ومِن صفات الله – تعالى – أنه الفَعَّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن سُلطانه، ولا يصدر إلاَّ عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خطَّ في اللوح المسطور…
ومن صفات الله – تعالى -: أنَّه متكلِّم بكلامٍ يسمعه منه مَن شاء مِن خلقه، سمِعه موسى – عليه السلام – منه من غير واسطة، وسمعه منه جبريلُ – عليه السلام – ومَن أذن له مِن ملائكته ورسله، وأنه – سبحانه – يُكلِّم المؤمنين في الآخرة ويُكلِّمونه، ويأذن لهم فيزورونه؛ قال الله – تعالى -: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقال – سبحانه -: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253]، وقال – سبحانه -: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51].
ومِن كلام الله – سبحانه -: القرآن العظيم، وهو كتابُ الله المبين، وحبْلُه المتين، وصراطه المستقيم، وتنْزيل ربِّ العالمين، نَزل به الرُّوح الأمين، على قلْب سيد المرسلين، بلسانٍ عربي مبين، مُنَزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سُوَر محكمات، وآيات بَيِّنات، وحروف وكلمات، مَن قرأه فأعربه فله بكلِّ حرْف عشرُ حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متْلُوٌّ بالألسنة، مَحْفوظ في الصدور، مسموعٌ بالآذان، مكتوبٌ في المصاحف، فيه مُحكَم ومتشابِه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي؛ {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
واتَّفق المسلمون على عدِّ سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن مَن جحد من القرآن سورةً أو آية أو كلمةً أو حرفًا متَّفقًا عليه – أنه كافر.
والمؤمنون يَرَوْن ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه، ويُكَلِّمهم ويكلمونه؛ قال – تعالى -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23]، وقال – تعالى -: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]؛ يعني: الكفار، فلما حجب أولئك في حال السخط، دلَّ على أن المؤمنين يرَوْنه في حال الرِّضا، وإلا لم يكنْ بينهما فرقٌ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترَون ربَّكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته»؛ (حديث صحيح، متفق عليه).
وهذا تشْبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئيِّ بالمرئي؛ فإنَّ الله – تعالى – لا شبيه له ولا نظير.
ومِن صفات الله – تعالى – أنه الفَعَّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن سُلطانه، ولا يصدر إلاَّ عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خطَّ في اللوح المسطور، أراد ما العالَم فاعلوه، ولو عصمهم لَمَا خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعًا لأطاعوه، خلَق الخلْق وأفعالهم، وقدر أرْزاقهم وآجالهم، يهْدي مَن يشاء برحمته، ويضل مَن يشاء بحكمته، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، قال الله – تعالى -: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
ولا نجعل قضاء الله وقدره حجَّةً لنا في ترْك أوامره، واجتناب نواهيه؛ بل يجب أن نؤمنَ ونعلم أن لله الحجةَ علينا، بإنزال الكُتُب، وبعْثة الرُّسل؛ قال الله – تعالى -: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ونعلم أنَّ الله – سبحانه – ما أمر ونهى إلا المستطيعَ للفِعْل والتَّرْك، وأنه لَم يُجبرْ أحدًا على معصية، ولا اضطره إلى ترْك طاعة؛ قال الله – تعالى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال – تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال – تعالى -: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر: 17]، فدلَّ على أنَّ للعبد فعلاً وكسبًا، يُجْزَى على حسَنِه بالثواب، وعلى سيِّئِه بالعقاب، وهو واقِعٌ بقضاء الله وقدَره.
والإيمان: قول باللسان، وعمَل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، ويجب الإيمان بكلِّ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصحَّ به النَّقْلُ عنه، فيما شهدْناه أو غاب عنا، نعلم أنه حقٌّ وصِدْق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولَم نطلعْ على حقيقة معناه؛ مثل: حديث الإسراء والمعراج، وكان يقظة لا منامًا، فإنَّ قريشًا أنكرتْه وأكبرتْه، ولَم تكنْ تنكر المنامات، ومن ذلك أشراط الساعة؛ مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى – عليه السلام – فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخُرُوج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صحَّ به النَّقْل.
وعذاب القبْر ونعيمه حقٌّ، وقد استعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به[1] في كل صلاة، وفتنة القبر حقٌّ، وسؤال مُنكَر ونكير حقٌّ، والبَعْث بعد الموت حقٌّ، وذلك حين يَنْفُخ إسرافيل – عليه السلام – في الصُّور؛ {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [2] [يس: 51].
ويُحْشَر الناسُ يوم القيامة حُفاةً عراة غرلاً – غير مختونين – بُهْمًا – ليس معهم شيء – فيقفون في موقف القيامة، حتى يشفعَ فيهم نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ويحاسبهم الله – تبارك وتعالى – وتُنْصَب الموازين، وتُنشَر الدواوين، وتتطاير صحائف الأعمال إلى الأَيْمان والشمائل؛ {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا[3] * وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7 -12]، والميزان له كفَّتان، ولسانٌ يوزن به أعمال العباد؛ {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102، 103]، ولنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم حوضٌ في القيامة، ماؤُه أشد بياضًا من اللبَن، وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، مَن شرب منه شرْبة لَم يظمأ بعدها أبدًا.
