رحيمًا بأهله، وكان يمزح معهم ويضاحكهم، ما أحوجنا اليوم إلى هذه الأخلاق مع أهلنا في منازلنا!
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((زارتنا سودة بنت زمعة – زوجة النبي صلى الله عليه وسلم – فكنا جالستين، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فجلس بيني وبينها، ووضع إحدى رجليه في حجري، والأخرى وضعها في حجرها، هل تتخيلون الموقف؟ النبي صلى الله عليه وسلم جالس بين زوجتيه، مسندًا ظهره على الحائط، واضعًا رجليه على سودة وعائشة – تقول عائشة رضي الله عنها: فكان عندنا خَزِيرةٌ – وهو طعام يُتَّخذ من دقيق ولحم، يقطع اللحم صغارًا، ويُصَب عليه الماء، فإذا نضِج ذُرَّ عليه الدقيق – فقالت لسودة: كُلِي، فقالت سودة: لا أريد، فقالت السيدة عائشة: لتأكُلِنَّ أو لألْطُخَنَّ وجهكِ، فأبَتْ سودة أن تأكل، فأخذت عائشة من الخزيرة، ولطخت وجه سودة، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس بينهما يضحك، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رجله عن حجر سودة؛ لتأخذ سودة بثأرها من السيدة عائشة، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم هـو من أخـذ من الخزيرة، ووضعها في يد سـودة، وقال لها: «الطخي وجهها»، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك بينهما))؛ (رواه النسائي، وأبو يعلى في مسنده).
هذا هو نبيكم صلى الله عليه وسلم أيها الناس، الرجل الذي يقود الأمة، ويحمل همَّ الدعوة وإصلاح المجتمع، ومع هذا كله لم يمنعه ذلك الضحك والْمِزاح مع أهل بيته، أين هذه الأخلاق في بيوت المسلمين اليوم؟ بعض الرجال تراه خارج البيت يضحك ويمزح مع أصدقائه ومع الناس، لكنه إذا دخل بيته تغيَّرت شخصيته، فلا تراه إلا متأففًا متضجرًا، لا يعرف الضحك والابتسامة، مع أن أهله في بيته هم أولى الناس بالبشاشة، والمعاملة الطيبة، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم تأمل معي كلام السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان في مهنة أهله)؛ يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخدُم نفسه، ويخيط ثوبه، ويكنِس بيته، ويساعد أهله في ترتيب البيت وتنظيفه، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؟ هل بيته صلى الله عليه وسلم كحجم بيوتنا اليوم؟ هل السيدة عائشة رضي الله عنها شَكَت إليه كثرة العمل ومشقته، حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم بخدمتها ومعونتها؟
أيها المسلم، لقد عاش نبينا صلى الله عليه وسلم مع زوجته عائشة رضي الله عنها في حجرة صغيرة، لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يمر عليه الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار، فهل هناك ثمة جهد تحتاج معه السيدة عائشة رضي الله عنها إلى معونة النبي صلى الله عليه وسلم؟ كلا ورَبِّي، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم من خلال مساعدته لأهل بيته أن يوصل رسالة حب إلى قلب زوجته.
• وكان يتودد لزوجاته وينتقي أحسن الأسماء لهن؛ فكان ينادي نساءه بتودُّد، فينادي – مثلًا – زوجته عائشة رضي الله عنها قائلًا: «يا عائش، هذا جبريل يُقْرِئك السلام…»؛ (رواه البخاري).
تروي لنا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: ((كان يتكئ في حِجْرِي وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن))؛ (رواه البخاري).
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((كنت أشرب من القَدَحِ وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ، فيشرب منه، وأتعرَّق – أي: آخذ اللحم بأسناني، من العَرْق؛ أي: العظم الذي عليه بقية لحم – وأنا حائض، فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ))؛ (رواه النسائي).
• ولم يكن صلى الله عليه وسلم بالذي يَحُول بين أهله وبين ما أباح الله تعالى من اللهو المباح، بل إنه لم تمنعه هيبته ولا وقاره عن أن يسابق زوجه عائشةَ رضي الله عنها، فتسبقه مرة، ويسبقها في المرة الأخرى، وهو رسول رب العالمين، وسيد الأولين والآخرين، هذه عائشة رضي الله عنها تحدث قائلة: ((والله لقد رأيت رسول الله يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحِرابهم في مسجد رسول الله، وهو يسترني بردائه لكي أنظر إلى لَعِبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو)).
