منذ حوالي ساعة
إن لفريضة الحج في حياة المسلمين الكثيرَ من المعاني والمقاصد، والدروس والعِبَرِ، التي من خلالها يقوَّم الاعوجاج، ويُصحَّح المسار في حياة هذه الأمة
إن لفريضة الحج في حياة المسلمين الكثيرَ من المعاني والمقاصد، والدروس والعِبَرِ، التي من خلالها يقوَّم الاعوجاج، ويُصحَّح المسار في حياة هذه الأمة، يدرك هذا المسلمون كلَّ عام وهم يُؤدُّون هذا الركنَ العظيم من أركان الإسلام، وهم يشاهدون حُجَّاج بيت الله يأتون من كل فج عميق، فالعبادات في الإسلام من أهدافها الرئيسية تزكية النفس بالإيمان والتقوى، والعمل الصالح والسلوك الحسن، وهذا ما يفعله الحج في المجتمع المسلم، وفي نفوس المؤمنين؛ قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]، وقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200].
وإن من ثمار الحج وآثاره المتجددة في حياة المسلمين دعوتَه إياهم في كل عام إلى نبذ العصبية والتعصب، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والجاه والسلطان، فالمسلمون في الحج سواسية لا فرق بينهم، ولا تمايز بسبب اللون أو الجاه، أو المنصب أو الوطن، فقد جاؤوا من أرجاء الأرض تجمعهم كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يقِفُون في صعيد واحد، ويلبَسون ثيابًا واحدة، ويؤدون مناسك واحدة، يجمعهم الحب والتعاون، والتآلف والإخاء، غايتهم واحدة؛ أن يتقبل الله منهم حَجَّهم، وأن يتحللوا من جميع ذنوبهم ومعاصيهم، وأن يختم لهم ربهم بالحسنى، وأن يثبِّتهم على الحق حتى يَلْقَوه، هذا هو الحج الذي جاء ليهدم رواسب الجاهلية الباقية والمتجددة في النفوس الضعيفة، التي منها العصبية والتعصب للون أو الجنس، أو المذهب أو الطائفة، أو البلاد واللغة، وغير ذلك من ألوان التعصب في حياة المسلمين اليوم، التي أوغرت الصدور، وفرَّقت الأمة، ولأجلها قامت الحروب، وسُفِكت الدماء، وحلَّت البغضاء والشحناء، وذهبت المودة والرحمة، وانتشر بينهم التقاطع والهجران.
والعصبية كما قال الأزهري رحمه الله: “هي: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، والتألُّب معهم على من يُناوئهم، ظالمين كانوا أو مظلومين”؛ [تهذيب اللغة (2/30)]، وهي كذلك أن يعتقد الإنسان أنه أفضل من غيره بسبب لونه أو جنسه، أو قبيلته أو نسبه، أو مذهبه أو مهنته ووظيفته، هذه العصبية لم تدخل في مجتمع إلا فرَّقَتْهُ، ولا في عمل صالح إلا أفسدته، ولا في كثير إلا قلَّلته، ولا في قويٍّ إلا أضعفته، وما نجح الشيطان في شيء مثلما نجح فيها، والله سبحانه وتعالى قد بيَّن أن الناس جميعًا متساوون، خُلِقوا من تراب، وقسم بينهم معيشتهم، وجعلهم شعوبًا وقبائلَ، وجعل شرط التميز التقوى له، والقرب منه، والالتزام بشرعه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
أيها المؤمنون عبــاد الله: بالإيمان والتقوى يترجَّح ميزان الإنسان، ويرتفع قدره عند الله، وما عدا ذلك، فلن يغني عنه من الله شيئًا، لقد وقف صلى الله عليه وسلم يخاطب هذه الأمةَ في خطبته في حجَّةِ الوداع، وطلب من الحاضر أن يبلِّغ الغائب؛ لأن الأمر هامٌّ وعظيم فقال: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألَا لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» ، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، «ألَا هل بلَّغتُ» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فيبلغ الشاهد الغائب»؛ [ (رواه البيهقي في الشعب (4/289)، والمنذري في الترغيب والترهيب (3/375)، وصححه الألباني)، ولو كان النسب أو الجنس أو المكانة تنفع صاحبها عند الله، لكان ابنُ نوح عليه السلام – وهو فِلْذَةُ كبده وقطعة من فؤاده – معه في الجنة؛ قال تعالى مبينًا تلك الحال وذلك المآل: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 42، 43]، وقال الأصمعي: بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة في أيام الحج؛ إذ رأيت شابًّا متعلقًا بأستار الكعبة وهو يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظُّلَمِ ** يا كاشفَ الضُّر والبلوى مع السقـمِ
قد نام وفدك حول البيت وانتبهـــوا ** وأنت يا حي يا قيوم لم تَنَـــــــــمِ
أدعوك ربي حزينًا هائمًا قلقًــــــــــــا ** فارحم بكائي بحق البيت والحـرمِ
إن كان جُودك لا يرجوه ذو سعــــــة ** فمن يُجُود على العاصين بالكـــرمِ
ثم بكى بكاءً شديدًا، وسقط على الأرض مغشيًّا عليه، فدنوت منه، فإذا هو زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فرفعتُ رأسه في حجري وبكيت، فقطرت دمعة من دموعي على خده ففتح عينيه، وقال: من هذا الذي يهجم علينا؟ قلت: أنا الأصمعي، سيدي، ما هذا البكاء والجزع، وأنت من أهل بيت النبوة، ومعدِن الرسالة؟ فقال: هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه، ولو كان عبدًا حبشيًّا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حرًّا قرشيًّا؛ أليس الله تعالى يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 101 – 103].
