منذ حوالي ساعة
كم هو جميل أن يكون الرجل الكبير موجها ومربيا ومعلما وناصحا وداعيا يترك بصماته وآثاره الحسنة سواء كان أبا أو أخا أو قريبا…
كم هو جميل أن يكون الرجل الكبير موجها ومربيا ومعلما وناصحا وداعيا يترك بصماته وآثاره الحسنة سواء كان أبا أو أخا أو قريبا، وحتى لو كان بعيدا، لكن الأجمل والأكثر أثرا وإعجاباً أن يكون الصغير هو الموجه والداعي والناصح، الأمر الذي يبعث الإعجاب والفرح والسرور بذلك الشاب الصغير الذي ينبغي ألا يستهان به، وألا يهمش في الحياة، فقد يكون أتقى من معلمه وأصلح من أبيه، وأرحم من أمه، وأبر من أخيه، والتاريخ ملئ بأصحاب المواقف من هذه الفئة التي لا تزال على الفطرة السليمة:
مواقفهم مع الأبوين
1- هذا أب يدخل على ابنه فيجده يبكي لموت جد صاحب له، فعاتبه قائلاً له هل ستبكي عليّ مثله إن متُ؟ فنظر الابن إلى أبيه بعيون دامعة كسيرة قائلاً: نعم لكن لن أبكيك مثله! فهو من أخذ بيدي إلى التقوى والصلاح، وعلمني طريق الجمع والجماعة في صلاة الفجر، وهو من حذرني من رفاق السوء ودلني على رفقاء الصلاح والتقوى، هو من شجعني على حفظ القرآن وترديد الأذكار، الأمر الذي لم تفعله أنت، فانتبه الأب من غفلته وتأثر بكلامه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط.. فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك صلاة في المسجد.
2-وهذا شاب كان شديد الحرص على إجابة النداء وإدراك الصف الأول.. بل والصلاة خلف الإمام مباشرة وبين كبار السن.. لاحظ الإمام أن هذا الطفل يطيل فترة التأمين خلفه في الصلاة الجهرية كلمة آمين وبصوت جهوري ومميز لدرجة أن من كان خارج المسجد يسمع تأمين الطفل ويميزه عن غيره.. فأراد الإمام أن ينصحه كي يخفض من صوته فكانت المفاجأة عندما قال له الطفل: إنني أعلم بخطئي في ذلك ولكن أبي لا يصلي ولا يستمع لنصحي.. فأردت أن أرفع صوتي بالتأمين عله يسمعني ويتذكرني فيرق قلبه ويرجع إلى الله.. فأكبر الإمام همة هذا الطفل الصغير وحرصه على هداية والده فأخذ بعض من كان في المسجد وزاروا أباه.. وحكوا له الحكاية فتأثر الأب وتاب إلى الله ليصبح من رواد المساجد.
3- وهذا رجل نشأ على المعاصي.. تزوج امرأة صالحة فأنجبت له مجموعة من الأولاد من بينهم ولد أصم أبكم.. فحرصت أمه على تنشئته نشأة صالحة فعلمته الصلاة والتعلق بالمساجد منذ نعومة أظفاره.. وعند بلوغه السابعة من عمره صار يشاهد ما عليه والده من انحراف ومنكر، فكرر النصيحة بالإشارة لوالده للإقلاع عن المنكرات والحرص على الصلوات ولكن دون جدوى..
وفي يوم من الأيام جاء الولد وصوته مخنوق ودموعه تسيل ووضع المصحف أمام والده وفتحه على سورة مريم ووضع أصبعه على قوله تعالى {يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً}، وأجهش بالبكاء.
فتأثر الأب لهذا المشهد وبكى معه.. وشاء الله سبحانه أن تتفتح مغاليق قلب الأب على يد هذا الابن الصالح.. فمسح الدموع من عيني ولده، وقبّله وقام معه إلى المسجد.
4- وهذه أم تساعد أبناءها في مراجعة دروسهم.. وأعطت طفلها الصغير البالغ الرابعة من عمره كراسة للرسم حتى لا يشغلها عما تقوم به من شرح ومذاكرة لإخوته الباقين.
وتذكرت فجأة أنها لم تحضر طعام العشاء لوالد زوجها الشيخ المسن الذي يعيش معهم في حجرة خارج المبنى في حوش البيت.. وكانت تقوم بخدمته ما أمكنها، ذلك والزوج راض بما تؤديه من خدمة لوالده والذي كان لا يترك غرفته لضعف صحته.
