دور المنظمات الدولية في نشر الشذوذ حول العالم

د. كاميليا حلمي محمد

مجلة البيان

تضع هيئة الأمم المتحدة قضية نشر الشذوذ ودعم الشواذ جنسيًّا من أولويات أجندة (حقوق الإنسان) الدولية؛ حيث تسعى إلى فرضها على كل شعوب الأرض، من خلال عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أصدرتها لجانها المختلفة؛ (المرأة، الطفل، السكان والتنمية، حقوق الإنسان…)، ووضعت آليات ومسارات تعمل من خلالها على تغيير ثقافات الشعوب بشكل جذريّ وتدريجيّ، حتى غدا رؤساء بعض الدول الغربية يتسابقون إلى تعيين الوزراء ورؤساء الوزارة من الشواذ جنسيًّا؛ ليحظوا بسُمْعَة (احترام حقوق الإنسان).

وعن طريق المعاهدات الدولية، ينتقل ذلك الوباء إلى الدول الإسلامية وما حولها، أو ما يطلقون عليها دول العالم الثالث أو العالم النامي، والتي تتميز شعوبها بأنها شعوب مُحافِظة تَحرص على التمسك بالأخلاق والقِيَم الأسرية الفطرية، المستمدَّة في الغالب من الدِّين والأعراف والتقاليد.

(الجندر).. بوابة الشذوذ الجنسي في الأجندة الدولية

تم إدماج الشذوذ الجنسي و(حقوق الشواذ) في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، من خلال استبدال مصطلح (الجنس Sex) -والذي يعني ذكر وأنثى فقط- بمصطلح (الجندر) الذي يشمل الذكر والأنثى والشواذ، ثم تم تعريف مصطلح (الجندر) في المواثيق الدولية بشكل شديد المطاطية؛ حتى يمكن تمريره لدى الحكومات المحافظة بأقلّ قَدْر من الاعتراض والمقاومة.

وجاء تغلغل منظور الجندر في الأمم المتحدة مع دخول النسويات الراديكاليات ومشاركتهن في صياغة الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة عام 1945م، ومشاركتهن في تأسيس لجان المرأة، وحقوق الإنسان، والطفل، وغيرها، ثم مشاركتهن في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، وما تلاه من مواثيق ومعاهدات دولية؛ فقد عملن على إدماج منظومة الجندر في تلك المواثيق، وذلك بشكل مُتدرّج.

وفي المؤتمر العالمي الرابع للمرأة 1995م، والذي عُقِدَ في بكين عاصمة الصين، تكرَّر مصطلح الجندر في الوثيقة الصادرة عن ذلك المؤتمر بشكلٍ لافتٍ؛ مما دفَع الحكومات المحافِظَة إلى الإصرار على تعريفه، فجاء تعريفه ضبابيًّا باهتًا.

 فقد ورد في الملحق الرابع لتقرير هذا المؤتمر بشأن (الجندر) ما يلي:

«  استُخدمت كلمة جندر gender وفُهِمَت في إطار استعمالها الاعتيادي والمقبول عمومًا في عدة ملتقيات ومؤتمرات للأمم المتحدة.

  ليس ثمة دليل على أن معنًى أو مدلولاً جديدًا للمصطلح يَختلف عن استعماله المقبول السابق قد ضُمِّن في منهاج العمل.

  بناء على ذلك يؤكد فريق الاتصال[1] على أن كلمة (جندر gender) المُستعمَلة في منهاج العمل يُقصَد أن تُترجَم وتُفهَم وفقًا لاستخدامها الاعتيادي والمقبول عمومًا»[2].

