{ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} – محمد بن عبد الله السحيم

{ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون} نهيًا عامًا يشملُ جميعَ أوجهِ الاستخفافِ والاستفزازِ، والذي كان ختْمُ سورةِ الرومِ به مناسِبًا لمطْلعِها المبدوءِ بوعدِ الغيبِ بانتصارِ الرومِ في بضعِ سنين، وكانت معطياتُه على الواقعِ لا تدلُّ عليه، فاتخذَه كفارُ قريشٍ تُكْأَةً في الطعنِ في دينِ اللهِ، وتكذيبِ وعدِهِ والاستخفافِ بتصديقِ المؤمنين ذلك الوعدَ

الوقارُ والرزانةُ من جمالِ حليةِ الإيمانِ التي يُكساها أهلُه الصادقون حين مازجتْ حياتَهم، واصطبغتْ بها أقوالُهم وأفعالُهم وأحوالُهم، من سكينةِ المشيِ على الأرضِ هَوْنًا، وغضِّ الصوتِ إلى ناصيةِ مَلْكِ النفْسِ عند سَوْرةِ الغضبِ، وعدمِ التبرُّمِ مما يقضيه اللهُ، والتسليمِ المطلقِ لأمرِه، والتصديقِ بخبرِه.

وما كان ضياءُ تلك الحليةِ إلا قبَسًا من سَنا شمسِ السكينةِ والثباتِ التي وقرتْ في قلبِ ذاك المؤمنِ حين تأذّنَ اللهُ بنزولِها فيه؛ فسرى ضوؤها على الجوارحِ، فكان سائرًا إلى ربِّه على نورٍ وبصيرةٍ؛ بثقةِ التصديقِ بوعدِ اللهِ ووعيدِه، وطمأنينةِ الإيمانِ بالقدَرِ المكتوبِ، ورجاءِ العزاءِ في كلِّ مفقودٍ والجبْرِ مع كلِّ مُصابٍ، وانتظارِ حُسْنِ العاقبةِ وعِظَمِ الجزاءِ مع كلِّ ما يقضيه اللهُ له، وإدراكِ فداحةِ النَّزَقِ والاستجابةِ لرُعوناتِ النفْسِ واستخفافِ الذين لا يوقنون، وتيقُّنِ حُسْنِ عُقبى الثباتِ على صراطِ اللهِ المستقيمِ في الدنيا والآخرةِ؛ قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 – 22]، ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمْرِ المؤمنِ! إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إنْ أصابتْهُ سراءُ شَكَرَ؛ ‌فكان ‌خيرًا له، وإنْ أصابتْهُ ضراءُ صبرَ؛ ‌فكان ‌خيرًا له» ؛ (رواه مسلمٌ). وعلى حالِ الرزانةِ والوقارِ سار السلفُ الأخيارُ؛ فكان من بليغِ وصْفِ أعرابيٍّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه: «يَغلِبُ فَلَا يَبْطُرُ، ويُغلَبُ فَلَا يَضْجَرُ» . وَبِهَذَا وَصَفَ كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ الصَّحَابَةَ الْمُهَاجِرين حَيْثُ قَالَ:

لَيْسُوا مفاريحَ إنْ نَالَتْ رماحُهمُ   ***   قومًا وَلَيْسوا مجازيعًا إذا نِيلوا 

 

وَكَذَلِكَ قَالَ حسانُ بنُ ثَابتٍ فِي صفةِ الأنصارِ -رضيَ اللهُ عنهم جميعًا-:
 

لَا فَخْرَ إنْ همْ أصابوا مِن عدوِّهمُ   ***  وإنْ أُصيبوا فَلَا خَوَرٌ وَلَا هَلَعُ 

 

فحالُ المؤمنِ البصيرِ في سَيْرِه الرَّزينِ كحالِ الماءِ في صَفْوِه جاريًا؛ يمشي بنفعِه رُويدًا على كلَّ ما يَمُرُّ عليه؛ إرواءً وتنقيةً، مُبصرًا درْبَه ومستقرَّه، وإنْ عاقَه شيءٌ تحاملَ حتى يَتخطَّاه، أو سلكَ دربًا آخرَ لِيصلَ إلى قرارِه الذي يكونُ به النفعُ والانتفاعُ.

