صلاة الضحى لا تأخذ إلا الوقت اليسير فلا نفرط فيها فقال «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال»، والأواب هو المطيع لربه الراجع من طاعة إلى طاعة
شرع لنا ربنا تبارك وتعالى أن نفتتح يومنا بالصلاة فبعد طلوع الفجر ودخول النهار نصلي راتبة الفجر وفرضه وبعد طلوع الشمس وارتفاعها نصلى صلاة الضحى والصلاة من أعظم ما يستعان به على شؤون الحياة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: 153].
فبالصلاة يقوى القلب والبدن على ما يهم ويشق من أمور دنيانا فعن نعيم بن هَمَّار الغطفاني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «قال الله عز وجل يا ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» (رواه الإمام أحمد (21963) و غيره بإسناد حسن.
قال الطيبي: أي أكفك شغلك وحوائجك وارفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار. والمعنى فرغ بالك بعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في آخره بقضاء حوائجك فالجزاء من جنس العمل . فمن فرغ نفسه دقائق لأربع ركعات أو النهار لدقائق يسيرة يسر الله بقية يومه أول وقت صلاة الضحى من بعد طلوع الشمس وارتفاعها ويقدر ارتفاع الشمس بعشر دقائق تقريبا وآخر وقتها قبل دخول وقت الظهر بربع ساعة تقريبا ومما ينبه عليه أن وقت طلوع الشمس في التقويم وفي الساعات التي فيها مواقيت الصلاة هو من بدء ظهور قرص الشمس لا ارتفاعها فعلى هذا ينتظر عشر دقائق بعد وقت طلوع الشمس ثم يدخل وقت صلاة الضحى من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في المسجد يذكر الله بقراءة قرآن أو غيره ثم صلى الضحى بعد ارتفاع الشمس كتب له أجر حجة وعمرة فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فركع ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة» ” (رواه الطبراني في الكبير (7741) و جود إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/104) و المنذري في الترغيب و الترهيب (656) و حسنه الألباني في صحيح الترغيب و الترهيب (469) وله شاهد من حديث أنس و حديث ابن عمر.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بعدة صلاة الفجر يذكر الله فعن جابر بن سمرة أن النبي صلى اللهم عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ” رواه مسلم (670) فهذا الحديث يقوي حديث أبي أمامة وصلاة الضحى مشروعة إنما القدر الزائد في الحديث ثواب حجة وعمرة فلا نستكثر الثواب أو نشكك في ثبوت الحديث فالأجر من كريم جواد يجازي بالثواب الكثير على العمل القليل.
تأخير صلاة الضحى أفضل فعن القاسم الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى فقال أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» (رواه مسلم (748) والأواب هو المطيع لربه الراجع من طاعة إلى طاعة وقوله حين ترمض الفصال أي حين تحتمي أخفاف الفصال وهي الصغار من أولاد الإبل من شدة حر الرمل فتبرك وفي شدة الصيف ترمض الفصال قبل الظهر بأكثر من ساعة فيستحب تأخير صلاة الضحى إلى هذا الوقت إلا من جلس بعد صلاة الفجر في المسجد فيصلى الضحى بعد ارتفاع الشمس بصلاة الضحى شكر لله كل يوم على نعمة مفاصل البدن فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» (رواه مسلم (720).
ففي الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل ونحن مأمور أن نؤدي شكر هذه النعمة – التي لا يعرف قدرها إلا من فقد بعضها – كل يوم وإذا صلى المسلم الضحى تحركت المفاصل كلها فأدى شكرها هذا اليوم.
أقل المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد صلاة الضحى ركعتان وثبت أربع ركعات وأكثر ما صح عنه ثمان ركعات فعن أم هانئ بنت أبي طالب قالت لما كان عام الفتح أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى (” رواه البخاري (357) ومسلم (336) واللفظ له على خلاف بين أهل العلم في هذه السنة هل هي سنة الضحى أو سنة الفتح ولا مانع من الزيادة على الثمان فبعد ارتفاع الشمس وقت للتطوع.
ففي حديث عمرو بن عبسة ((صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر الحديث (رواه مسلم (1374).
يستحب للمسلم عموما ويتأكد ذلك في حق من لا يقوم آخر الليل أن يداوم على صلاة الضحى فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بصلاة الضحى فأوصى أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام” (رواه البخاري (1981) ومسلم (721) ومثله عن أبي ذر وأبي الدرداء رضي الله عنهما.
الأصل في صلاة الضحى أن تصلى فرادى فيصليها الشخص لوحده لكن لو صليت أحيانا جماعة جاز ذلك ففي حديث عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك قال فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا فصفنا فصلى ركعتين ثم سلم ” (رواه البخاري (407) ومسلم (48) وليس الأمر خاصا بصلاة الضحى بل عام في النوافل التي يصليها الشخص منفردا يجوز فعلها جماعة أحيانا.
صلاة الضحى كغيرها من الصلوات إذا فات وقتها بعذر من نوم أو نسيان أو شغل تقضى ولو خرج وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها» (رواه مسلم (680).
صلاة الضحى لا تأخذ إلا الوقت اليسير فلا نفرط فيها حتى أكثر الموظفين يستطيعون أن يصلوها من غير أن يؤثر ذلك على أعمالهم.
البعض ربما ترك صلاة الضحى أو غيرها من النوافل إذا كان بحضرة الناس لخشيته من الرياء وهذا من الخطأ فما اعتاده الشخص من النوافل لا يتركه إذا كان بحضرة الناس قال الفضيل بن عياض ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك.
مما يلقه الشيطان في قلوب البعض ليصده عن الخير ظنه أنه إذا أدى نفلا من صلاة أو صيام أو غير ذلك وجب عليه المداومة عليه أو يكره تركه وهذا خطأ فكل خير يقوم به الواحد منا يؤجر عليه {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [سورة الزلزلة: 7].
ولا تجب المداومة إلا على الواجبات أما النوافل فتستحب المداومة عليها فعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته” رواه مسلم (746).
لنحافظ على صلاة الضحى ولا نتركها إلا من عذر فنكون مع ربنا من عبادة إلى عبادة فندخل في عداد الأوابين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب» قال : «و هي صلاة الأوابين» ” (رواه الحاكم (1/ 459). وقال حديث صحيح على شرط مسلم.
ولنكن من الأوابين والأوابون خيرة عباد الله ومنهم الأنبياء {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [سورة ص: 30] وقد وعد الله الأوابين بالثواب الجزيل على أعمال يسيرة يسرها الله لهم {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: ٣١ – ٣٥].
__________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الزومان
Source link