وتظهر المراوغة الشديدة في هذا النص الذي لم يُعرِّف (الجندر) بأنه (الجنس)، بمعنى ذَكر وأنثى، وإنما استخدم عبارات مُبهَمة شديدة المطاطية مثل: عبارة «فُهِمَت في إطار استعمالها الاعتيادي والمقبول عمومًا في عدة ملتقيات ومؤتمرات للأمم المتحدة»، وعبارة «كلمة (الجندر) تُترجَم وتُفهَم وفقًا لاستخدامها الاعتيادي والمقبول عمومًا». وهي تعبيرات فضفاضة جدًّا وقابلة للتغيُّر من مكان لمكان، ومن زمان لزمان. فإذا تغيَّر (الاعتيادي والمقبول)، وأصبح يتقبّل الشواذ ويحترم وجودهم، وهو ما يجري حاليًا بالفعل على مستوى مؤتمرات الأمم المتحدة، وعلى مستوى العالَم كله، فإن (الجندر) سيشمل الشواذ جنسيًّا باعتبار أن وجودهم أضحى (اعتياديًّا ومقبولاً)!

ولتجاوز الاعتراضات مِن قِبَل الحكومات المُحافِظَة، قيل: لها أن تُعرّفه بما تشاء. وبالفعل عرّفته معظم الدول العربية والإسلامية بأنه يعني (الذكر والأنثى)، وتم ترجمة (مساواة الجندرGender equality) في المواثيق المُترجَمة إلى اللغة العربية إلى (المساواة بين الجنسين)، وعلى هذا الأساس تم تمرير مصطلح (الجندر) في جُلّ المواثيق الدولية.          

 ثم عرّفته لاحقًا مستشارة الأمين العام لشؤون الجندر كما يلي: «الجندر يشير إلى الخصائص والفرص الاجتماعية المرتبطة بالذكورة والأنوثة، والعلاقات بين الرجال والنساء، وبين الفتيات والفتيان، وكذلك بين النساء بعضهم البعض، وبين الرجال بعضهم البعض. هذه السمات والفرص والعلاقات مبنية اجتماعيًّا socially constructed، وتُعلَّم من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية. فهي قابلة للتغيير وفقًا للسياق والوقت. ويحدد الجندر ما هو متوقَّع ومسموح به ومُقَيَّم في سياق مُعيَّن. وفي معظم المجتمعات تُوجد اختلافات وأوجه عدم مساواة بين المرأة والرجل في الاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة بها، والأنشطة المضطلع بها، والوصول إلى الموارد والسيطرة عليها، فضلاً عن فرص اتخاذ القرارات. الجندر هو جزء من السياق الاجتماعي الثقافي الأوسع»[3].

إن نظرية الجندر تنسف كل الثوابت التي عرفتها البشرية حول خصائص وأدوار الناس والعلاقات فيما بينهم، فأيّ (نوع) يمكن أن يقوم بأيّ دور، وأيّ (نوع) يمكن أن يُقِيم علاقة مع أيّ (نوع)، وإن شئنا القول، مع أيّ مخلوق من المخلوقات على هذه الأرض!

اعتبار (الهوية الجندرية) و(الميل الجنسي) من حقوق الإنسان العالمية!

في عام 2006م، اجتمع عدد من المشاركين من مختلف المناطق والخلفيات، ممن يطلقون على أنفسهم (خبراء في حقوق الإنسان)، من بينهم: قضاةٌ، وأكاديميون، ومفوَّضٌ سامٍ سابق لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وُمقرِّرٌ خاص في الأمم المتحدة، وأعضاءٌ في هيئات خاصة بمعاهدات دولية، ومنظمات غير حكومية، وآخرون، في مدينة يوجياكارتا في إندونيسيا؛ وذلك لصياغة عدد من (المبادئ) تُمثِّل الحقوق التي يطالب بها الشواذ جنسيًّا، منها: رفع الصفة الإجرامية عن ذوي (الهوية الجندرية المتحوّلة) وأصحاب (الميول الجنسية) المختلفة، وضمان حرية التعبير لهم، وإدماجهم في العمل والصحة والتعليم والمشاركة العامة، وغيرها من المطالبات التي تَضمن لهم المساواة تمامًا بالأسوياء على المستويين القانوني والمجتمعي في آنٍ واحدٍ، وعرفت تلك الورقة بـ(مبادئ يوجياكارتا)[4].

