منذ حوالي ساعة
“فكونوا مستبشرين بالخير، وخذوا بالفأل الحسن، فإن الله عز وجل سيجعل بعد الضيق فرجًا، وبعد العسر يسرًا”
تمر السنون، وتتعاقب الشهور والأيام، والأمة تعيش في محنة عظمى! ولكننا أبدًا لا نيأس من روح الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
إننا نؤمن بأن مع العسر يسرًا، وأن بعد هذه المحنة خيرًا عظيمًا، ما علينا إلا أن نغير ما بأنفسنا، وأن نقترب أكثر وأكثر من الله عز وجل، وأن نأخذ بالأمل، والفأل الحسن؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، ومن أدلة ذلك:
• عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ»[1].
والمعنى: لن تكون هناك عدوى إلا بإذن الله، وليس لنا أن نتطيَّر، فالمؤمن لا يتطيَّر وإنما يتوقع الخير، هكذا كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن الطيرة، ويدعو إلى توقُّع الخير والاستبشار به.
• وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بكل اسم طيب، ولو كان ذلك في أشد اللحظات وأحلك الأوقات، ها هو يوم الحديبية، يستبشر بقدوم سهيل بن عمرو مفاوضًا ممثلًا لقريش، متوقعًا الخير من اسم سهيل، فيقول لأصحابه: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» [2].
• بل كان صلى الله عليه وسلم – امتدادًا لمنهجه في الأخذ بالفأل الحسن – يغيِّر أسماء بعض أصحابه إلى أسماء تدل على معاني الخير والبِشْر،فهذا صحابي اسمه حزَن، يقول له صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك» ؟»، قال: حزن، قال : «أنت سهل»[3]، وغيَّر صلى الله عليه وسلم اسم رجل من غُراب إلى مسلم[4]، وزيد الخيل إلى زيد الخير[5]، والعاص إلى مطيع[6]، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه أسْود، فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم أبيض[7]، وكذلك غيَّر أسماء بعض الإناث؛ فهذه عاصية يغيِّر اسمها إلى جميلة[8]، وهذه برة يغيِّر اسمها إلى زينب[9]، وغير ذلك كثير.
هذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخذوا بالفأل الحسن، وكونوا فألًا طيبًا على أنفسكم وأهليكم، فإن هناك نماذج في تاريخ الإسلام كانوا فألًا طيبًا حسنًا على أقوامهم، فتحقق بهم خير عظيم، وتبدَّلت أحوال أقوامهم إلى أفضل حال وأطيب مآل، ومن هؤلاء:
• عائشة رضي الله عنها: التي كانت فألًا حسنًا على أمة الإسلام جميعًا، وكانت بركةً على المسلمين في أكثر من موقف، ومن أدلة ذلك ما ثبت عند البخاري: أَنَّهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً، فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُم الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ! فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ.
فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ، وفي رواية قال: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ[10]. لقد قدَّر الله عز وجل لأم المؤمنين عائشة هذا الموقف حين استعارت من أختها أسماء قلادة، ولما ذهبت إلى الخلاء، سقطت القلادة دون أن تدري، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقدها تلك القلادة، أرسل مجموعة من الصحابة تبحث عنها في المكان الذي كانت فيه عائشة، فأخذوا يبحثون، واستغرق ذلك منهم وقتًا حتى أدركتهم الصلاة، وليس معهم من ماء، فصلوا بغير وضوء، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل آية التيمم: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]، فكانت تيسيرًا على أمة الإسلام، وكان ذلك ببركة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفألها الحسن.
• جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أم المؤمنين التي كان إسلامها وزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا وبركة وفألًا حسنًا على قومها، ودليل ذلك: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَقَالَ النَّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ- أي من الأسرى – قَالَتْ: فَلَقَدْ أَعْتَقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا[11].
وبنو المصطلق قوم من العرب، كان سيدهم الحارث بن أبي ضرار، غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزمهم، وسبى نساءهم وذراريهم؛ فكان من جملة السبي (جويرية) وهي ابنة سيدهم الحارث بن أبي ضرار، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر إلى نتائج زواجه منها صلى الله عليه وسلم. ها هم الصحابة الذين وقع في أيديهم كثير من السبي يقول بعضهم لبعض: لقد صار هؤلاء السبي أصهارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بزواجه من جويرية، فليس من المروءة ألَّا نمنَّ عليهم بالعتق، فأعتقوا مائة أهل بيت من بني المصطلق إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صاهرهم بزواجه من جويرية التي ما كانت إلا فألًا حسنًا على قومها، وكانت كما قالت أم المؤمنين عائشة: فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.
• الطفيل بن عمرو الدوسي: الذي كان فألًا حسنا وخيرًا وبركة على قومه قبيلة دوس؛ كَان الطُّفيْل رضي الله عنه شاعرًا لبيبًا شريفًا في قومه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم، ورجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فأبطئوا عنه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكا له قومه، وطلب منه أن يدعو عليهم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ اهْدِ دَوْسًا»، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ إلَى قَوْمِك فَادْعُهُمْ إلَى اللّهِ وَارْفُقْ بِهِمْ»، يقول: فَرَجَعْتُ إلَيْهِمْ فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، فَنَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ[12].
