المال الحلال يحفظ للمرء ماءَ وجهه، ويَقِيه مغبَّةَ السؤال، والاضطرار إلى أن يقف على أبواب الناس، وقد يكون غير مأمون العِثار، فيقف على باب اللئيم، وما أدراك ما اللِّئام؟!
في معرِضِ مشاهدة مقاطع الفيديو المنتشرة لحُجَّاج بيت الله الحرام، إذ بمقطع لحاجٍّ إفريقي يلهَج بالدعاء بصوت يسمعه من حوله، وبعربية عرجاء: “الله فلوس، الله فلوس”، وأخذ يرددها بشكل لافت.
حينما تابعت التعليقات، وجدتُها بين مؤيد ومعارض؛ فقد رأى البعض أنه من التمسك بالدنيا الفانية، وأن الأجدر بمن يقف هذا الموقف المهيب أن يسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ويستعيذ به من النار.
وإن كنت أتفق مع هؤلاء القائلين بأن روعة المشهد تجعلك تسأل الله الثمرة العظيمة من هذه الحياة، إلا أن سؤاله جل شأنه أن يُغنينا بالحلال لا يُخرِج المشهد عن جلاله وروعته.
ففي الحديث الذي رواه الترمذي: «ليسأل أحدكم ربَّه حاجته كلَّها، حتى يسأل شِسْعَ نعله إذا انقطع»؛ (ضعيف الجامع).
فلا غضاضة أن ندعو الله بالعافية، والستر، والنجاح، والترقي المشروع، والغِنى الحلال… وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص – وهو بمعرض دخوله للإسلام – وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: “إني لم أُسْلِمْ رغبةً في المال”، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح»؛ (صحيح الأدب المفرد).
فالمال الحلال يحفظ للمرء ماءَ وجهه، ويَقِيه مغبَّةَ السؤال، والاضطرار إلى أن يقف على أبواب الناس، وقد يكون غير مأمون العِثار، فيقف على باب اللئيم، وما أدراك ما اللِّئام؟!
لذا؛ كان سفيان الثوري – وهو أمير المؤمنين في الحديث – يبيع ويشتري بنفسه؛ حتى لا يضطر لهذا الوقوف الْمُذِلِّ، ويُرَوى أنه سُئل في مسألة وهو يشتري، فقال للسائل: “دَعْنِي فإن قلبي عند درهمي، فلستُ مُتفرِّغًا لأُفتيك، وقد أخطئ وأنا منشغل بالبيع والشراء”.
ولما استغرب أحدهم أن يكون هذا دَيْدَنَه وهو من هو بين العلماء، قائلًا: أتفعل هذا، وأنت من أنت؟
فقال: “يا ناعس، لولا هذه الدنانير لَتَمَنْدَلَ بنا هؤلاء الملوك”؛ أي: استخدمونا كما المناديل.
فسَلُوا الله دقِيقَ الأمور كما تسألوه عظيمها؛ فقد جاء في الأثر أن موسى صلى الله عليه وسلم قال: “يا رب، إنه لَيعرِض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك، قال سبحانه: يا موسى، سَلْني حتى مِلحَ عجينك، وعَلَفَ حِمارِك”.
ما أجمله من ربٍّ رحيم لطيف بعباده؛ أمرنا بدعائه فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]!
لا تسألَنَّ بُنيَّ آدمَ حاجـــــــةً ** وسَلِ الذي أبوابُه لا تُحجَــبُ
الله يغضب إن تركتَ سؤاله ** وبني آدم حين يُسأَلُ يغضبُ
_______________________________________________
الكاتب: أ. د. زكريا محمد هيبة
Source link