التمكين لمن ؟ ….
طال الوقت وكأن الناس اعتادت مشاهد الخراب والدمار وانطفأت شعلة الحماس للتأييد والنصرة وقد يتساءل البعض فإذا كان استشهاد الآلاف وتشريد أكثر من مليون شخص لم يؤثر فهل ستؤثر الكلمات ؟
إن المسلمين فى كل مكان ينتظرون اليوم الذى يعز فيه دينه ويُمكن له فى الأرض ويذل فيه أعداء الدين وتكسر شوكتهم ولكن
هل نحن أمة تستحق النصر ؟ قال تعالى :” {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ”
هل نحن مؤمنون حقا ؟
هل هذا جيل يستحق أن يمكن له فى الأرض ؟ أم أننا نحتاج إلى إعداد جيل ربانى يحمل هم الإسلام و يعرف الهدف من حياته وأنه صاحب رسالة و لم يخلق عبثا وتترسخ بداخله العقيدة الصحيحة والإيمان الخالص لله ويأخذ بأسباب النصر فعندما يمكن للإيمان فى القلوب يصبح من السهل عليه التضحية فى سبيل الله وتهون الحياة الدنيا فى نظره
وهذا يتحقق من خلال النظر فى كتاب الله المسطور والكون المنظور والتأمل فى آيات الله إذ يقول تعالى “ {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } “ [ 77 النساء ] وقال تعالى :” { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} [24 يونس]
ويسأل نفسه هل هناك من خلد فى هذه الدنيا وعاش فيها أبدا أم أن الموت حصد أرواح أناس كثيرين البر منهم والفاجر وأنه مهما طالت الحياة فلابد من يوم يرجع فيه إلى الله ويُسأل عن عمله ليدرك انه لم يخلق عبثا ولن يترك سدى وما يهون عليه مشاق الدنيا هو تذكر نعيم الجنة والخلود فيها ينسى أى ألم من آلام الدنيا عندما يسمع الملائكة وهى تقول لأهل الجنة كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية وليعلم أن طريق الجنة محفوف بالمكاره والدنيا دار بلاء فى الأصل وليست دار للمتعة والنعيم وعليه فإن للإنسان دوراً ورسالة جاء هذه الدنيا ليؤديها فعليه أن يبذل كل ما فى وسعه ليؤدى رسالته على أكمل وجه
وهل عرف هذا الجيل معنى الصبر والمصابرة واحتساب الأجر لله
هل تربى على هذا المعنى :” { وَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} ليعلم أن الخسارة الحقيقة فى أن لا يجد الانسان من يعينه على مشاق الحياة والصبر على الحق حتى النهاية فإن الصبر على تبعات التمسك بالحق والصبر على تبجح الباطل وطول الطريق وقلة السالكين يحتاج إلى إيمان حقيقى وعمل صالح فإن أراد أن يعيش صاحب رسالة فليتخذ الصبر سبيله وليتأمل كم بين المولى عزوجل للنبى صلى الله عليه وسلم وأرشده فى كل مرة يتعرض فيها لإيذاء شديد من الناس إلى الصبرإذ يقول تعالى “ { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ” } ” [الطور] ويقول أيضا :” {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ” [الحجر]
وكما أن عليه أن يعلم أن حسن الصلة بالله وكثرة الدعاء من أسباب النصر فقد بين ذلك من خلال قوله تعالى فى غزوة بدر ” {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} ” فكان المدد الألهى للمؤمنين بالملائكة بعد استغاثة النبى بربه “اللهم منزل الكتاب سريع الحساب مجرى السحاب هازم الأحزاب اللهم إن تهلك هذه العصبة فلن تعبد فى الأرض ” وكان ” إذا خاف قوم قال اللهم اجعلنا فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ونجد ذلك أيضا فى قوله تعالى على لسان طالوت وجنوده عندما واجهوا جيش جالوت فإذا بهم يدعون ربهم أن يفرغ عليهم صبرا فى ملاقاة العدو إذ يقول تعالى على لسانهم “ { قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
كما عليه أن يتعلم أن يخلص العمل لله ولا ينتظر الأجر من بشر وذلك بأن يكون أقواله وأعماله لوجه الله بدون نظر إلى مغنم أو جاه أو لقب كما قال تعالى:” { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ” سورة الكهف 28 وفى سورة الانعام ” {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ” حتى يعلم أنه عندما يضحى بحياته أو ماله فإن أجره على الله وليس على بشر وليس سمعه ولا رياء إنما عمل خالص لوجه ولكى يتحقق ذلك يجب أن يتوافق الظاهر مع الباطن فيجب إخلاص القصد والنية لله وموافقتها لسنة رسوله
ومن يُعد لتحمل أعباء الدعوة وليمكن لدين الله على يديه يحتاج إلى الثبات على الحق والذى يتحقق من خلال الثقة فى الله والصدق معه إذ يقول تعالى :” « {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ. وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلا} ”
فى غزوة الأحزاب تجمعت كل قوى الشر تريد الانقضاض على الإسلام فإذا بالنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه يحتمون فى خندق واحد يجمعهم الإيمان وصدق النية مع الله
وكان هذا الموقف إختبار حقيقى للثبات فى أحلك الظروف ففى هذه الظروف فقط تصنع الرجال وما أشبه الليلة بالبارحة وما نحن فيه الآن وقد تتداعت علينا سائر الأمم ولكن أين من يملك مفاتيح النصر على أعداء هذه الأمة إن جيل الصحابة جيل تربى على المحن وأصقلته الابتلاءات كما تصقل النار الذهب امتحن الله صدق إيمانهم فنجحوا بامتياز فقد وعوا قول الله تعالى إذ يقول “ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (٢١٤) ” البقرة) .. فكان الثبات والرجولة
