قال الإمام النووي: “إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنًى واحد؛ وهو الكفر بالله تعالى، وقد يُفرَّق بينهما، فيُخَص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك، والله أعلم”
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
فما الفرق بين الشرك والكفر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: لا فرق بينهما.
فالكفر والشرك اسمان لمسمًّى واحد، وإطلاق أحدهما على الآخر من باب الترادف؛ فكل كافر مشرك، وكل مشرك كافر.
نسبه ابن حزم للشافعي[1]، وهذا قول أبي بكر بن الأصم[2]،واختاره ابن حزم[3]، واختاره جماعة من المعاصرين[4].
واستدلوا على ذلك:
بأن الله سمى الشرك كفرًا، وسمى الكفر شركًا؛ في نصوص منها:
أ- قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]، فسمَّى الله من يشرك بالله في العبادة كافرًا.
ب- قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 32، 33].
فسماهم الله كافرين، ومشركين.
ج- قال تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 37، 38]، فسمَّى فعله كفرًا، ثم في آخر نصحه وموعظته له بيَّن له ألَّا يشرك بالله، كما أشرك هو، وقال في آخر القصة: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 42]، فصرَّح هو بنفسه أن فعله شرك، وقد سماه صاحبه كفرًا، وهذا يدل على أنهما اسمان لمسمى واحد، وهما مترادفان.
القول الثاني: بينهما عموم وخصوص، فالكفر أعم من الشرك.
فالكفر: جحد الإيمان بالله أو بأحد رسله، أو عدم الإيمان به، أو فعل ما يدل على عدم الإيمان، ومدار الكفر على: الاستكبار، والجحود.
والشرك: هو أن يعبد مع الله أحدًا سواه.
وهذا قول الجمهور.
قال أبو هلال العسكري: “الفرق بين الكفر والشرك: أن الكفر خصال كثيرة على ما ذكرنا، وكل خصلة منها تُضادُّ خصلةً من الإيمان؛ لأن العبد إذا فعل خصلةً من الكفر، فقد ضيَّع خصلةً من الإيمان، والشرك خصلة واحدة، وهو إيجاد آلهة مع الله أو دون الله، واشتقاقه ينبئ عن هذا المعنى، ثم كثُرَ حتى قيل لكل كفر: شرك؛ على وجه التعظيم له، والمبالغة في صفته، وأصله كفر النعمة لتضييعه حقوق الله، وما يجب عليه من شكر نعمه، فهو بمنزلة الكافر لها، ونـقـيـض الـشـرك في الحقـيـقـة الإخلاص، ثم لما اسـتُـعـمـل في كل كـفـر صـار نـقـيـضـه الإيمان”[5].
قال الإمام النووي:
“إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنًى واحد؛ وهو الكفر بالله تعالى، وقد يُفرَّق بينهما، فيُخَص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى، ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك، والله أعلم”[6].
واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول:
أن الله تعالى قد غاير بينهما في القرءان؛ فقال: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].
وجه الاستدلال: العطف يقتضي المغايرة.
الدليل الثاني:
أن هذا مقتضى اللغة، والفرق اللغوي بين اللفظين: فلفظ الشرك، مأخوذ من الشريك، فمن لم يجعل لله شريكًا فليس مشركًا[7].
القول الثالث: أنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا.
“إذا افترقا”؛ يعني: في الذكر.
“اجتمعا”؛ يعني: في التعريف.
“إذا اجتمعا”؛ يعني: في الذكر
“افترقا”؛ يعني: في التعريف.
فالشرك والكفر إذا افترقا فهما بمعنًى واحد؛ وهو الكفر بالله تعالى، وإذا اجتمعا في آية، أو حديث، أو جملة، فالمراد بالكفر:جحود الخالق سبحانه، والمراد بالشرك:جعل شريكٍ لله من مخلوقاته، وإشراكه معه في الخلق أو العبادة، أو فيهما معًا.
فالكفر في أصله هضم للربوبية، والشرك في أصله هضم للألوهية.
الترجيح:
وأَولَى الأقوال بالصواب في نظري أن بين الشرك والكفر فرقًا، وبينهما تلازمًا.
أما الفرق بينهما: فهو العموم، والخصوص كما ذكرنا في القول الثاني.
وأما التلازم بينهما: فما من كافر، إلا وقد أشرك مع الله هواه، وشيطانه.
وما من مشرك إلا وقد كفر بوحدانية الله.
وبالله التوفيق.
[1] الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم (3/ 264)، طـ (دار الجيل)، بيروت.
[2] كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، التهانوي، (2/ 519)، طـ (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان، وأبو بكر الأصم: هو عبدالرحمن بن كيسان، ت (255 هـ)، فقيه معتزلي مُـفَـسِّر، فصيح اللسان. كانت له مناظرات مع العلَّاف، له عدة كتب؛ [انظر: طبقات المعتزلة، ابن المرتضى (ص: 56)، ت: سوسة ديفلد، بيروت، لبنان، سير أعلام النبلاء، الذهبي (9/ 402)، طـ (مؤسسة الرسالة)، بيروت، لبنان، لسان الميزان، الحافظ ابن حجر (5/ 121)، ت: أبو غدة، طـ (مكتبة المطبوعات الإسلامية)، الأعلام الزِّرِكلِي (3/ 323)، طـ (دار العلم للملايين)، بيروت، لبنان.
[3] الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم (3/ 265)، طـ (دار الجيل)، بيروت.
[4] منهم: ابن باز، والألباني، انظر: “فتاوى نور على الدرب”، ابن باز (1/ 280)، بعناية: الشويعر، و”فتاوى الألباني” (1/ 18).
[5] معجم الفروق اللغوية، العسكري، (ص: 454)، رقم: (1823)، طـ (مؤسسة النشر الإسلامي).
[6] صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 62)، تحت الحديث رقم: (134)، طـ (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان.
[7] الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم، (3/ 264)، طـ (دار الجيل)، بيروت.
______________________________________________________
الكاتب: محمد أنور محمد مرسال
Source link