أجمع المفسرون أن الاثنين هما النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق، وقد نقل الإجماع على هذا كثير من المفسرين.
قال الله تعالى: {{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}} [سورة التوبة: 40].
أجمع المفسرون أن الاثنين هما النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق، وقد نقل الإجماع على هذا كثير من المفسرين. يُنظر: ((التفسير البسيط)) للواحدي (10/ 439)، ((تفسير السمعاني)) (2/ 311)، ((تفسير السعدي)) (ص: 338)، ((تفسير ابن عاشور)) (10/ 202)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/ 530).
ومعنى الآية كما قال المفسرون: إن تتركوا – أيها المؤمنون – نصرة محمدٍ رسول الله فسينصره الله كما نصره من قبل حين مكر به كفار قريشٍ ليقتلوه فأنجاه الله منهم وهو أحد اثنين ليس معه إلا رجل واحد وهو أبو بكر الصديق حين كانا مختفيين من الكفار في غارٍ في جبل بمكة، إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر حين خاف أن يعلم المشركون بمكانهما في الغار: لا تحزن لأن الله معنا بنصره وحفظه، ولن يصل المشركون إلينا. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/ 463، 464)، ((إعراب القرآن)) للنحاس (2/ 119)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (10/ 435، 436)، ((تفسير ابن عطية)) (3/ 35)، ((التفسير الكبير)) للرازي (16/ 49، 51)، ((تفسير أبي حيان)) (5/ 420)، ((تفسير ابن كثير)) (4/ 155)، ((تفسير السعدي)) (ص: 337)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (5/ 513، 514، 530).
عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه!! فقال: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!)) رواه البخاري (4663) ومسلم (2381).
قال العلماء: دلت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه كثيرة، منها ما يلي:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى الغار كان يخاف من الكفار أن يقدموا على قتله، فلولا أنه يعلم أن أبا بكر من المؤمنين الصادقين وإلا لما استخلصه لصحبته.
2- أن الهجرة كانت بإذن الله تعالى، وتخصيص الله لأبي بكر دون غيره بصحبة نبيه في هجرته شرف عظيم.
3- أن الله سبحانه خص أبا بكر بملازمة نبيه وخدمته عند هذا الخوف الشديد الذي لم يبق معه أحد، وهذا فضل عظيم.
4- أن الله تعالى سمى أبا بكر في كتابه (ثاني اثنين)، فجعله ثاني محمد عليه الصلاة والسلام حال كونهما في الغار، وقد ذكر العلماء أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية، فقد كان ثاني اثنين في الدعوة إلى الله، حتى أنه أسلم على يديه كثير من كبار الصحابة، وهو أول من أسلم من الرجال فكان الثاني في الإسلام بعد رسول الله، وكان ثاني اثنين في مجلسه صلى الله عليه وسلم، يلازمه في حضره وسفره لا يفارقه، ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم مقامه في الصلاة فكان ثاني اثنين في إمامة الناس، وهو الثاني بعد موت رسول الله في القيام بأمر المسلمين والجهاد في سبيل الله، وبعد أن ارتد كثير من العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم أبو بكر حتى ردهم إلى الإسلام، فكان ثاني اثنين في دعوة الناس للدخول في الإسلام، ومن العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وعمره ثلاثة وستون عاما ومات أبو بكر وعمره ثلاثة وستون عاما، فهو ثاني اثنين في العمر، ولما توفي أبو بكر دُفن بجوار رسول الله فكان ثاني اثنين بجواره كما كان ثاني اثنين معه في الغار!! ينظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (16/ 50 – 53)، ((تفسير الخازن)) (2/ 364، 365)، ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 72)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/ 384 – 386).
تنبيه: قال ابن العربي المالكي: (الصِّدِّيق لا ينقصه إضافة الحزن إليه، كما لم تنقص إبراهيم حين قيل عنه: {{نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} } [هود: 70]، ولم ينقص موسى قوله عنه: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67] .. حزن الصِّدِّيق رضي الله عنه لم يكن لشك وحيرة، وإنما كان خوفا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه ضرر، ولم يكن النبي في ذلك الوقت معصوما من الضرر) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (2/ 515). وينظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (8/ 428، 457، 464)، ((تفسير الألوسي)) (5/ 292)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/ 387، 389).
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو كنت متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي)) رواه البخاري (3656) ومسلم (2383).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «إن أَمنَّ الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام» )) رواه البخاري (3904) ومسلم (2382).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟!»)) رواه البخاري (3661).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نفعني مالٌ قط، ما نفعني مالُ أبي بكر))، فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟! رواه ابن ماجه (94) وصححه الألباني.
وعن جُبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟! – كأنها تعني الموت – قال: (( «فإن لم تجديني فأتي أبا بكر» )) رواه البخاري (3659) ومسلم (2386).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( «كنا نُخَيِّرُ بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم» ) رواه البخاري (3655).
وروى البخاري (3671) عن محمد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المشهور بابن الحَنفية لأن أمه كانت من بني حنيفة، قال رحمه الله: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر»، قلت: ثم مَن؟ قال: «ثم عمر»، وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين».
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ووفقنا لاتَّباعهم بإحسان، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم
Source link