أسرعت بالطعام إليه.. وسألته إن كان بحاجة لأي خدمات أخرى ثم انصرفت عنه.
عندما عادت إلى ما كانت عليه مع أبنائها.. لاحظت أن الطفل يقوم برسم دوائر ومربعات، ويضع فيها رموزاً.. فسألته: ما الذي ترسمه ؟
أجابها بكل براءة: إني أرسم بيتي الذي سأعيش فيه عندما أكبر وأتزوج.
أسعدها رده.. فقالت وأين ستنام ؟؟ فأخذ الطفل يريها كل مربع ويقول هذه غرفة النوم.. وهذا المطبخ.. وهذه غرفة لاستقبال الضيوف.. وأخذ يعدد كل ما يعرفه من غرف البيت..
وترك مربعاً منعزلاً خارج الإطار الذي رسمه ويضم جميع الغرف..
فعجبت.. وقالت له: ولماذا هذه الغرفة خارج البيت؟ منعزلة عن باقي الغرف.. ؟
أجاب: إنها لكِ سأضعك فيها تعيشين كما يعيش جدي الكبير..
صعقت الأم لما قاله وليدها !!!
هل سأكون وحيدة خارج البيت في الحوش دون أن أتمتع بالحديث مع ابني وأطفاله، وآنس بكلامهم ومرحهم ولعبهم عندما أعجز عن الحركة ؟؟ ومن سأكلم حينها ؟؟ وهل سأقضي ما بقي من عمري وحيدة بين أربعة جدران دون أن أسمع لباقي أفراد أسرتي صوتاً ؟
أسرعت بمناداة الخدم.. ونقلت بسرعة أثاث الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف والتي عادة ما تكون أجمل الغرف وأكثرها صدارة في الموقع.. وأحضرت سرير والد زوجها.. ونقلت الأثاث المخصص للضيوف إلى غرفته خارجاً في الحوش.
وما إن عاد الزوج من الخارج تفاجأ بما رأى.. وعجب له، فسألها ما الداعي لهذا التغيير ؟
أجابته والدموع تترقرق في عينيها: إني أختار أجمل الغرف التي سنعيش بها أنا وأنت إذا أعطانا الله عمراً وعجزنا عن الحركة وليبق الضيوف في غرفة الحوش.
ففهم الزوج ما قصدته وأثنى عليها لما فعلته لوالده الذي كان ينظر إليهم ويبتسم بعين راضية.. فما كان من الطفل إلا.. أن مسح رسمه.. وابتسم.
5- وهذا طفل على صغر سنه كان حريصا على صلاة الجماعة، حتى صلاة الفجر لا يتأخر عنها، قامت الأم صباح يوم، وظنت بأن ابنها لم يعد من صلاة الفجر التي انقضت قبل أكثر من نصف ساعة، فهرعت إلى غرفته قلقة فزعة، وما كادت تدخل من بابها المفتوح حتى سمعته يدعو الله بصوت خاشع باك وهو يقول: ( يا رب.. اهد أمي.. اهد أبي.. اجعلهما يصليان.. اجعلهما يطيعانك.. حتى لا يدخلا نار جهنم )
ولم تملك الأم عينيها وهي تسمع دعاء ولدها، فانسابت الدموع على خديها تغسل قلبها وتشرح صدرها، فعادت إلى غرفتها وأيقظت زوجها ودعته ليسمع ما سمعت، وجاء أبوه معها ليجد ولده يواصل الدعاء ويقول: ( يا رب وعدتنا بأن تجيب دعاءنا وأنا أرجوك يا رب أن تجيب دعائي وتهدي أبي وأمي.. فأنا أحبهما.. وهما يحباني ) فلم تصبر الأم فأسرعت إلى ابنها تضمه إلى صدرها ولحق بها أبوه وهو يقول لولده: قد أجاب الله دعاءك يا ولدي
ومن وقتها حافظ والداه على الصلاة وأصبحا ملتزمين أوامر ربهما فكان ولدهما سبب هدايتهما.
مواقف مع الكبار:
1- هذا طفل صغير لا يهدأ له بال إلاّ إذا صلى الفجر في جماعة رغم بعد المنزل عن المسجد ووحشة الطريق بالنسبة لطفل صغير في سنه.
