منذ حوالي ساعة
أشعر ببالغ الأسى حين أرى هؤلاء الشباب تضيع أعمارهم في لعبة، ولا سيما إن كانوا من أبناء المسلمين، صدقًا لا أعلم ما المتعة في تلك اللعبة التي تكون نهايتها نهاية حياة اللاعب؟
أشعر ببالغ الأسى حين أرى هؤلاء الشباب تضيع أعمارهم في لعبة، ولا سيما إن كانوا من أبناء المسلمين، صدقًا لا أعلم ما المتعة في تلك اللعبة التي تكون نهايتها نهاية حياة اللاعب؟ وما الدافع الذي دفع الشباب للاهتمام واللعب بها؟ فقد يكون غياب الشعور بقيمة الحياة والهدف منها لدى هؤلاء الشباب – هو ما دفعهم للعب تلك اللعبة؛ أمثال: ميمو، والحوت الأزرق، ومريم، والتي تضع أهدافًا وهمية تبدأ بأذية النفس، وتتدرج حتى تصل إلى الانتحار؛ لذا أرى أنه من المهم جدًّا أن نربيَ أولادنا، ونعلمهم قيمة الحياة التي وهبها الله لهم، وما هو الهدف منها؛ ليشعروا بقيمة أنفسهم، ويكونوا على بصيرة، ويضعوا الهدف نصب أعينهم طول حياتهم.
ولما كانت معرفة الهدف من الحياة ضرورة لنا، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه الحياة – يسَّر الله معرفته وهيأ له الأسباب المعينة عليه؛ لذا نجده واضحًا في أول نداء في القرآن؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]؛ أي: وحِّدوه، وأفرِدوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه؛ (تفسير الطبري بتصرف يسير).
وتكرر ذكره في القرآن في آيات كثيرة وبأساليبَ مختلفة؛ قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ” {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ أي: إلا ليقرُّوا بعبادتي طوعًا أو كرهًا”، وهذا اختيار ابن جرير؛ (تفسير ابن كثير).
بل وفي السنه النبوية أيضًا؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((كنتُ رِدْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يُقال له: عُفَيْر، قال: فقال: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله» ؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله عز وجل ألَّا يعذبَ من لا يشرك به شيئًا».
وهو نفس الهدف الذي نادى به الرسل والأنبياء من قبلنا؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]؛ أي: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولًا كما بعثنا فيكم، بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفرِدوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة؛ (تفسير الطبري).
وقد قصَّ علينا القرآن قصص بعض هؤلاء الأنبياء؛ أمثال: نوح عليه السلام؛ قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59]، وهود عليه السلام؛ قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65]، وغيرهم مثل: صالح وعيسى وشعيب، فهل اتضح الهدف؟ نعم، إنه عبادة الله وتوحيده.
فعندما يعيش الشباب ويكبر الأطفال، وهم على وعى أنهم خُلقوا لتحقيق عبودية الله وحده لا شريك له، وإدراك أن هذه العبودية شاملة لجميع نواحي الحياة؛ فالله عز وجل أنزل القرآن منهجَ حياة متكاملًا، وأرسل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مطبقًا له، وسار على هديه لنأخذه قدوه لنا؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] – فسيشعرون بقيمة حياتهم وأهميتها، ويتولد لديهم إحساس بالراحة والسكينة وطمأنينة النفس، وأنه لم تُخلق الحياة عبثًا ولا صدفة، وسيسعون إلى تحقيق العبودية بشتى الطرق، وعلى أي وضع كان؛ فقد كان السلف رحمهم الله يدركون هذا جيدًا؛ فننظر مثلًا إلى معاذ رضي الله عنه قال: ((أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي))؛ (رواه البخاري)، فكانوا يحتسبون حتى عاداتهم عباداتٍ؛ ليجنوا منها الحسنات، وتكون عبادة لله وقربة له، بل انظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وفي بَضْعِ أحدكم صدقة»؛ ففي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات[1].
إذًا العبادة شاملة لنواحي الحياة، فكيف لا يسعى من له هدف واضح بيِّنٌ؟ وكيف يشعر أن حياته هينة بلا قيمة حتى تضيع في لعبة؟ ولما كانت أهمية الحياة من أهمية الهدف الذي خُلقت لأجله.
اهتم أيضًا الشرع بالحفاظ عليها؛ فشُرعت النواهي والحدود والعقوبات والكفارات، فإذا نظرنا في الشريعة، نرى النهي عن قتل النفس والقتل عمومًا إلا بحق الله أولًا؛ فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]؛ “ففي هذه الآية نهيٌ عن قتل النفس بغير حق شرعي؛ كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصَن، والتارك لدينه المفارق للجماعة»”؛ (تفسير ابن كثير)، ووضع عقوبة شديدة للقتل العمد؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، وحدًّا رادعًا زاجرًا لمن تُسوِّل له نفسه ذلك؛ قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179]، وكفاراتٍ للقتل الخطأ؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا…} [النساء: 92]، ونَهَى عن قتل الأولاد خوفًا من الفقر؛ فقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]، وغيرها من الآيات التي تضع لقتل النفس حدودًا وشروطًا حتى في أثناء الحرب.
وأختم بإيراد العبارة التي وصف بها صانع لعبة “الحوت الأزرق” مَن انتحروا من الشباب بأنهم: “نفايات بيولوجية غير نافعة للمجتمع”، فعذرًا يا سيد؛ فالمسلم ليس نفاية بيولوجية، بل إن حياته أثمن من أن تضيع في لعبة، ولأنه جاء ويعلم من أين جاء، ولأي شيء أتى، وإلى أين يذهب؛ فالقرآن أنار الله به طريقنا، فنسير على بصيرة؛ قدوتنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
[1] الإسلام سؤال وجواب.
Source link