منذ حوالي ساعة
إن التطورات التكنولوجية التي نعيشها في عالَمنا المعاصر لا شك أن فوائدها جمة إذا ما تم استغلالها في نطاقها الصحيح
إن التطورات التكنولوجية التي نعيشها في عالَمنا المعاصر لا شك أن فوائدها جمة إذا ما تم استغلالها في نطاقها الصحيح، ولكن أيضًا لا بد من الاعتراف أنه كما أن لها فوائد، فإن أضرارَها أكثر من نفعها، لا سيما في مجتمعاتنا العربية التي تعد مستهلكة لهذه التكنولوجيا، وليست منتجة لها، ولعل أكثر التأثيرات الضارة لهذه التكنولوجيا – وبالأخص الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الآونة الأخيرة – يعود في المقام الأول على الطفل، بما يؤثّر على إمكانية خلق جيل قادر على قيادة أمة.
وإذا ما نظرنا إلى أغلب الدراسات التي أجريت في هذا الصدد في مختلف دول العالم سنجد أنها تشيرُ إلى نتائج تؤيِّدُ أن للإنترنت أضراره البالغة على الأطفال، وتؤكد أيضًا على أن الأطفال يقضون معظم أوقاتهم أمام صفحات الإنترنت بحد وصل إلى الإدمان، ففي دراسة صينية صدرت مؤخرًا أوضحت أن 13% من مدمني الإنترنت حول العالم من الأطفال، وغيرها من الدراسات التي أكدت أن ملايين الأطفال يقضون ساعات طويلة أمام الإنترنت في الوقت الذي قد لا يعلم فيه الآباء ما يقوم به أبناؤهم على هذه الشبكة العنكبوتية، وقد أكدت الدراساتُ أيضًا أن متوسط عمر الأطفال الذين يستخدمون الإنترنت هو ثلاثة أعوام.
وحول هذا تؤكد الدكتورة نادية رجب – أستاذ علم الاجتماع – على أن استخدام الإنترنت بالنسبة للأطفال له مساوئه الكثيرة، والتي قد تفوق مميزاته، لا سيما في التأثير على علاقات الطفل الاجتماعية، مشيرة إلى أن إضاعة الوقت أمام الإنترنت، والغوص في عالمه، تكون له نتائجه الملحوظة والمباشرة على علاقة الطفل بأسرته، وعلى علاقاته الاجتماعية، ومع الاستمرار على هذه العادة ومداومة الاندماج في عالم الإنترنت بعيدًا عن العالم الحقيقي، يحدُثُ بداخل الطفل نوعٌ من الانفصال، والشعور بالفردية، والرغبة في الابتعاد عن أي مشاركة اجتماعية، سواء على مستوى الأسرة، أو على مستوى المجتمع المحيط به من أصدقاءَ وجيران وغيرهم.
وأوضحت “نادية”: إن هذه الظاهرة لا ينتج عنها تأثيرات فردية، وإنما يترتب عليها نتائج سلبية على نطاق واسع، تتمثل في التأثير على مستوى الأطفال من الناحية الدراسية، وتغير سلوكياتهم بشكل سلبي؛ نتيجة لِما يرونه ويتعاملون معه في هذا العالم الافتراضي؛ مما ينتج عنه في نهاية الأمر من إخراج جيل افتراضي غير قادر على التواصل مع المجتمع الذي يعيش فيه، وغير قادر على التعامل مع من حوله إلا من خلال العالَم الافتراضي الذي تعوَّد عليه منذ صغره.
وأضافت “أستاذ علم الاجتماع”: يعد تأثير الإنترنت على الأطفال أشد وأقوى من أي تأثير آخر، سواء كان من الأسرة، أو من المدرسة، ومن ثَم يتوجب توافر نوع من المراقبة المستمرة من جانب الوالدين على أطفالهما، على أن يكون ذلك من خلال توضيح مساوئ الإنترنت بالنسبة للطفل، عن طريق حوار جاد ومقنع، فضلاً عن تحديد أوقات جلوسه على الإنترنت؛ بحيث لا تكون طوال اليوم أو في كل وقت؛ حتى لا يؤدي ذلك بالطفل إلى التمسك بهذا العالم الافتراضي، والاستغناء عن عالَمه الحقيقيِّ والواقعي.
