منذ حوالي ساعة
يوم الجمعة هو خير يومٍ طلعت عليه الشَّمْس، وقال ﷺ «إذا كان يوم الجمعة وليلتها، فأكثروا من الصَّلَاة عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم معروضة علي».
أَيُّهَا المؤمنون! هٰذَا يوم الجمعة هو خير يومٍ طلعت عليه الشَّمْس، فيه خلق الله عَزَّ وَجَلَّ أبوكم آدم، وفيه أنزله من الجَنَّة، وفي هٰذَا اليوم تقوم الساعة، أضلَّ اللهُ عنه من قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، وهدى الله هٰذِه الأُمَّة المشرفة المكرمة لهذا اليوم العظيم يوم الجمعة.
ويوم الجمعة يا عباد الله له في هٰذِه الشَّرِيْعَة فضائل، وله عليكم أَيُّهَا المؤمنون خصائص:
• فمن ذلكم: هٰذِه الصَّلَاة -صلاة الجمعة-، وَالَّتِي شهودها فرض عين عَلَىٰ المستوطنين من اَلرِّجَال، كما في سائر صلوات الجماعة، تزيد هٰذِه الصَّلَاة أنَّ من تركها ثلاث جمعٍ تهاونًا وتكاسلًا؛ طبع الله عَلَىٰ قلبه كما قاله النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكم من نائمٍ ينام عنها! وكم من غافلٍ يغفل عن أدائها، ويظنها أنها من الكماليات والمستحبات!
وصلاة الجمعة شُرع فيها التبكير، فمن جاء في الساعة الأولى -أي: من طلوع الفجر، أو طلوع الشَّمْس-؛ فكأنَّما قرَّب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية؛ فكأنما قرَّب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة؛ فكأنما قرَّب كبشًا، ومن جاء في الساعة الرابعة؛ فكأنما قرَّب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة؛ فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الخطيب؛ خرج الإمام، أغلقت الملائكة صحفها وسجلاتها، وجلسوا معكم يستمعون الخطبة.
عباد الله! هٰذَا اليوم من بكَّر فيه وابتكر، ومشى فيه ولم يركب، من بيته إِلَىٰ المسجد؛ كان له في كل خطوة يخطوها حسنة «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يخطوها عَمَل سَنَةٍ، قِيَامهَا وصِيَامهَا»[1]، عملٌ عظيم وأجرٌ كبير، عَلَىٰ عملٍ يسير يا عباد الله، فإذا خرج الخطيب فاستمع ولم يلغُ، ولم يفرِّق بين اثنين؛ كان له هٰذَا الثواب العظيم.
• في هٰذَا اليوم «سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ» يدعو الله، «قَائِمٌ يُصَلِّي» [2]، أي: يدعو الله؛ إِلَّا أجاب الله دعوته، وهي ساعة أعماها الله عنَّا لنجتهد في هٰذَا اليوم في العبادة، ونجتهد فيه بِالْدُّعَاءِ، فكلنا صاحب حاجة، وكلكم عباد الله ذو همٍّ وغمٍّ، يريد أن يتنفس من همه، وأن يتنفس من كربه، فاطرحوا حوائجكم عَلَىٰ ربكم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ.
وقد ذهب أهل العلم إِلَىٰ أقوالٍ كثيرة في هٰذِه الساعة، أرجاها قولان:
أولهما: من دخول الخطيب إِلَىٰ انقضاء الصَّلَاة.
وذهب الإمام أحمد إِلَىٰ أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
• في هٰذَا اليوم يُشرع الإكثار من الصَّلَاة والسلام عَلَىٰ مُحَمَّد بن عبد الله، هٰذَا النَّبِيّ العربي الهاشمي الَّذِي بعثه الله خاتمة للمرسلين، وسيدًا عَلَىٰ ولد آدم أَجْمَعِيْنَ، وهو القائل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذا كان يوم الجمعة وليلتها، فأكثروا من الصَّلَاة عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم معروضة علي»، وَقَالَ: «من صلى عليَّ مرة؛ صَلَّى اللهُ عليه بها عشرً»[3].
• يوم الجمعة عيد الأسبوع، فلا يصح إفراده بِالصِّيَامِ، وقد دخل النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ زوجته أم المؤمنين جويرية، فإذا هي صائمةٌ هٰذَا اليوم، قَالَ: «أصمت يوم أمس» ؟ يعني: الخميس، قالت: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أصائمة أنتِ يوم غدٍ» ؟ وهو السبت، قالت: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام»[4].
فاعرفوا عباد الله لهذا اليوم فضله وشرفه، وسابقوا فيه مع المسابقين، وتعرضوا فيه لنفحات رب العالمين، واطرحوا عليه حوائجكم، وأكثروا من الصَّلَاة والسلام عَلَىٰ نبيكم؛ تفوزوا وتفلحوا في يومكم.
عباد الله! في هٰذَا اليوم هٰذِه الشعيرة، شعيرة صلاة الجمعة، فمن حضر خطبتاها، ثُمَّ صلى مع الإمام، صلاها ركعتين؛ فقد أدرك هٰذِه الصَّلَاة، أما من جاء وقد رفع الإمام ركوعه الْثَّانِي، رفع من ركوعه الْثَّانِي؛ فإنه لم يدرك الجمعة، ويجب عليه أن يصليها ظهرًا أربع ركعات، فما أكثر هؤلاء المتأخرين والمتسأخرين الَّذِينَ لا يأتون إِلَىٰ الصَّلَاة إِلَّا بعد استماعهم الأذان! وَهٰذَا والله يا عباد الله من عظيم الحرمان!
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنه روى الإمام أحمد وبعض أهل السنن من حديث أبيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه أتى النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما أجعل لك من صلاتي؟ أي: من دعائي، قَالَ: «ما شئت»، قَالَ: ربعها؟ قَالَ: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، قَالَ: ثلثها؟ قَالَ: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، قَالَ: نصفها؟ قَالَ: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، فَقَالَ أبيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بل أجعل لك صلاتي كلها، أي: كل دعائه صلاةً وسلامًا عَلَىٰ هٰذَا النَّبِيّ العربي الهاشمي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فاسمعوا البشارة يا عباد الله! قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذًا يُكفى همُّك، ويُغفر ذنبك»[5]، وفي رواية: «إذًا يكفيك الله عَزَّ وَجَلَّ ما أهمك في دنياك وفي آخرتك»[6].
• يا له من فضل عظيم، كم نحن عنه محرومون! وكم عنه نحن غافلون!
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
[1] أخرجه أحمد (16173)، وابن ماجه (1381)، وأبو داود (345)، والترمذي (496). [2] أخرجه البخاري (935)، ومسلم (852). [3] أخرجه مسلم (384). [4] هذا الحديث عبارة عن حديثين، فالأول أخرجه البخاري (1986): عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟، قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: «فأفطري»، والثاني: أخرجه مسلم (1144): (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم). [5] أخرجه الترمذي (2457) بنحوه. [6] أخرجه أحمد (21242) بنحوه.
Source link