• وكان صلى الله عليه وسلم يمدح زوجاته، ويثني عليهن، ويبين فضلهن، وما لهن من مزايا؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقد سأله عمرو بن العاص قائلًا: ((أي الناس أحب إليك؟ فأجابه بكل صراحة ووضوح قائلًا: (عائشة)، فقال: ومن الرجال؟ فقال: «أبوها»؛ (متفق عليه).
• وكان صلى الله عليه وسلم يحفظ لزوجاته وُدَّهُنَّ، ويعترف بجميلهن حتى بعد وفاتهن، فحينما عاتبته عائشة رضي الله عنها قائلة له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، أجابها بقوله: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد))؛ (رواه البخاري)، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحفظ لها جميلها؛ حيث ساندته في بداية دعوته، ووقفت معه، وخففت عنه آلام الدعوة، وواسته بمالها، ولا تخلو المرأة من جوانب مضيئة متعددة، سواء ما يتعلق بجمالها الحسي أم المعنوي، من ديانة، وأدب، وحسن تصرف، أو حسن عمل في البيت، طبخًا وترتيبًا وإصلاحًا، وغير ذلك، فيثني الزوج على الزوجة في هذا الجانب، ويدعو لها، فهذا مَظِنَّة الازدياد من هذا الجانب الحسن، أو على الأقل المحافظة عليه، أما كثرة الوقوف على الملاحظات، التي لا يخلو منها أحد، والمعاتبة عليها، فهذا مظنة الشقاق والنزاع، ومع ذلك تبقى هذه العيوب، وتتكدر الخواطر؛ فلذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى النظر إلى الجوانب الحسنة في المرأة، وهي كثيرة؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كرِهَ منها خُلُقًا، رضِيَ منها آخر»؛ (رواه مسلم).
• وعن عائشة قالت: ((ما غِرْتُ على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة»، قالت: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد رُزِقتُ حبَّها»؛ (رواه البخاري، ومسلم واللفظ له).
• وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لوجهة نظرهن، ويقبل منهن المراجعة له، والاعتراض على بعض تصرفاته، فيعاتِبْنَه ويرْدُدْنَ القول عليه، بل ربما هجرته الواحدة منهن، وهو في ذلك لا يقابل الإساءة بالإساءة، بل بالصبر والإحسان؛ فعن عمر بن الخطاب قال: ((كنا – معشر قريش – نغلِب النساء، فلما قدِمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلِبهم نساؤهم، فطفِق نساؤنا يأخُذْنَ من أدب نساء الأنصار، فصِحْتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولِمَ تنكِرُ أن أراجعك؟ فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُراجِعْنَه، وإن إحداهن لَتهجُره اليوم حتى الليل))؛ (رواه البخاري، ومسلم).
هذا هو هَدْيُه صلى الله عليه وسلم في نزاع أهله له، فما بال البعض منا لا يحتمل أن يسمع الكلمة من زوجته، وإن كانت محقة؟ لا يريد النقاش فيما يتخذه من قرارات، حتى ما يخص الزوجة والأولاد، بل ربما صبَّ جمَّ غضبه على زوجته وسبَّها، ثم لا يحتمل منها أن ترد عليه خطأه، وتبيِّن له وجهة نظرها، سبحان الله! من الذي أباح لك أن تقول لها ما شئتَ من الكلام، وحرَّم عليها أن ترد عليك فيما ظلمتها به؟
وصورة أخرى تتجلى فيها مكانة المرأة عند النبي، فحين منعت قريش النبي من دخول مكة عام الحديبية، وتوالت الرسل بينه وبين قريش، وحصل الاتفاق بين الطرفين، فلما فرغ من قضية الكتاب؛ قال رسول الله لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلِقوا» قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقُمْ منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقِيَ من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بَدنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا))؛ (أخرجه البخاري).
فنبي الله صلى الله عليه وسلم يستشير زوجه ويأخذ برأيها، وقد كان نعم الرأي، ولم يأنف من ذلك، ولم يكن قدحًا في عقله ولا رأيه.