 وقد تبنَّت (المبادئ التوجيهية بشأن الحماية الدولية الصادرة عن المفوّض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة UNHCR)[5] التعريفات التي جاءت بها (مبادئ يوجياكارتا) لكل من (الهوية الجندرية)، و(الميل الجنسي)، والتي جاءت على النحو التالي:

  الهوية الجندرية gender identity هي: «ما يشعر به كل شخص في قرارة نفسه من خبرة داخلية وفردية بالجندر، بصرف النظر عن النوع المقيَّد في شهادة الميلاد، بما في ذلك إحساس الشخص بجسده. وقد يشمل ذلك- بشرط حرية الاختيار -تعديل مظهر الجسد أو وظائفه بوسائل طبية أو جراحية أو بوسائل أخرى، وغير ذلك من وسائل التعبير عن النوع كاللباس وطريقة الكلام والسلوكيات».[6]

  الميل الجنسي Sexual orientation يشير إلى: «انجذاب كل شخص عاطفيًّا ووجدانيًّا وجنسيًّا إلى أشخاصٍ من جنس آخر أو من ذات الجنس، أو من أكثر من جنس، وإقامة علاقة حميمة وجنسية معهم»[7].

إدماج الشواذ في تجارة الجنس وحمايتهم قانونًا

لم يعد البغاء قاصرًا على طائفة من النساء فقط، بل عملت المواثيق الدولية على إدماج الرجال والشواذ جنسيًّا ضمن فئة (المشتغلين بالجنس)، وضمان كافة الحقوق لهم جميعًا، واعتبار الدعارة عملاً مثل سائر الأعمال. والبوابة الكبرى التي يطرحون من خلالها ذلك الطرح هي بوابة (الحماية من الإيدز).

 فقد أصدرت الأمم المتحدة دليلاً إرشاديًّا بشأن الإيدز والعمل بالجنس[8] UNAIDS  Guidance Note  on HIV and Sex Work ، وقد عرّف الدليل (الداعرين) كما يلي: «العاملون في الجنس هم: أنثى، وذكر، ومتحول النوع، من البالغين والشباب (ذوي الأعمار ما بين 18 – 24)، الذين يتلقون المال أو البضائع في مقابل خدماتهم الجنسية، إما بشكل دوري أو في المناسبات»[9].

ويؤكد الدليل على ضرورة حماية تلك الفئة من التجريم القانوني والمجتمعي، والسبب أن هذا التجريم يؤدي إلى إحجامهم عن شراء الواقيات الذكرية للوقاية من مرض الإيدز؛ حيث نص التقرير على: «كثير من الناس الذين يتبادلون الجنس مقابل المال أو السلع لا يجرؤون على تعريف أنفسهم كعاملين في مجال الجنسsex workers ، فلا يسعون إلى الحصول على المشورة أو الخدمات المتعلقة بالوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية والعلاج والرعاية والدعم للعاملين في مجال الجنس.. وقد يكون العاملون في الجنس ضحايا للمواقف التمييزية القائمة على الجندر، والعنف، والاستغلال الجنسي، وبانتمائهم لمجموعات سكانية أخرى مُعرَّضة بشدة لفيروس نقص المناعة البشرية، مثل الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال ومستخدمي المخدرات بالحقن»[10].

ويعتبر الدليل حقّ الداعرين في الأمان والحرية الجنسية من حقوق الإنسان؛ حيث ينص على: أنه «ينبغي بَذْل كل الجهود مِن قِبَل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومنظمات المشتغلين بالجنس والجهات المانحة والأمم المتحدة لدعم العاملين في مجال الجنس؛ لاكتساب المهارات والتعليم وفرص العمل التي ستساعدهم في ممارسة الاختيار الحرّ، بما يتماشى مع التمتع الكامل بحقوق الإنسان الخاصة بهم. وبغضّ النظر عن الوضع القانوني للعمل الجنسي، يجب دائمًا تطبيق منهج قائم على حقوق الإنسان»[11].