وقد حذر صلى الله عليه وسلم من هذا التعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب؛ فقال: «إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية، والفخر بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب، لَينتَهِيَنَّ أقوام عن فخرهم بآبائهم في الجاهلية، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعْلَان، التي تدفع النَّتَنَ بأنفها»؛ [ (رواه أبو داود في السنن (4/492)، وأحمد في المسند (16/456)، وحسنه الألباني رحمه الله)، إنه تحذير نبويٌّ كريم من آثار الجاهلية التي جاء الإسلام ليحطمها، ويقيم عليها البناء الشامخ القويَّ، إنها أُخُوَّةُ الإسلام التي لا ترقى إليها العصبية، ولا تؤثر فيها الجاهلية، والله إنك لَتجدُ الرجل يقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، ويتصدق وفيه خير كثير، ثم تجده بعد ذلك قد مُلِئ قلبه بالعصبية، للأشخاص والأحزاب، والآراء والمذاهب، والمناطق والبلاد، فلأجلها يحب، ومن أجلها يعادي، وفي سبيلها يقاتل، بل إنك لتجد من يعترف أنه على خطأ في قوله وفعله وسلوكه، ومع ذلك يتعصب بالحق وبالباطل، وينتصر لموقفه ولو خالَفَ جميع الشرائع والقيم، ألَا يعلم هؤلاء أن رسول صلى الله عليه وسلم قد زجر عن ذلك، ونهى فقال: «ومن دعا بدعوى الجاهلية، فهو من جُثاءِ جهنَّمَ، قالوا: يا رسول الله، وإن صام وإن صلى؟ قال: وإن صام وإن صلى، وزعم أنه مسلم؛ فادعوا المسلمين بأسمائهم، بما سمَّاهم الله عز وجل؛ المسلمين، المؤمنين، عبادَ الله عز وجل»؛ [ (رواه الإمام أحمد في المسند (37/543)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، والحاكم في المستدرك (1/582))، وجثاء جهنم؛ أي: من جماعتها
ها هو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، عربي من قبيلة غِفار، يتكلم في نفر من الصحابة، فيقاطعه بلال رضي الله عنه، بلال الحبشي، العبد المملوك، الذي أصبح سيدًا من سادات المسلمين، قاطع بلالٌ أبا ذر في الحديث، فنزغ الشيطان بينه وبين أخيه، فقال أبو ذر: تقاطعني يا بنَ السوداء؟ قال بلال: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلما أخبره، غضب عليه الصلاة والسلام، وامتُقع وجهه، وتأثر كثيرًا، ودخل أبو ذر على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو خائف، دخل فسلَّم، قال: فسلمت عليه، فوالله ما علِمت هل رد عليَّ السلام أم لا من الغضب، والتفت إليه صلى الله عليه وسلم مُؤنِّبًا ومؤدبًا، فقال: «أعيَّرتَه بأُمِّه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية»؛ أي: ما زال فيك خَصلة من خِصال الجاهلية؛ كما جاء في صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري: «أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنِّياحة».
ندِم أبو ذر وبكى، وقال: يا رسول الله، أعلى كِبَرِ سني؟ أي: أفيَّ جاهلية على كبر سني؟ قال: نعم، خرج أبو ذر من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ضاقت به الدنيا، فلقِيَهُ بلالٌ، فوضع أبو ذر رأسه على التراب، وقال: لا أرفع رأسي حتى تطأه بقدمك؛ أنت الكريم، فبكى بلالٌ، واحتضن أبا ذر وقال: والله، لا أَطَأُ برجلي وجهًا سجد لله.
عبـــــاد الله: هذه العصبية دمَّرت الحياة، وقلبت الموازين، وغيَّرت القيم، ونشرت الرذائل، وفريضة الحج تنفُث في رُوعِ المسلمين التواضعَ وذمَّ الكِبْرِ؛ فالمؤمنون إخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والتقوى لا يعلمها إلا الله، ومن ادَّعى من هذه الأمة أن له فضلًا وحقًّا على الآخرين من حوله بسبب النسب، أو المذهب، أو القبيلة والحزب، ففيه شَبَهٌ من اليهود والنصارى الذين ادَّعَوا هذا الحقَّ كذبًا وبهتانًا؛ قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة: 18]، فاللهم ألِّف على الخير بين قلوبنا، واجمع ما تفرق من أمرنا.