ومرة وهو ذاهب إلى صلاة الصبح تعترضه مجموعة من الكلاب فتنطلق وراءه بسرعة كبيرة حتى لاذ إلى جوار أحد المنازل وهو يصيح، فخرج صاحب المنزل الذي احتمى به هذا الصغير وقام بإبعاد هذه الكلاب عنه
وذهب معه وهو آخذ بيديه إلى المسجد وصليّا الصبح معاً.. فكانت هي البداية لهداية هذا الرجل الذي كان لا يصلي.
2- وهذا طفل في سيارة ينتظر أباه، يأتيه شرطي المرور ليخبره بأن والده قد ارتكب مخالفة مرورية نتيجة توقفه في مكان غير المخصص للوقوف.
فيسأل الطفل رجل المرور قائلاً: هل صليت الفجر في جماعة ؟!
فخجل الشرطي من هذا السؤال العجيب.. وأجاب بتلعثم واستحياء: لا، أنا لم أصل الفجر في جماعة.
عندها قال له الطفل: إذن أنت الذي ارتكبت مخالفة أكبر من مخالفة أبي.
فندم الشرطي وأعلن التوبة في حينها، فكان هذا الطفل الصغير سبباً في هدايته واستقامته.
مواقف مع المربين والمعلمين:
1- هذا طالب أراد أن يعاقبه المعلم ظلما، وهو يقول: لم أفعل الخطأ يا أستاذ.. فأخذه وذهب إلى مدير المدرسة، فقال له المدير: هيا اعترف، والطالب المسكين يُنكر ويحلف، وهنا أراد المدير أن يضربه.. فأبى الطالب وقال له: لا تقدر أن تضربني.. فصعق المدير والمعلم.. كيف يقول ذلك ؟!!
بل أستطيع.. فبكى الطالب، وقال: لا.. لا تستطيع ضربي.. أولاً لأنني مظلوم، وثانياً لأنني اليوم صليت الفجر في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم قال من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله ..
فبكى المعلم والمدير وهداهما الله، فأصبحا يحافظان على الصلاة مع الجماعة وخصوصاً صلاة الفجر.
2- وهذه طفلة تربت على الستر والعفاف كانت ترتدي الحجاب، فأرادت المعلمة منها أن تخلعه باعتبارها ما زالت صغيرة، ولكن الطالبة ترفض، وبعد أن يئست المعلمة من استجابتها أغلظت عليها في القول وهددتها فبكت الطالبة وهي ثابتة على موقفها، فاقتربت منها المعلمة وسألتها لماذا تبكين؟ فقالت: لا أعرف من أطيع أنت أم هو؟ فقالت لها المعلمة: ومن هو؟ قالت: إنه الله الذي أمرنا بالحجاب. فبكت المعلمة متأثرة بكلام الطفلة وثباتها، ثم سألت عن أمها وشكرتها، وقالت: إن ابنتك أعطتني درساً لا أنساه في حياتي.
موقف الصغار مع الشباب:
1-هذا طفل صغير لا يتجاوز التاسعة سأله بعض الشباب عن طريق السينما فنظر إليهم متأملاً ثم قال: هذه الطريق توصلكما إلى السينما وهذه الطريق توصلكم إلى المسجد وأشار بيده إلى الطريقين !! فدهش الشباب من إجابته وحكمته عندما نبههم إلى أن الطريق إلى السينما طريق الشر وإلى المسجد طريق الخير .. فاستيقظوا من غفلتهم وسلكوا طريق المسجد وخطوا خطوات العودة إلى الله.
2-وهذا طفل يخاطب أخيه الأكبر: لو سمحت أغلق المسجل فإن الغناء حرام وأنا لا أريد سماعه.. فضحك أخوه ورفض أن يجيبه، ثم أعاد الطفل الطلب وفي هذه المرة قوبل بالاستهزاء والسخرية فقد اتهمه أخوه بالتزمت والتشدد !! وهدده بأن ينزله في الطريق ويتركه وحده.. وهنا سكت الطفل على مضض ولم يعد أمامه إلا أن ينكر بقلبه.. وكيف ينكر بقلبه إنه لا يستطيع مفارقة المكان فجاء التعبير بعبرة ثم دمعة نزلت على خده الصغير الطاهر فكانت أبلغ موعظة لذلك الأخ المعاند من كل كلام يقال.. فقد التفت إلى أخيه الصغير.. فرأى الدمعة تسيل على خده.. فاستيقظ من غفلته وبكى متأثراً بما رأى ثم أخرج الشريط من مسجل السيارة ورمى به بعيداً معلناً بذلك توبته من استماع تلك الترهات الباطلة..
Source link