أيها المسلمون، ولم يُنقَل عن نبينا صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام أنه ضرب امرأة، أو حقَرها، أو أهانها، لقد عاشت زوجاته معه عيشة كريمة، مِلْؤها المحبة والوئام، فلا صخب بينهم ولا صياح، ولا صُراخ ولا عنف؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب خادمًا له قط، ولا امرأةً له قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله)).
حياة كريمة عِشْنَها معه صلى الله عليه وسلم، لم يعرفن ولو مرة واحدة حتى على واحدة منهن أنه أهانها ولو بكلمة، وكم كان يحصل منهن الهفوات رضي الله عنهن تجاهه، ولكن هيهات أن يجدن منه غير الصفح والإحسان، والعفو والتجاوز.
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:
فحينما يكون الحديث عن الحبيب صلى الله عليه وسلم، فإن الحديث يطيب، والقلوب تهفو، والآذان تَصْغى، غير أن حديثنا عن حبيبنا ليس عن النبي القائد، ولا عن الرسول الداعية المربي، وإنما الحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم زوجًا وبعلًا.
ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع نموذج في المعاشرة الزوجية، فكان بحقٍّ نِعْمَ الزوج لزوجه، وخير الناس لأهله، ولِمَ لا وقد جعل صلى الله عليه وسلم معيارَ خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه)، فكان صلى الله عليه وسلم جميل العشرة معهن، دائمَ البِشْرِ، يداعبهن ويتلطف بهن، ويعاملهن بكل سموٍّ خُلُقِيٍّ، من محبة وعدل، ورحمة ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها، وما ذكرناه غيضٌ من فيض، وتلك صور قليلة مما حفَلت به كتب السنة، موضحةً كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد أزواجه ويصبر على ما قد يُثْرْنَه من المشكلات التي تقع في بيوته، ناهيكم عما ورد من أقواله الكثيرة في وجوب إحسان عشرة الزوجات وتحمل أذاهن، فقد كان كثيرًا ما يوصي بهن، ويبين حقوقهن، وينهى عن ظلمهن، فليكن لنا فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، ومن أراد السعادة في حياته العملية والزوجية، فلْيَتَّقِ الله ربَّه، ولْيَقْتَدِ بنبيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فذات يوم كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيته مستلقيًا على ظهره، وأولاده يلعبون على بطنه، وزاره والٍ من ولاته، فرآه يلاعب أولاده ويمازحهم، فتعجب مما رأى واستنكر أن يكون حال الرجل في أهله هكذا، فقال له عمر رضي الله عنه: وأنت كيف حالك مع أهل بيتك؟ فقال الوالي: “سكت الناطق، وجلس الواقف، ولا أسمع همسًا في البيت”؛ أي: يهدأ الجميع هيبة وخوفًا من عقابه، فظن الوالي أنه بتعامله هذا سينال كتابَ شُكْرٍ من سيدنا عمر رضي الله عنه، أتدرون ماذا فعل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما سمع بكلامه؟ أمر سيدنا عمر رضي الله عنه بعزله عن العمل الذي وُلِّيَ عليه، وقال له: اعتزل؛ فإنك لا ترفُق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ (المستطرف للأبشيهي).
فعلى المسلم أن يكون في تعامله مع زوجته وأولاده كالطفل في الأنس والسهولة دون تحفُّظ، وإذا خرج للناس كان رجلًا وقورًا، وأكثر انضباطًا، هذه هي أخلاق إسلامنا الجميل.
ولكي تقتدي به صلى الله عليه وسلم، عليك أن تحسن معاملة زوجتك، واعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله…»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه).
العب واضحك، وواسِ وتلطَّف، واخدُم زوجتك، وكُنْ حسن الخلق معها؛ فهذا هو هَدْيُه صلى الله عليه وسلم.
إياك وتحميلَ زوجتك فوق ما تطيق، بل أكرِمْها وأسعِدها، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.
خصص وقتًا لزوجتك لمجالستها والحديث معها، وحاول القيام بالترفيه عنها بالخروج للتنزه، أو بالمداعبة، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.
كُنْ لزوجتك كما تحب أن تكون لك، فقدِّر مشاعرها، وتفهَّم حاجاتها، فكن لها وفيًّا، وبها رحيمًا، وعليها عطوفًا، فقد كان ذلك هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.
إياك وضرب الوجه أو الإهانة؛ وتذكر ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأةً له قط ولا خادمًا))؛ (رواه أحمد).
أسال الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وأقم الصلاة.
Source link