مة الله وبركاته. هل القدسية والقداسة من صفات الله. وهل كلمة “التقديس” من صفات الله لأنني حسب تفسير الشخصي التقديس هو إشارة لأفعال المخلوقين فالإنسان هو من يقدس خالقه
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا ريب أن الله سبحانه وصف نفسه بصفات، وسمى نفسه بأسماء، وأخبر عن نفسه بأفعال، فسمى نفسه بالرحمن الرحيم، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن العزيز، الجبار المتكبر، إلى سائر ما ذُكر من أسمائه الحسنى، ووصف نفسه بما ذكره من الصفات.
قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فسبح، ونزه نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده، واستحالة إثبات شريك له، وكل اسم له صفة، وللصفة حكم، فهو سبحانه واحد الذات، كثير الأسماء والصفات، فهذه كثرة في وحدة.
اسم القُدّوُس سبحأنه متضمن لكمال طهارته من جميع صفات النقص والعيب والآفات، والقدوس سبحانه هو المتنزه أن يماثله شيء في نعوت الكمال، أو يلحقه شيء من الآفات. الطاهر البليغ في النزاهة عن كل نقصأن.
وقال الإمام الشوكأني في معنى (القُدُّوس) : الطاهر من كل عيب المنزه عن كل نقص، الطاهر البليغ في النزاهة عن كل نقصأن؛ قال سبحانه وتعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [الجمعة: 1]، قال وهب بن منبه: الطاهر، وقال مجاهد وقتادة: المبارك، وقال ابن جريج: تُقَدِّسه الملائكة الكرام.
وقال الإمام الشوكأني في معنى (القُدُّوس) : الطاهر من كل عيب، المنزه عن كل نقص.
كما يجب على المؤمن أن ينزه خالقه جل وعلا عن كل عيب ونقص، بأن يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء الحسنى وصفات الكمال العليا، وأثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وأن ينفي عن الله جل وعلا ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص؛ قال الله تعالى: {لَي{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 1 – 4].
والحاصل أن الله سبحانه يجب تنزيهه عن كل عيب ونقص وآفة؛ فإنه القدوس السلام الصمد، السيد الكامل في كل نعت من نعوت الكمال.
فكل كمال ثبت لموجود من غير استلزام نقص، فالخالق تعالى أحق به وأكمل فيه منه، وكل نقص ينزه عنه مخلوق، فالخالق أحق بتنزيهه عنه وأولى ببراءته منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “الرد على الشاذلي”(ص: 214): “وهو تنزيهه تعالى عن النقص والعيب بكل وجه؛ وذلك داخل في معنى اسمه القدوس السلام، فإنه مستحق لصفات الكمال، وهي من لوازم ذاته؛ فكل ما نافى كماله اللازم له، وجب نفيه عنه؛ لامتناع اجتماع الضدين، وبهذا تبيَّن أن تنزيهه عن النقائص يُعْلَم بالعقل”. اهـ.
وقال في “بيان تلبيس الجهمية”(5/ 85): “وهو سبحانه القدوسُ السلامُ، والقدوسُ مأخوذ من التقديس: وهو التطهير، ومنه سُمِّيَ القدوس قدوسًا”. اهـ.
وجاء “جامع الرسائل” له (1/ 129): “وأهل السنة أثبتوا ما أثبته لنفسه، له الملك والحمد، فهو على كل شيء قدير، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو خالق كل شيء، وهو عادل في كل ما خلقه، واضع للأشياء مواضعها، وهو قادر على أن يظلم لكنه سبحانه منزه عن ذلك لا يفعله؛ لأنه السلام القدوس، المستحق للتنزيه عن السوء، وهو سبحانه سبوح قدوس، يسبح له ما في السماوات والأرض، وسبحان الله كلمة -كما قال ميمون بن مهران – هي كلمة يعظم بها الرب، ويحاشى بها من السوء،
وكذلك قال ابن عباس وغير واحد من السلف: إنها تنزيه الله من السوء، وقال قتادة في اسمه المتكبر: إنه الذي تكبر عن السوء، وعنه أيضًا: إنه الذي تكبر عن السيئات، فهو سبحانه منزه عن فعل القبائح، لا يفعل السوء ولا السيئات، مع أنه سبحانه خالق كل شيء، أفعال العباد وغيرها”. اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
Source link