 وقد أصدر صندوق السكان UNFPA بالأمم المتحدة كتابًا بعنوان (الحقيبة العالمية لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية للرجال والفتيان البالغين)، أشار الكتاب إلى عمل الشواذ في الدعارة، فنص على: «يشير مصطلح الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال إلى جميع الرجال الذين ينخرطون في علاقات جنسية أو رومانسية مع رجال آخرين. يشمل المصطلح التنوع الكبير في الإعدادات والسياقات التي يحدث فيها الجنس من الذكور إلى الذكور، بغض النظر عن الدوافع المتعددة للانخراط في الجنس. بعض الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال يشكلون أيضًا علاقات مع نساء أو هم أنفسهم متزوجون من نساء. بعض الرجال يبيعون الجنس لرجال آخرين، بغض النظر عن هويتهم الجنسية. بعض الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال لا يربطون أنفسهم بأي هوية أو مجتمع معين»[12].

اللافت أن ذِكر أنواع الشواذ والداعرين بهذا الشكل الفاضح قد صدر من هيئة دولية ينص ميثاقها على احترام التنوع الثقافي لشعوب الأرض. فهل من احترام الشعوب طَرْح مثل تلك القضايا بهذا الشكل الفجّ وغير المقبول وفَرْضه كأمرٍ واقعٍ، تحت شعار تشجيع الشواذ على طلب (خدمات الصحة الجنسية والإنجابية)، والذي يؤدي بالنهاية إلى تطبيع الفاحشة في المجتمعات؟!

الأمم المتحدة تتصدر لحماية الرذيلة

عبر بوابة (الحماية من الإيدز) تَعقد الأمم المتحدة المؤتمرات تلو المؤتمرات للتأكيد على حماية الداعرين والشواذ جنسيًّا، ويتضح ذلك على النحو التالي:

 ففي المؤتمر الدولي المعني بالإيدز، مكسيكو سيتي أغسطس/آب 2008م، أكَّد بان كيمون -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- شخصيًّا في خطابه على ضرورة حماية الشواذ جنسيًّا وأماكن الدعارة، حيث قال: «في معظم البلدان، يظل التمييز قانونيًّا ضد النساء، وضد الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، والمشتغلين بالجنس، ومتعاطي المخدرات والأقليات العرقية. هذا يجب أن يتغير.. من غير الأخلاقي عدم حماية هذه المجموعات، كما أنه ليس منطقيًّا من منظور الصحة العامة. إنه يؤلمنا جميعًا»[13].

 أما مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فيقوم بمتابعة الحكومات في تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وإصدار التقارير حول ذلك؛ فقد ذكر التقرير المشترك للأمم المتحدة: «أن حكومة بابوا غينيا الجديدة وافقت مؤخرًا على أن تقوم لجنة إصلاح الدستور والقوانين بمراجعة القوانين القائمة المتعلقة بالبغاء والجرائم الجنسية المخالفة للطبيعة.. لنزع الصفة الجرمية عن الاشتغال بالجنس، وعن ممارسة الجنس بالتراضي بين مثليي الجنس»[14].

 وفي عام 2012م، عقد مجلس حقوق الإنسان في جينيف مؤتمرًا خاصًّا لحماية الشواذ والمتحوّلين جنسيًّا، كان عنوانه (العنف والتمييز المبنيان على الهوية الجندرية والميل الجنسي Violence and Discrimination based on Sexual Orientation or Gender Identity)، تقدم بان كي مون -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- ببيان قال فيه: «البعض يقول: إن الميل الجنسي والهوية الجندرية هي أمور حساسة. أنا أتفهم مثل الكثيرين من أبناء جيلي، لم أَتَرَبَّ على الكلام حول تلك المواضيع. لكني تعلمت أن أتكلم؛ لأن هناك أرواحًا مهددة، ولأن واجبنا -تحت ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان- هو حماية حقوق كل إنسان في كل مكان.. أقول للسحاقيات واللوطيين ومتعددي الممارسات والمتحولين جنسيًّا: لستم وحدكم، إن كفاحكم لإنهاء العنف والتمييز هو كفاح مشترك. أي هجوم عليكم هو هجوم على القِيَم العالمية التي أقسمت الأمم المتحدة وأنا على حمايتها ومساندتها.. اليوم، أقف معكم، وأدعو كل الدول والشعوب للوقوف معكم أيضًا.. وأرفض المساعدة المشروطة.. نحتاج خطوات بنَّاءة.. لا بد من القضاء على العنف.. لا بد من عدم تجريم العلاقات الجنسية المثلية الرضائية.. منع التمييز.. وتثقيف الجماهير. نحتاج أيضًا إلى تقارير دورية لكشف الانتهاكات.. أعتمد على المجلس (مجلس حقوق الإنسان) والشعوب في تحقيق هذا.. فقد آن الأوان»[15].