 

أيها المسلمون!

إنَّ سَيْرَ الوقارِ الإيمانيِّ الدالِّ على قوةِ الاستمساكِ والثقةِ بسلامةِ الطريقِ إلى اللهِ -سيّما في أوقاتِ المحنِ- من أقوى وسائلِ تبليغِ دينِ اللهِ للناسِ، وتحبيبِهم فيه، وتثبيتِهم عليه، والنكايةِ في أعدائه المتربصين؛ فكان نورًا يَفتحُ الأعينَ على صحةِ ما يحملُه أولئك الصادقون من دينٍ، وغدا مصدرَ جذْبٍ للناسِ للدخولِ في دينِ اللهِ حين رأوا ثباتَ أهلِه مُطَّردًا بحليةِ الوقارِ الصادقِ، كما دخل الناسُ أفواجًا إثْرَ رَقْبِهمُ الدقيقِ ثباتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصحبِه الكرامِ -رضوانُ اللهِ عليهم- على منهجِ اللهِ مع طولِ الزمنِ وتقلُّبِ أحوالِ الدنيا عليهم والذي كان به تحوُّلُهم من حالِ الاستضعافِ إلى حالِ القوةِ والتمكينِ.

وذلك ما جعل خصومَ دينِ اللهِ وأعداءَه يَسْلكون في سبيلِ الصدِّ عنه والفتِّ في عَضُدِ دعاتِه ما يستطيعون من مكرٍ تكادُ تزولُ من هَوْلِه الجبالُ. ومن أخطرِ تلك المكائدِ أسلوبُ الاستخفافِ الذي يَستفِزُّ به أهلُ الكفرِ أهلَ الإيمانِ؛ بتسليطِ ما يكونُ به تشكيكُهم في دينِهم وتخلِّيهم عنه، واحتقارُهم، والطعنُ في غاياتِهم، وإغراؤهم، وحملُهم على صدورِ الأفعالِ الطائشةِ منهم المجافيةِ لوقارِ الإيمانِ؛ بُغيةَ تشويهِ صورتِه الناصعةِ أمامَ الناسِ وإظهارِ أهلِه ودعاتِه بمظهرِ الشَّيْنِ المُنَفِّرِ عنهم وما يحملونَه من دينٍ ويدعون إليه من قيمٍ.

وطالما نبّهَ القرآنُ على التحذيرِ من استخفافِ المبطلين، وألا يكونَ ذلك سببًا في تركِ الحقِّ أو الشكِّ فيه، أو يكونَ ذلك مثبِّطًا من المضيِّ في الدعوةِ إلى دينِ اللهِ القويمِ، أو حاملًا على صدورِ ما ينافي وقارَ الإيمانِ من خِفَّةٍ وجهلٍ واستعجالٍ واستغضابٍ وخنوعٍ وخوفٍ وبَغْيٍ؛ كما قال تعالى: {ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون} [الروم: 60]؛ نهيًا عامًا يشملُ جميعَ أوجهِ الاستخفافِ والاستفزازِ، والذي كان ختْمُ سورةِ الرومِ به مناسِبًا لمطْلعِها المبدوءِ بوعدِ الغيبِ بانتصارِ الرومِ في بضعِ سنين، وكانت معطياتُه على الواقعِ لا تدلُّ عليه، فاتخذَه كفارُ قريشٍ تُكْأَةً في الطعنِ في دينِ اللهِ، وتكذيبِ وعدِهِ والاستخفافِ بتصديقِ المؤمنين ذلك الوعدَ، فكان أمرُ اللهِ غالبًا، وقدَرُه نافذًا، ووقعَ وعدُ اللهِ كما وعدَ، وفَرِحَ المؤمنون يومئذٍ بنصرِ اللهِ.

 

عبادَ اللهِ!