عبــــــاد الله: حينما هدم الإسلام رواسبَ الجاهلية بكل مسمياتها، أوجد البديل السليم من الاعتقادات والعبادات والتصورات، فجاء بالأُخُوَّة في الله بين المسلمين بديلًا عن العصبية للنسب أو الجنس أو اللون، ورتَّب على ذلك الأجرَ والثواب، وفي الحج ومظهر الحجيج بصورة واحدة، وروح واحدة، وتوجُّهٍ واحد لَدَليلٌ على هذه الأُخُوَّة التي دعا إليها الإسلام، فأيْنَعَت هذه الأخوة في حياة المسلمين، وآتت أكلها أضعافًا مضاعفة، وكان المسلمون بها أمة واحدة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذِمَّتِهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، فكانوا قوة يومَ أنِ اعتصموا بحبل الله المتين، ونبذوا كل ما يفرق صفَّهم؛ من قوميات وعصبيات، وعنصريات ونعرات جاهلية، وفتن طائفية، شعارهم:
لو كبَّرتْ في جموع الصين مئذنة ** سمعت في المغرب تهليل المصليـــــــن
إذا اشتكي مسلم في الهند أرَّقني ** وإن بكى مسلم في الصين أبكانــــــــي
ومصرُ ريحانتي والشام نرجســي ** وفي الجزيرة تاريخي وعنوانـــــــــــي
أرى بخارى بلادي وهي نائيـــــــة ** وأستريح إلى ذكرى خراســــــــــــــــانِ
وأينما ذُكِرَ اسم الله في بلـــــــــد ** عَدَدتُ ذاك الحِمى من صلب أوطانــــي
شريعة الله لَمَّت شملنـــــــــــــــــا ** وبَنَتْ لنا معالمَ إحسان وإيمــــــــــــــانِ
فما أحوج الأمة اليوم أفرادًا وشعوبًا، حكَّامًا ومحكومين، إلى هذه الأُخُوَّة! في زمن كثرت فيه المشاكل، وتنوعت فيه الخلافات على مستوى القطر الواحد، بل وبين الدول، ويا ليتها كانت خلافات من أجل الدين والحق، والقيم العظيمة، والتنافس من أجل ازدهار الأمة، ورفاهية الشعوب، بل كانت من أجل دنيا فانية ولذة عابرة، فما قيمة هذه الأمة التي تملأ شرق الأرض وغربها، إذا كانت أوزاعًا متفرقة، وإذا كانت أفرادًا مختلفين، وإذا كانت جماعاتٍ متناحرةً، وإذا كانت بلادًا متفرقة، وإذا كانت أجناسًا مختلفة، وإذا كانت أعراقًا متباينة، وإذا كانت طبقيات عصبية، وإذا كانت حميات جاهلية؟ إن قوتها حينئذٍ تنعكس وبالًا عليها، ويتجرأ عليها الغرب والشرق، وما تجرأ اليهود وما قاموا به في فلسطين وفي غزة من قتل ودمار، على مرأى ومسمع من العالم، دون حَراكٍ أو نجدة من المسلمين لإخوانهم – لَدليلٌ واضح على أن ضعف هذه الأُخُوَّة بين المسلمين يؤدي إلى الوهن، وعندها تضيع الحقوق، ويحل سخط الله وغضبه عليها، ويتجرأ عليه أعداؤها؛ والله عز وجل قد أمرنا بتوحيد الصفوف فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].
عبــــــــاد الله:
ولنستغل ما تبقى من أيام العشر من ذي الحِجَّة في الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام، وصدقة ودعاء، وقراءة للقرآن، وإصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، والعفو والتسامح، وبر الوالدين، وغيرها من الأعمال؛ فقد روى أبو داود وغيره وصححه الألباني قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام» – يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء»، وأُذكِّر نفسي وإياكم بصيام يوم عرفةَ، هذا اليوم العظيم الذي تكفَّل الله لمن صامه أن يغفر ذنوب سنتين من عمره؛ سنة ماضية وسنة مُقْبِلة، ولنتعاون جميعًا في إدخال الفرح والسرور على الأهل والجيران، والفقراء والأيتام في هذا العيد، ومن ضحَّى فلا ينسَ جيرانه وأقاربه، ومن لم يُضحِّ، فليس عليه شيء، فالأُضْحِيَّة سُنَّة وليست بواجبة، ولْنُكْثِرْ من الدعاء لأنفسنا وأهلينا وبلادنا، ولحُجَّاج بيت الله بالتوفيق والقبول، وأن يردهم الله إلى أوطانهم غانمين سالمين.
هـــذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
_______________________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري
Source link