والصراط حقٌّ تجوزه الأبرار، ويزلُّ عنه الفجَّار، ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النارَ من أمَّته من أهل الكبائر، فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحمًا وحِممًا، فيدخلون الجنة بشفاعته، ولسائر الأنبياء والملائكة شفاعاتٌ؛ {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، ولا تنفع الكافرَ شفاعةُ الشافعين.
والجنة والنار مخلوقتان لا يفنيان، فالجنة دار أوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلَّدون؛ {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [4][الزخرف: 74، 75].
ويؤتى بالموت في صورة كبْش أملح، فيُذبح بين الجنة والنار، ثم يُقال: يا أهل الجنة، خلود ولا موت، ويا أهل النار، خلود ولا موت.
ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمُ النبيين، وسيد المرسلين، لا يصحُّ إيمان عبد حتى يؤمنَ برسالته، ويشهد بنُبوته، ولا يُقْضَى بين الناس في يوم القيامة إلا بشفاعتِه، ولا يدخل الجنةَ أمةٌ إلا بعد دُخُول أمته، صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمامُ النبيين وخطيبُهم، وصاحبُ شفاعتهم، أمَّتُه خيرُ الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء – عليهم السلام.
ولا نجزم لأحدٍ من أهْل القبلة بجنةٍ ولا نار، إلا مَن جزم له الرسولُ صلى الله عليه وسلم لكنَّا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، ولا نُكَفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنْبٍ، ولا نُخرجه عن الإسلام بعمَل[5]
ونرى الحج والجهاد ماضيَينِ مع كلِّ إمام، برًّا كان أو فاجرًا، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، ومن السنَّة تولِّي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم، وذِكْر محاسنهم، والترحُّم عليهم، والاستغفار لهم، والكف عن ذِكْر مساويهم، وما شجر بينهم[6]، واعتقاد فضْلهم، ومعرفة سابقتهم – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم – قال – تعالى -: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
ومن السنة الترَضِّي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، المطهرات المبَرَّآت من كل سوء – رضي الله عنهن.
ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين، برهم وفاجرهم، ما لَم يأمروا بمعصية الله؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله.
ومن السنَّة هجْران أهل البدَع، ومباينتهم، وترْك الجِدال والخُصُومات في الدِّين، وترْك النظَر في كُتُب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامِهم، وكل محدثة في الدِّين بدْعة، وكل متَسَمٍّ بغير الإسلام والسنةِ مُبتدعٌ؛ “نسأل الله أن يعصمَنا من البدَع والفتنة، ويحيينا على الإسلام والسنَّة، ويجعلنا ممن يتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحشرنا في زُمرته بعد الممات برحمته وفضله، آمين”[7].
[1] أي: بالاستعاذة من عذاب القبر.
[2] الأجداث: القبور، وينسلون: يسرعون.
[3] الثبور: الهلاك.
[4] مبلسون: آيسون من كل خير.
[5] تعليق الألوكة: [ تلكَ العبارةُ مذكورةٌ في كتابِ: “لُمعةُ الاعتقاد الهادي إلى سبيلِ الرشاد” لابنِ قدامةَ المقدسيِّ.
وقولُهُ: “ولا نُكَفِّرُ أحدًا من أهلِ القبلةِ بذنْبٍ”؛ أيْ: مَا لَمْ يَستحلَّهُ، فأهلُ السنةِ والجماعةِ لا يكفِّرونَ بذنبٍ، مَا لَمْ يَستحلَّهُ الفاعلُ؛ أيْ: يَعْتَقِدُ أنَّهُ حلالٌ؛ لأنهُ ردٌّ لحكمِ اللهِ – جلَّ وعلا.
والحاصلُ: أنهمْ لا يُكَفِّرونَ مرتكبَ الكبيرةِ، مثلُ: آكلِ الربا، والزاني، والسارقِ، وشاربِ الخمرِ، والعاقِّ لوالديْهِ… إلى آخره. والمقصودُ بالذنبِ: مَا دونَ الشركِ والكفرِ باللهِ – تعالى –.
فلمْ يُكَفِّروا بِكلِّ ذنبٍ، كما فعلتِ الخوارجُ.
وقوله (ولا نُخْرِجُهُ عن الإسلامِ بِعَمَلٍ))، أي كبيرة – كالزنا والسرقة وشرب الخمر كما فعلت الخوارج.
وليسَ معناهُ: أنَّ أهلَ السنةِ والجماعةِ، لا يُكَفِّرونَ بنواقِضِ الإسْلامِ العمليةِ، كالسجودِ للصنمِ، ودعاءِ غيرِ اللهِ، والحكمِ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ، وغيرِ ذلكَ منَ النواقضِ العمليةِ للإسلامِ].
[6] شجر بينهم؛ أي: اختلف الأمر بينهم.
[7] مختارات من “لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد”، لشيخ الإسلام موفق الدين عبدالله بن أحمد بن قُدامة المقدسي، المتوفَّى سنة 620هـ.
Source link