منذ حوالي ساعة
إنَّ فقه هذا الأثر يظهر في حثّ الأمة على التآلف والاجتماع، وترك الأهواء والخصومات والجدالات التي لا تنفع، وأن ذلك سبب لصلاحها وقوتها وهيبتها…
أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى التابعي معاوية بن قرة المزني -رحمه الله- في قول الله -تعالى- عن النصارى: { {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} } [المائدة: 14]؛ قال: «الخصومات في الدين تُحْبِط الأعمال»[1]، ويزدادُ هذا الأثر توضيحًا بأثر إبراهيم النخعي -توفي: 96هـ- حين قال: «ما أرى الإغراء في هذه الآية إلا الأهواء المختلفة»[2].
يقول الإمام الطبري شارحًا هذا الأثر: «لأن عداوة النصارى بينهم إنما هي باختلافهم في قولهم في المسيح، وذلك أهواء لا وحي من الله»[3].
وأشد ما يكون الهوى إن أُلبس لباس الدين، فما البدع إلا أهواء، ومعنى إحباطها للأعمال -كما يظهر، والله أعلم- أنها تؤدي في نهايتها إلى التكفير والخذلان والافتتان والتنازع، كما هو الحاصل عند النصارى، مثلما قال ابن عاشور -توفي: 1393هـ- -رحمه الله-: «العداوة ثابتة بينهم في الدين بانقسامهم فِرَقًا… وذلك الانقسام يجرّ إليهم العداوة وخذل بعضهم بعضًا»[4].
وكذلك الأمر عند أهل الأهواء والبدع من أهل قِبْلة الإسلام الذين يُكثرون من التخاصم في الدين، وتبديع المخالفين وتكفيرهم بالهوى والبطلان.
إنَّ فقه هذا الأثر يظهر في حثّ الأمة على التآلف والاجتماع، وترك الأهواء والخصومات والجدالات التي لا تنفع، وأن ذلك سبب لصلاحها وقوتها وهيبتها؛ فإلقاء العداوة بين فِرَق الأمة ونِحَلها في جوهره عقابٌ من الله؛ كما توحي هذه الآية وغيرها[5]؛ لأن في سياق الآية حديثًا عن نسيان النصارى لدينهم وما ذُكِّروا به، ومُوافقتهم لليهود في مخالفة المواثيق التي أُخذت عليهم، ونقضهم للعهود؛ فعاقبهم الله -عز وجل- بهذه العقوبة؛ وهي تسليط بعضهم على بعض، وصار بينهم من الشرور والعداوة والإحِن ما يقتضي بُغْض بعضهم بعضًا، ومعادة بعضهم بعضًا، وفي جوهر هذه الآية تحذيرٌ للمسلمين في سلوك هذا المسلك المشين؛ لأن السنن الربانية لا تُحابي أحدًا.
عصمنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
[1] تفسير الطبري (8/258).
[2] تفسير الطبري (8/258).
[3] المرجع نفسه (8/258).
[4] تفسير ابن عاشور (6/149).
[5] ينظر: المرجع نفسه (6/149).
_______________________________________________________
الكاتب: بقلم/ د. عبدالكريم بن عبدالله الوائلي
Source link