كانت تلك رسالة واضحة من الأمين العام للأمم المتحدة لكل شعوب الأرض؛ بأن الأمم المتحدة لن تترك الشواذ وحدهم، استنادًا لميثاقها التأسيسي وإعلان حقوق الإنسان، وأن كفاحهم معًا هو كفاح مشترك، وأن العمل سيكون على مسارين: مسار قانوني، متمثلاً في (منع التمييز)، ومسار شعبي مجتمعي، متمثلاً في (تثقيف الجماهير)، بمعنى تغيير ثقافة الشعوب لتتقبل الشواذ وتحميهم. ثم طالَب مجلس حقوق الإنسان بتقديم تقارير دورية تُبيّن أوضاع الشواذ في العالم بغرض حمايتهم. وبالطبع، يَصْحب تقديم تلك التقارير تمويلات ضخمة من الأمم المتحدة؛ لتحفيز (الشعوب) على المشاركة في الحراك العالمي لحماية الشواذ.

 وعلى خُطَى سَلفه، أعلن السيد جوتيريس -الأمين العام الحالي للأمم المتحدة- أن «هناك تقارير عن إساءة استخدام توجيهات COVID-19 مِن قِبَل الشرطة؛ لاستهداف أفراد ومنظمات LGBTI.. معًا دعونا نقف متَّحدين ضد التمييز، ومن أجل حقّ الجميع في أن يعيشوا أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق»[16].

 وتقول ميشيل باشليت -مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان-: «في الواقع، جعلت الأزمة الأمور أسوأ بالنسبة للأشخاص المثليين؛ غالبًا ما يتعرَّض الأشخاص المثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجندرية والخنثى لوصم وتمييز وعنف إضافي، بما في ذلك عند البحث عن الخدمات الطبية.. دعونا نتصدَّى للروايات والمواقف المعادية للمثليين والمتحولين جنسيًّا، والتي لها تأثير مُدمّر على حياة العديد من البشر في جميع أنحاء العالم. وحثَّت السيدة باشليت الجميع على الوقوف ضد الكراهية و(كسر حاجز الصمت) المحيط بأفراد مجتمع الميم»[17].

منظمة الصحة العالمية ترفع التحول الجنسي من قائمة (الاضطراب):

 بهدف رفع الوصمة المرتبطة بالشذوذ الجنسي، ووقف إدراج التحول الجنسي على أنه اضطراب، عملت منظمة الصحة العالمية WHO  في عام 2018م على تحديث تصنيفها الدولي للأمراض International Classification of Diseases؛ حيث تم نشر الطبعة السابقة منذ أكثر من عقدين. وعرض التصنيف الدولي ICD-11 في جمعية الصحة العالمية World Health Assembly في ربيع عام 2019م، وأصبح فعالاً في بداية عام 2022م؛ حيث قامت منظمة الصحة العالمية بإزالة التناقض الجندري gender incongruence من الفصل الخاص بالاضطرابات العقلية mental disorders، ووضعته في فصل تم إنشاؤه حديثًا حول الصحة الجنسية sexual health. في حين أن هذا الفصل الجديد يحتوي أيضًا على اضطرابات جنسية sexual disorders، فإن التناقض الجندري gender incongruence يُعطى قسمًا خاصًّا به خالٍ من اللغة التي يعتبرها النشطاء من المتحولين جنسيًّا واصمة بالعار stigmatizing [18].