لقد نفَّذ الطفيل وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفق بقومه، وصبر على دعوتهم إلى الإسلام وتعاليمه، فإذا بقبيلة دوس تدخل فى الإسلام، وتتطهر من دنس الجاهلية، ويدخل بهم الطفيل المدينة ليس ببيت أو اثنين أو عشرة؛ وإنما بنحو من ثمانين بيتًا كلهم يوحِّد الله.
إن الله تعالى قد جعل الطفيل بركة وفألًا حسنًا على قومه.
• المرأة الداعية: وهذه امرأة لم يذكر التاريخ اسمها، رغم أن قصتها ثابتة في الصحيحين؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى الناس من العطش، فنزل صلى الله عليه وسلم فدعا فلانًا ودعا عليًّا فقال: «اذهبا فابتغيا الماء»، فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحدَّثاه الحديث، قال: «فاستنزلوها عن بعيرها» ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا؛ فسقى من شاء واستقى من شاء، وهي قائمة تنظر إلى ما يُفعَل بمائها، وايم الله، لقد أُقلِع عنها، وإنه ليُخيَّل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا لها»، فجمعوا لها من بين: عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعامًا، فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: «تعلمين؛ ما رزئنا (ما فقدنا) من مائك شيئًا؛ ولكن الله هو الذي أسقانا» فأتت أهلها، (فقصت عليهم ما حدث)، فكان المسلمون بعد ذلك يُغيرون على مَن حولها من المشركين، ولا يصيبون قومها، فقالت يومًا لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدًا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام [13].
لقد قدَّر الله عز وجل لهذه المرأة أن تخرج لطلب الماء، فملأت مزادتين كبيرتين بالماء وجعلتهما على بعيرها، ولما عطش المسلمون – وكانوا في سفر – شكوا العطش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل عليًّا وصحابيًّا آخر ليبحثا عن مصدرٍ للماء، فوجدا هذه المرأة، فأتيا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاملها صلى الله عليه وسلم بمنتهى الرفق والجود، وجعل يفرغ من أفواه المزادتين، والناس تشرب وتتوضأ وتتزود بالماء، وأمر بجمع طعام لها من التمر والسويقة والدقيق، وظل الماء كما هو لم ينقص شيئًا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد إكرامها تركوها تذهب ببعيرها ومائها وما جُمِع لها من طعام معززة مكرمة، فعادت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، وجعلت تمدح في كرم ورفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أغاروا ألَّا يغيروا على قوم هذه المرأة إكرامًا لها، ونتيجة لذلك قالت: تلك المرأة المباركة لقومها: ما أرى هؤلاء يتركون الإغارة عليكم إلا لأننا كنا سببًا في سقيهم الماء، فهل لكم فى الإسلام؟ فأسلموا جميعًا على يديها، وهكذا كانت هذه المرأة بركة وفألًا حسنًا على قومها.
• ضمام بن ثعلبة: هذا الصحابي الذي كان من أعظم الناس بركة وفألًا حسنًا على قومه، والدليل: عن أَنَس بْن مَالِكٍ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَجَبْتُكَ»، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ، فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ»، فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَال: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِن السَّنَةِ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، قال: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ نَعَمْ»، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ، وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَلَّى: «إنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُل الْجَنّةَ» وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا، أَشْعَرَ، ذَا غَدِيرَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فقَالَ: إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ، وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللّهُ وَأَنَّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، فَوَاللّهِ، مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرَتِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلَّا مُسْلِمًا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ[14].
وصدق ابن إسحاق في قوله ذاك، فإن ضمام بن ثعلبة ساقه قدر الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأله عن الإسلام، فلما أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلَّمه، آمن به وقال: لن أزيد ولن أنقص، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن يصدق ذو العقيصتين – (يعني هذا الرجل ذو الضفيرتين) – يدخل الجنة»، فرجع ضمام إلى قومه وكان مطاعًا فيهم، فدعاهم إلى الإسلام والإيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم قومه جميعًا في يوم واحد عن بكرة أبيهم، وكان ذلك ببركة ضمام الذي كان فألًا حسنًا وبشرى طيبة على قومه.
وهكذا كان هؤلاء من أهل الفأل الحسن على أنفسهم وعلى أقوامهم، وما تحقق ذلك لهم إلا لأنهم كانوا يتوقعون الخير، ويستبشرون بما هو آتٍ.
فكونوا مستبشرين بالخير، وخذوا بالفأل الحسن، فإن الله عز وجل سيجعل بعد الضيق فرجًا، وبعد العسر يسرًا، والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] البخاري 18/ 44.
[2] البخاري 9/ 256.
[3] البخاري 19/ 176.
[4] المستدرك للحاكم 18/ 93.
[5] المعجم الكبير للطبراني 9/ 50.
[6] مجمع الزوائد، ج7، ص 194.
[7] المعجم الكبير للطبراني 6/ 1.
[8] مسلم 11/ 80.
[9] مسلم 11/ 84.
[10] البخاري 16/ 148.
[11] أحمد 53/ 319.
[12] المستدرك 12/ 19 وزاد المعاد 3/ 545.
[13] البخاري 2/ 71 باختصار.
[14] البخاري 1/ 111 وزاد المعاد 3/ 564.
__________________________________________________
الكاتب: نجاح عبدالقادر سرور
Source link