إنَّ شجرةَ الثباتِ على جادَّةِ الدينِ والتزيِّ بسِرْبالِ وقارِه إنما تَغتذي وتشتدُّ وتزدانُ بما يَمُدُّها من معينِ الصبرِ واليقينِ؛ تلكمُ العينانِ النَّضَّاختانِ قرينانِ متلازمانِ؛ لا يتصور انفكاك أحدهما عن قرينِه، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: ولا يُمكنُ العبدَ أنْ يصبرَ إنْ لم يكنْ له ما يطمئنُّ به، ويتنعَّمُ به، ويَغتذي به؛ وهو اليقينُ ، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور. قال -تعالى-: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا ‌يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60]، قال ابنُ القيمِ:  فأمَرَه أنْ يَصبرَ، ولا يتشبهَ بالذين لا يقينَ عندهم في عدمِ الصبرِ، فإنهم لعدمِ يقينِهم عُدِمَ صبرُهم، وخَفُّوا واستخفُّوا قومَهم، ولو حصلَ لهم اليقينُ والحقُّ لصبروا وما خَفُّوا ولا استخفُّوا. فمَن قلَّ يقينُه قلَّ صبرُه، ومَن قلَّ صبرُه خفَّ واستخفَّ؛ فالموقنُ الصابرُ رزينٌ؛ لأنه ذو لُبٍّ وعقلٍ، ومَن لا يقينَ له ولا صبرَ عنده خفيفٌ طائشٌ تلعبُ به الأهواءُ والشهواتُ كما تلعبُ الرياحُ بالشيءِ الخفيفِ ، فَمَنْ وَفَّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وَتَيَقَّنَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ الْمُبْطِلُونَ، وَلَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ. وَمَتَى ضَعُفَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ أَوْ كِلَاهُمَا اسْتَفَزَّهُ هَؤُلَاءِ وَاسْتَخَفَّهُ هَؤُلَاءِ، فَجَذَبُوهُ إِلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ وَيَقِينِهِ، فَكُلَّمَا ضَعُفَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوِيَ جَذْبُهُمْ لَهُ، وَكُلَّمَا قَوِيَ صَبْرُهُ وَيَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذَابُهُ مِنْهُمْ وَجَذْبُهُ لَهُمْ.

 

إنه الصبرُ وسيلةُ المؤمنين في الطريقِ الطويلِ الشائكِ الذي قد يبدو أحيانًا بلا نهايةٍ! والثقةُ بوعدِ اللهِ الحقِّ، والثباتُ بلا قلقٍ ولا زعزعةٍ ولا حيرةٍ ولا شكوكٍ. الصبرُ والثقةُ والثباتُ على الرغمِ من اضطرابِ الآخرين، ومن تكذيبِهم للحقِّ وشكِّهم في وعدِ اللهِ؛ ذلك أنهم محجوبون عن العلمِ، محرومون من أسبابِ اليقينِ. فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبلِ اللهِ فطريقُهم هو طريقُ الصبرِ والثقةِ واليقينِ، مهما يَطُلْ هذا الطريقُ، ومهما تحتجبْ نهايتُه وراءَ الضبابِ والغيومِ!

 

أيها المؤمنون!

إنَّ النهيَ الربانيَّ المؤكَّدَ لنبيِه بعدمِ استخفافِ المبطلين له يُلقي بظلالِه على أتباعِه من أهلِ الإيمانِ بضرورةِ تيقُّظِهم حِيالَ ذلك الأسلوبِ الماكرِ، وأنهم مأمورون باقتفاءِ آثارِ نبيِّهم في التعاملِ مع استخفافِ الكافرين؛ وذلك بألا يزيدَهم ذلك الاستخفافُ إلا ثباتًا على الحقِّ؛ يقينًا به، وصبرًا عليه، ودعوةً إليه، وتواصيًا به، وتحليًا بوقارِه ورزانتِه، وأنْ يأخذوا بالأسبابِ التي تزيدُ من ذلك اليقينِ والصبرِ؛ من قوةِ الاستمساكِ بالقرآن العظيمِ؛ علمًا وعملًا وتلاوةً وتدبُّرًا؛ إذ هو مَنْجَمُ التثبيتِ، كما قال -تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ‌لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102]، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]. وأنْ يكونَ لهم وِرْدٌ مستمرٌّ من دعاءِ ربِّهم وسؤالِه الثباتَ حتى المماتِ، كما وصفَ اللهُ حالَ الثابتين وقولَهم في أعظمِ الأزماتِ إذ يقولُ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ‌وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 146 – 147]. وكان من دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي كان يوصي باكتنازِه: «الّلهمّ إنّي أسألُك ‌الثباتَ ‌في ‌الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشْدِ» (رواه الترمذيُّ وصحَّحه ابنُ حبانَ).