إن الايمان الذى يتحقق به موعود الله بالنصر والتكمين لابد أن يتبعه عمل صالح لا يبتغى به صاحبه إلا وجه الله والاستسلام لاوامره فلا يبقى معها هوى نفس ولا شهوة فى القلب
ليذكر لنا التاريخ رجلا منهم هو الصحابي أنس بن النضر. ( «عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني المشركين – ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد ، قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ، قال أنس فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه» ،” إنه نموذج واحد من نماذج عديدة للتضحيات فى هذه الغزوة
ما طبيعة هؤلاء الرجال وكيف وصلوا الى ذلك ؟ يصفهم د محمد عبد المعطى فى كتاب صناعة الرجال فى مدرسة محمد
“قد كانوا ناسا من البشر، لا يملكون أن يتخلصوا من مشاعر البشر، وضعف البشر. وليس مطلوبا منهم أن يتجاوزوا حدود جنسهم البشري ويفقدوا خصائصه ومميزاته. فلهذا خلقهم الله. خلقهم ليبقوا بشرا، كانوا ناسا من البشر يفزعون، ويضيقون بالشدة، ويزلزلون للخطر الذي يتجاوز الطاقة. ولكنهم كانوا- مع هذا- مرتبطين بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله وتمنعهم من السقوط وتجدد فيهم الأمل، وتحرسهم من القنوط .. وكانوا بهذا وذاك نموذجا فريدا في تاريخ البشرية لم
يعرف له نظير. وحين نرانا ضعفنا مرة، أو زلزلنا مرة، أو فزعنا مرة، أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق .. فعلينا ألا نيأس من أنفسنا، وألا نهلع ونحسب أننا هلكنا أو أننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبدا! ولكن علينا في الوقت ذاته ألا نقف إلى جوار ضعفنا لأنه من فطرتنا البشرية! ونصر عليه لأنه يقع لمن هم خير منا! هنالك العروة الوثقى. عروة السماء. وعلينا أن نستمسك بها لننهض من الكبوة، ونسترد الثقة والطمأنينة، ونتخذ من الزلزال بشيرا بالنصر. فنثبت ونستقر، ونقوى ونطمئن، ونسير في الطريق .. وهذا هو التوازن الذي صاغ ذلك النموذج الفريد في صدر الإسلام. النموذج الذي يذكر عنه القرآن الكريم مواقفه الماضية وحسن بلائه وجهاده، وثباته على عهده مع الله،: ً
ومن موجبات الثبات فى أرض المعركة ” الذكر الكثير”
إذ يقول تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}
لماذا أمرهم بكثرة الذكر عند ملاقاة الأعداء ؟
حتى يطمئن القلب بمعية الله له وتزول عنه وساوس الشيطان الذى يدعوه إلى الفرار من الموت وحب الحياة والتعلق بها إذ كيف يترك الزوجة والولد ويزهق نفسه فى سبيل ماذا إذا لم يلهج بذكر الله فى هذا الوقت آنى يتأتى له الثبات فى أرض المعركة
وإذا كان من موجبات النصر الجهاد والتضحية بالنفس فى سبيل الله فمن الأسباب التى تجعل المسلم يسهل عليه التضحية فى سبيل الله هى الإيمان بالقدر خيره وشره وأن لن يصيبه إلا ما كتب الله له لأدلة كثيرة فى القرآن توضح قضية القضاء والقدرإذ يقول تعالى : “ { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ” [49]
وقال أيضا :” {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} “ [ التغابن 11]
“ {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} “ [22الحديد]
فتسكن النفس وتطمئن لقديم اختيار الله فنجد كثيراً من العلماء العاملين والعباد القانتين من يعيش بسكون نفس وراحة بال فهذا هو عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يقول “ما أصبح لى سرور إلا فى مواضع القدر“
كما أنها تمنحه الشجاعة والإقدام لأنه يعلم أن الموت بقدر فيقدم على التضحية فى سبيل الله غير مبال بما يناله من أذى ومصائب ويقوى إيمانه فلا يتخلى عن هدفه مهما كان بعيدا ويخلص لله فلا يعمل لأجل الناس لعلمه أنهم لن ينفعوه إلا بشىء قد كتبه الله له أو عليه كما يمنحه قوة اليقين فى الله وحسن الظن به فيستسلم لأمر الله ويتوكل عليه كما فعل إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار سأله جبريل “ألك حاجة” قال أما لك فلا وأما لله “فحسبنا الله ونعم الوكيل “فالمؤمن لا ييأس من انتصار الحق لأنه يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين
كما تكسبه عزة نفس وكرامة وتحرر من عبودية المخلوقين فيترك التكالب على الدنيا وقطع الطمع مما فى أيدي الناس ويتذكر قول ابن تيمية: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لتلاميذه مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، وإن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحـة هكذا كانوا فبهداهم تقتدى الأمة
هكذا ينبغى أن يعد أفراد ربانيين يحسنون الصلة بالله حقا ويأخذون بالأسباب على قدر الاستطاعة ليمكن لهم فى الأرض
Source link