المساجد مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقر للأجساد العابدة، وموطن طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه وطهر قلبه وغلب أعداءه..
بسم الله الرحمن الرحيم..
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
« » (1).
المساجد مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقر للأجساد العابدة، وموطن طمأنينة ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا يلازمها عبد صالح إلا رفع الله شأنه وطهر قلبه وغلب أعداءه..
من مواضع السجود فيها خرج العابدون، ومن مدارسها نبغ العلماء العاملون، ومن جوانبها خرجت ثورات الأمة على كل ظالم جبار مفتون، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36-38] وقال عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18].
قال صلى الله عليه وسلم: «
» -فذكر منهم- « » [2] فلما آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقًا في المساجد، ملتفتًا إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه..فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه، وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له، فلا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عليه محبة مولاه جل في علاه، أما من غلبته نفسه الأمّارة بالسوء، فقلبه معلق بالجلوس في الطرقات، والمشي في الأسواق، محب لمواضع اللهو واللعب، وأماكن التجارة واكتساب الأموال.
والمكث في المساجد من أعظم أسباب تكفير السيئات ورفع الدرجات، ففي الحديث الشريف: «الشيطان إلى النفس، وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات، فيغلب بها جنود اللّه حزب الشيطان، وذلك هو الجهاد الأكبر، إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء”.
» [3]، قال البيضاوي: “المرابطة: ملازمة العدو، مأخوذة من الربط وهو الشد، والمعنى: هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية، لأنها تسد طرقوفي الحديث أيضًا: «
» [4]، وفي رواية: « » [5].قال ابن رجب: “يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: والجلوس في المساجد بعد الصلاة، الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى، لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [6]، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: « » [7].
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه فقال: «
» [8].وقال صلى الله عليه وسلم: «
» [9]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » [10].وعن علي رضي الله عنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
» [11]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » [12].قال ابن رجب: “وإنما كان ملازمة المسجد مكفرًا للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفًا لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر
[1] رواه الطبراني وصححه الألباني في الترغيب والترهيب 1/176.
[2] البخاري:6806.
[3] مسلم:251.
[4] صحيح، حديث 926 صحيح الجامع السيوطي / الألباني.
[5] الترمذي 3235 وقال حسن صحيح.
[6] رواه المنذري في الترغيب 1/175 وقال إسناده صحيح.
[7] صحيح الترغيب للمنذري، الألباني 327.
[8] صحيح ابن ماجة للألباني 660.
[9] صحيح، حديث 434 في صحيح الجامع.
[10] صحيح، حديث 445 في صحيح الجامع.
[11] مختصر البزار 2/412 وقال العسقلاني إسناده حسن، بل صحيح.
[12] السلسلة الصحيحة للألباني:3403.
Source link