قال ابنُ القيمِ: وهاتانِ الكلمتانِ هما جِماعُ الفلاحِ، وما أُتِيَ العبدُ إلا من تضييعِهما أو تضييعِ أحدِهما، فما أُتِيَ أحدٌ إلا من بابِ العجلةِ والطَّيشِ واستفزازِ البَدَواتِ له، أو من بابِ التهاونِ والتماوُت وتضييعِ الفرصةِ بعدَ مُواتاتِها، فإذا حصلَ الثباتُ أوَّلًا والعزمُ ثانيًا أفلحَ كلَّ الفلاحِ. ومطالعةُ سِيَرِ الراسخين الثابتين من الرسلِ -عليهم صلواتُ اللهِ وسلامُه- ومَن اقتفى آثارَهم، ورَقْبُ وقارِهم، والعيشُ مع حياتِهم وتخطِّيهم عقابيلَ الطريقِ أوتادٌ صمٌّ تُدَقُّ في سُلَّمِ الثباتِ وحليةٌ تُزَيِّنُ جمالَ رزانتِه؛ فبها كان يُثبِّتُ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم إذ يقولُ: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ‌مَا ‌نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]، وبها كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يثبِّتُ أصحابَه الأطهارَ، قال خبَّابُ بْنُ الأرتِّ -رضي الله عنه-: شَكَوْنَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ متوسِّد بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ ليتمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِه، ولكنكم ‌تستعجلون» (رواه البخاريُّ).

قال بعضُ العلماءِ: الحكاياتُ جنْدٌ من جنودِ اللهِ يثبِّتُ بها قلوبَ أوليائه. وعبادةُ السرِّ السالمةُ من العُجْبِ حيث لا يراها إلا اللهُ مِن أعظمِ وسائلِ التثبيتِ، خاصةً صلاةَ التهجدِ في سُدْفةِ الليلِ البهيمِ؛ وذاك ما يُؤخذُ من هدايةِ فرْضِ قيامِ الليلِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين أُمِرَ بالبلاغِ والدعوةِ، {يَا أَيُّهَا ‌الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 1- 6]. واستحضارُ حقارةِ الدنيا وسرعةِ فنائِها وجزالةِ الآخرةِ ودوامِ بقائِها زادٌ للثباتِ عظيمٌ؛ فقد كان ذاك عزاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه وتسليتَه لهم في ما يَعْرِضُ لهم من مشاقِّ البلاءِ وأليمِ استخفافِ المبطلين، فقد مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ -رضيَ اللهُ عنهم- وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ، وَآلَ يَاسِرٍ؛ فَإِنَّ ‌مَوْعِدَكُمُ ‌الْجَنَّةُ» (رواه الحاكمُ وصحّحَه على شرطِ مسلمٍ ووافقَهُ الذهبيُّ). كما أن تلك الذكرى الدنيويةَ والأخرويةَ كنزٌ للتحلِّي بالخُلُقِ الزَّكيَّ الوقورِ، كما قال -تعالى-: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ ‌الْجَمِيلَ} [الحجر: 85].

كنْ كالجبالِ عن الإسلامِ لا تَحِــدِ   ***   وغُذَّ سعيَك فالكُتّابُ بالــــرَّصــدِ 

ودعْ مَن اتّجهوا للزيغِ واتخـــذوا   ***   من الشياطينِ أصحابًا بلا رَشَــدِ 

المرجفون بدينِ اللهِ قد خسئــوا   ***   والخائنون لهم حبلٌ من المَسَـــدِ 

والثابتون لهم في الخُلْدِ منزلـــةٌ   ***   فكن مع اللهِ كي تَلقى ثوابَ غتدِ 

_________________________________________________________


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *