هذه قطعة مأخوذة بتصرف من كتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (كتاب يحتوي على ما لا يستغني عنه الفقيه من أصول الفقه، مع تجنب الإطالة في مسائل الخلاف، والاكتفاء بالأقوال المشهورة وأهم أدلتها والعناية ببيان حقيقة الخلاف
هذه قطعة مأخوذة بتصرف من كتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله (كتاب يحتوي على ما لا يستغني عنه الفقيه من أصول الفقه، مع تجنب الإطالة في مسائل الخلاف، والاكتفاء بالأقوال المشهورة وأهم أدلتها والعناية ببيان حقيقة الخلاف، وتصحيح ما يقع من الوهم أو سوء الفهم للمشتغلين بهذا العلم في تحرير مسائله وتقريرها وتصويرها ) فهذه القطعة دعوة لقراءة الكتاب كاملا، أما مؤلفه فهو أ.د. عياض بن نامي السلمي عضو هيئة التدريس بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض، والآن مع المادة:
الصحابي عند الأصوليين: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به مدة تكفي عرفا لوصفه بالصحبة، ومات على الإسلام. وعند المحدثين: من رأى النبي مؤمنا به ومات على ذلك.
والمراد بقول الصحابي: مذهبه الذي قاله أو فعله ولم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ينقسم قول الصحابي إلى أربعة أقسام :
- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه، كالعبادات والتقديرات ونحوها. وهذا القسم حجة عند الأئمة الأربعة لأنه لابد أن يكون سمعه الصحابي من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا اجتهاد في الأمور التي لا تعرف إلا بتوقيف، ولكن الأئمة يختلفون في مدى الاحتجاج به قلة وكثرة لعدم الاتفاق على ضابط معين يحدد ما لا مجال للرأي فيه. فقد يرى بعضهم أن هذه المسألة مما لا مجال للرأي فيها فيعمل بقول الصحابي فيها، ويرى الآخر أنها مما يدخله الاجتهاد فلا يعمل بقول الصحابي فيها.
- – قول الصحابي الذي اشتهر ولم يخالفه غيره فيه، وهذا هو المسمى بالإجماع السكوتي وقد تقدم الكلام فيه. والشهرة قد يستدل عليها بكثرة خوض الصحابة في المسألة، وقد يستدل عليها بكون الصحابي من الخلفاء الأربعة والمسألة مما تعم به البلوى ويقع لكثير من الناس. مثل جعل عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا توجب البينونة الكبرى.
- قول الصحابي الذي خالفه فيه غيره من الصحابة، فإنه ليس بحجة، ولكن لا يخرج الفقيه عن أقوالهم إلى قول آخر، بل يتخير من أقوالهم ما هو أقرب للدليل. هكذا قال كثير من الأصوليين، والذي يظهر من صنيع الفقهاء أن منهم من يستدل بقول الصحابي ولو خالفه غيره إذا رأى رجحانه بقياس أو غيره. وقولهم: لا يخرج عن أقاويلهم إلى غيرها يؤيد ذلك؛ لأن هذا حال الفقيه عند تعارض أحاديث الرسول الله فإنه لا يخرج عما دلت عليه، فإن أمكنه الجمع بينها جمع، وإلا أخذ بما يسنده النظر وتعضده أدلة أخرى. ويمكن أن يحمل قول الأصوليين: إن قول الصحابي إذا خالفه صحابي آخر ليس بحجة، على أنه لا يكتفى به، ومن اكتفى به فهو مقلد للصحابي مستدل بقوله. والله أعلم.
- قول الصحابي فيما للرأي فيه مجال ولم ينتشر ولم يعرف له مخالف من الصحابة، وهذا هو محل النزاع. فمن العلماء من يرى حجيته، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد وقول الشافعي القديم. ومنهم من يرى أنه ليس بحجة، وإلى هذا ذهب الشافعي في قوله الجديد وجماعة من أتباع المذاهب الأخرى، ولابن القيم كلام في رد هذه النسبة وتقرير أن مذهب الشافعي لا يختلف عن مذاهب الأئمة الثلاثة في ذلك. ولكن علماء الشافعية كلامهم صريح في نقل مذهب الشافعي المتقدم، وهم أعلم برأي إمامهم، علاوة على ما في الرسالة والأم من تصريح بحصر الأدلة في الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
- والدليل على حجية قول الصحابي إذا لم يعلم له مخالف من الصحابة، من وجوه :
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» » (أخرجه البخاري ومسلم). فهذه شهادة لهم بالفضل على من سواهم، وهي تقتضي تقديم اجتهادهم على اجتهاد غيرهم.
- أن قول الصحابي الذي لم يعلم له مخالف يحتمل أن يكون نقلا عن رسول الله فيقدم على الرأي المحض.
- أن الصحابة شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحضروا نزول الوحي وهم أعرف الناس بكتاب الله وسنة رسوله، فلا بد أن يكون قولهم مقدما على قول غيرهم.
- وأما الذين رأوا عدم الحجية فقد استدلوا بعدة أدلة منها :
- أن الصحابة غير معصومين من الخطأ إذا لم يجمعوا، وقول من لم تثبت عصمته لا يكون حجة.
- أن التابعين قد أثر عنهم مخالفة آحاد الصحابة، ولو كان قول الصحابي حجة لما صحت مخالفته من التابعي، ولأنكر الصحابي على من خالفه من التابعين، وإذا جاز للتابعي مخالفة الصحابي جاز لغيره ذلك.
والراجح: أن مذهب الصحابي وحده لا يعد حجة إلا إذا غلب على الظن اشتهاره بين الصحابة وعدم إنكاره، كأن يكون من الخلفاء الراشدين الذين هم في موضع القدوة لغيرهم، أو كانت المسألة مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى، وأما إذا اختلف الصحابة على أقوال فالخروج عن أقاويلهم يقتضي تخطئتهم جميعا، وهي بعيدة، فالواجب أن يختار من أقوالهم ما يسنده النظر والدليل. والاستدلال بحديث: ( خير الناس قرني » لا يكفي؛ لأن الخيرية لا توجب حجية قول كل واحد إذا انفرد، بدليل أن التابعين أيضا مشهود لهم بالخيرية في الحديث، ولم يقل أحد إن رأي التابعي حجة يترك لها القياس الصحيح. وكذلك الاستدلال باحتمال كون ما قاله رواية لا يدل على الحجية؛ لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. وأما مشاهدتهم الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي بلغتهم فلا شك أنها ميزة لهم ولكنها لا تكفي لأن يعد قول الواحد منهم دليلا. وهنا دقيقة ينبغي التنبه لها، وهي أن القول بعدم حجية قول الصحابي لا يدل على المنع من تقليده لمن لا قدرة له على الاجتهاد، أو لمن لم ينظر في المسألة بعد وحضره وقت العمل. والله أعلم بالصواب.
Source link