ومن جانبه يقول الدكتور أحمد عبدالرؤوف – أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان -:
لا شك أن الإنترنت في وقتنا الحالي أصبح عنصرًا مهمًّا لا غنى عنه في كثير من الأمور، وبالنسبة للأطفال فإن الإنترنت قد جعَلهم يقضون معظم طفولتهم عليه؛ نظرًا لِما يشعرون فيه بالمتعة والتشويق عن طريقِ التواصل والانخراط مع الآخرين، من خلال المراسلات البريدية، والتي زادت بدرجةٍ كبيرة بعد هذا الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح “عبدالرؤوف” أن هذا الاستخدامَ الواسع للإنترنت من قِبَل الأطفال، وأنه على الرغم من فوائده، فإنه أيضًا لا يُعَد آمِنًا في الوقت ذاته، خاصة أن هناك دراسات أكدت أنه من كل 2 مليون طفل هناك ما يقرب من 400 ألف طفل يتم استغلالهم إباحيًّا، لا سيما أن الدراسات أكدت أيضًا أن المواقع الإباحية على الشبكة العنكبوتية تزداد كلَّ يوم بدرجة كبيرة، حتى وصلت إلى ظهور ما يقرب من 4000 موقع إباحي جديد كل يوم، الأمر الذي يشكِّلُ خطورة كبيرة على مستخدمي الإنترنت من الأطفال.
وأكد أستاذ علم الاجتماع على أن حلَّ هذه الظاهرة لا يكمُنُ في منع الأطفال من استخدام الإنترنت، خاصة أن الأسرة إذا تمكنت من ذلك أمام أعينها، فإنهم لن يتمكنوا من منع أطفالهم من استخدام الإنترنت خارج المنزل، مشيرًا إلى أن السماحَ للطفل باستخدام الإنترنت في المنزل أفضلُ بكثير، ولكن يجب أن يتمَّ ذلك من خلال ضوابط ومعايير يجب أن يراعيَها الوالدان، يتمثل أهمُّها في العمل على إحاطة الطفل علمًا بهذه الوسيلة التي يتعامل معها، وتنبيهه إلى المخاطر التي قد يتعرض لها أثناء التصفح، فيما يُعرَف بعملية تثقيف كاملة للطفل بالإنترنت؛ حتى لا يكون جاهلاً بما يتعامل معه، ومن ثم يكون فريسة للجوانب السيئة في الإنترنت، وأن تحرص الأسرة دائمًا على ترسيخ مخافة الله عز وجل داخل نفوس أطفالهم، وإعلامهم بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليهم في كل وقت؛ حتى يكون ذلك بمثابة رقابة ذاتية من الطفل على نفسه.
وحول كيفية حماية الأطفال من أخطار الإنترنت تقول الدكتورة إيمان حسين – اختصاصية الصحة العامة -: إن هناك بعضَ الأمور التي إذا ما اتَّبعها الوالدان ستجعل أطفالهما في مأمن، بعيدًا عن أي خطر قد يواجِهونه من خلال الإنترنت، مشيرة إلى أن أهمَّ ما يجب أن يتبعه الوالدان في هذا الصدد أن يكونا على علمٍ كافٍ بطبيعة هذه الوسيلة، وأن يسعَوْا دائمًا إلى تعلُّمِ كل ما هو جديدٌ في عالم الإنترنت حتى يكونَ لديهم القدرة على توجيه أبنائهم، وإرشادهم إلى ما يجب أن يقوموا به أثناء وجودهم على الشَّبكة العنكبوتية.
وأكدت “إيمان” على ضرورة أن يكون هناك إشراف دائم من قبل الوالدين على طفلهما فيما يخص استخدامه للإنترنت، وأن هذا الإشراف لن يتأتى إلا من خلال تحديد الأوقات التي يستخدم فيها الطفل الإنترنت، أو على الأقل معرفتها، هذا إلى جانب ضرورة وضع الكمبيوتر في مكان يتمكن الوالدان أن يتابعا طفلهما من خلاله بحيث لا يكون في الغرفة التي ينام فيها الطفل مثلا، هذا إلى جانب استخدام البرامج التي تساعد الأبوين على مراقبة ما يفعله الطفل أثناء استخدامه للإنترنت حتى وإن كانا غير موجودين بجواره، مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك أمور أخرى تشغل الطفل غير وجوده على الإنترنت، مثل ممارسة رياضة معينة أو تشجيعه على القراءة ونحوها.
وأضافت “اختصاصية الصحة العامة” أنه يجب على ولي الأمر أن يتحدث بشكل دائم ومنتظم مع طفله عن الأنشطة التي يقوم بها الطفل على الإنترنت، وأن يجعل هناك تواصلاً دائمًا مع الطفل، لا سيما فيما يخص هذا الأمر، وأن يشجع الطفل على إخباره بكل شيء يقوم به، خاصة إذا شعر بشيء من الريبة أثناء تصفحه على صفحات الإنترنت المختلفة.
Source link