وتقول د. لالي ساي Lale Say -منسّقة الفريق المعني بالمراهقين والفئات السكانية المعرّضة للمخاطر في منظمة الصحة العالمية-: إنه «من أجل الحدّ من وصمة العار مع ضمان الوصول إلى التدخلات الصحية الضرورية، تم وضع هذا في فصل مختلف»[19].

في السابق كانت منظمة الصحة العالمية تَعْتَبِر التحول الجنسي (اضطرابًا)، ولكن وجدت أن هذا الأمر يصم هؤلاء المتحولين بالعار؛ مما يجعلهم يُحْجِمُون عن طلب الصحة الجنسية والإنجابية، لهذا قررت المنظمة نقل التحول الجندري – والذي أطلقت عليه عبارة (التناقض الجندري) – إلى قسم خاصّ خالٍ من أيّ كلمات أو عبارات تُحيطه بوصمة العار!

ويُعدّ رفع الوصمة المرتبطة بالشذوذ الجنسي من أخطر التغييرات الثقافية والمجتمعية التي تعمل عليها الأمم المتحدة، فالوصمة في حدّ ذاتها تُعدّ واحدة من الوسائل والتدابير التي تحمي المجتمع من انتشار الفواحش. وفي الإسلام تُقام الحدود علانية ليتحقق الغرض من الوصمة، وهو زَجْر مَن تُسوّل له نفسه ارتكاب الفاحشة، ورفع الوَصْم يُؤدِّي إلى المجاهرة بالفاحشة، فيقع المجتمع تحت طائلة ما حذَّر منه رسول الله # بقوله: «كل أُمتي مُعَافًى إلا المُجاهِرين» (صحيح البخاري: ٦٠٦٩).

 

[1] الفريق الذي أُسندت له مهمة تعريف كلمة جندر في أعقاب التساؤل عن معناها في الجلسة التاسعة عشرة للجنة «وضع المرأة»، التي مهَّدت لانعقاد مؤتمر بكين. كان هذا الفريق برئاسة «سلمى أشيبالا» من دولة ناميبيا.

[2]  Report of the Fourth World Conference on Women, Beijing 1995, Annex iv, para. 2, 3, p. 218.

[3]  Concepts and definitions, UN WOMEN.

[4] للمزيد انظر: مبادئ يوجياكارتا

http://yogyakartaprinciples.org/principles-ar/about /

[5]  GUIDELINES ON INTERNATIONAL PROTECTION NO. 9, UNHCR, HCR/GIP/12/09, 23 October 2012TERMINOLOGY.

[6] مبادئ يوجياكارتا حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي وهوية النوع، مارس 2007م، المدخل.

[7] المرجع السابق.

[8]  UN AIDS Guidance Note on HIV and Sex Work, UNAIDS/ 09.09E, Last updated April 2012http://www.unaids.org/sites/default/files/sub_landing/files/JC2306_UNAIDS-guidance-note-HIV-sex-work_en.pdf .

[9] المرجع السابق، ص 3.

[10] المرجع السابق، ص 4.

[11] المرجع السابق، ص 6.

 [12] Global Sexual and Reproductive Health Service Package for Men and Adolescent Boys, Section 2, Page 60.

[13]  UN AIDS Guidance Note on HIV and Sex WorkUNAIDS/ 09.09E, Last updated April 2012, P 2.

[14] تجميع للمعلومات أعدته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة الحادية عشرة، بابوا غينيا الجديدة، جنيف، مايو 2011م، تنفيذ الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، البند (4/50)، ص 12.

 [15] Message to Human Rights Council meeting on Violence and Discrimination based on Sexual Orientation or Gender Identity, Secretary-General Ban Ki-moonGeneva (Switzerland), 07 March 2012, UN News Center.

[16] Unite against hate and violence targeting LGBTI people: UN officialsHuman Rights, 16 May 2020, UN News.

[17] Ibid.

[18] Transgender No Longer Listed as Disorder by World Health Organization, By Rebecca Oas, Ph.D., July 5, 2018, Center for Family & Human Rights.

[19] WHORevision of ICD-11 (gender incongruence/transgender) – questions and answers (Q&A)World Health OrganizationPublished on Jun 18, 2018.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *