الصلاةَ قرَّة عُيون المحبِّين، ولذَّة أرواح الموحِّدين، وبستان العابدين ولذَّة نفوس الخاشعين، ومحكُّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين
الحمد لله الذي جعل الصلاة نورًا للمتقين، وعونًا للسالكين، وهدايةً للضالِّين، وفرقًا بين الأولياء والمُعرِضين، والصلاة والسلام على سيد القانتين، وإمام الأوَّابين، وعلى آله وأصحابه المستغفرين، ومَن سار على نهجهم من التابعين.
وبعد:
أخي المسلم، إن لكلِّ شيءٍ ثمرةً، ولا يرتفع شأنه إلا بقدرِ نضوج ثمرته وحسن جودتها، ويقاس العمل الناجح بقدر إتقانه، وبقدر الفوائد المترتبة، هذا في أمور الدنيا، فكيف بأمور الآخرة، يجب على العبد أن يكون أشدَّ حرصًا واهتمامًا بزرعه؛ لكي يحصد ثمرته راضيًا مطمئنًّا.
أخي المسلم، لن تَجنِي ثمارَك الدنيوية والأخروية، ولن تتلذذ بصلاتك إلا إذا أتقنتَها، وقمتَ بها حقَّ القيام، والتزمتَ بشروطها وأركانها وواجباتها، واجتنبت مكروهاتها ومُبْطِلاتها، وخشعتْ فيها، وخضعتْ لربِّك، واستسلمتَ لخالقِك فيها، ونبذتَ عَلائق الدنيا وراء ظهرك عند دخولك بيت ربِّك، وقهرت عدوَّك إبليس باطمئنانِك.
قال ابن القيم:
“فاعلم أنه لا ريبَ أن الصلاةَ قرَّة عُيون المحبِّين، ولذَّة أرواح الموحِّدين، وبستان العابدين ولذَّة نفوس الخاشعين، ومحكُّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، وهي رحمةُ الله المهداة إلى عباده المؤمنين هداهم إليها، وعرَّفهم بها، وأهداها إليهم على يدِ رسوله الصادق الأمين، رحمةً بهم، وإكرامًا لهم؛ لينالوا بها شرفَ كرامته، والفوز بقربه، لا لحاجةٍ منه إليهم، بل منَّة منه وتفضُّلاً عليهم، وتعبَّد بها قلوبَهم وجوارحهم جميعًا، وجعل حظَّ القلب العارف منها أكملَ الحظَّين وأعظمَهما؛ وهو إقباله على ربِّه – سبحانه – وفرحه وتلذُّذه بقربه، وتنعُّمه بحبه، وابتهاجه بالقيام بين يديه، وانصرافه حال القيام له بالعبودية عن الالتفات إلى غير معبوده، وتكميله حقوق عبوديته ظاهرًا وباطنًا حتى تقع على الوجه الذي يرضاه ربُّه – سبحانه”؛ أسرار الصلاة لابن القيم ص 55 – 56.
وقال نصر بن محمد السمرقندي:
“واعلم أن مثلَ الصلاة كمثلِ مَلِكٍ اتَّخذ عرسًا، فاتَّخذ وليمةً وهيَّأ فيها ألوانًا من الأطعمة والأشربة، لكل لون لذة، وفي كل لون منفعة؛ فكذلك الصلاة دعاهم الربُّ إليها، وهيَّأ لهم فيها أفعالاً مختلفة، وأذكارًا، فتعبَّدهم بها ليلذَّهم بكل لونٍ من العبودية؛ فالأفعال كالأطعمة، والأذكار كالأشربة”؛ تنبيه الغافلين للسمرقندي ص 147.
وعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: “لا تنفعُ الصلاة إلا مَن أطاعها”، ثم قرأ عبدالله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]؛ (مصنف ابن أبي شيبة 13/298).
وقال الحسن البصري – رحمه الله -:
“يا بن آدم، إنما الصلاةُ التي تَنْهَاك عن الفحشاء والمنكر، فإن لم تَنْهَك صلاتُك عن الفحشاء والمنكر، فإنك لستَ تصلِّي!”.
وهذا أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: “إن الرجل ليصلي ستِّين سنة ولا تُقبَل منه صلاةٌ, فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: لا يتم ركوعَها، ولا سجودها، ولا قيامها، ولا خشوعها”؛ (السلسلة الصحيحة برقم (2535) – 6/34).
وعن زيد بن وهب، قال:
دخلتُ مع حذيفةَ المسجد فرأى رجلاً يصلِّي لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له حذيفة: “منذ كم صليتَ؟”، قال: منذ أربعين سنةً، فقال له حذيفة: “ما صليتَ، ولو متَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فإن الرجل قد يخفِّف صلاته، ويتم ركوعها وسجودها”؛ (شعب الإيمان 4/489).
ويقول الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -:
“يأتي على الناس زمانٌ يصلُّون وهم لا يصلُّون, وإني لأتخوَّف أن يكون الزمان هو هذا الزمان!”.
ثمرات الصلاة كثيرة، ولكن سنذكر بعضًا منها:
1- أمانٌ من الكفر والنفاق:
عن جابر بن عبدالله الأنصاري – رضي الله عنه – عن أبيه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»؛ (رواه مسلم برقم (82)).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمونَ ما فيهما لأَتَوهما ولو حبوًا، لقد هممتُ أن آمرَ المؤذِّن فيُقِيم، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نارٍ فأحرق على مَن لا يخرج إلى الصلاة بعد»؛ (صحيح البخاري برقم (621)، وصحيح مسلم برقم (1047)).
2- الصلاة راحة وطمأنينة:
عن علي – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لبلالٍ: «قُمْ يا بلال؛ فأرحنا بالصلاة»؛ (صحيح أبي داود 4172).
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «حبِّب إليَّ النساء والطِّيب، وجُعِلت قرَّة عيني في الصلاة»؛ (سنن النسائي برقم (8577)).
3- الصلاة نور:
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الطهور شطر الإيمان… والصلاة نور… كلُّ الناسِ يغدو فبائعٌ نفسَه فمعتقُها أو مُوبِقُها»؛ (رواه مسلم برقم (333)).
وعن أنس بن مالك قال: قال – عليه الصلاة والسلام -: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنورِ التامِّ يوم القيامة»؛ (سنن ابن ماجه برقم (773)، وصححه الألباني).
فلك من نورِ الله بقدر صلاتك، وتضاء طريقك بقدر صلاتك أيضًا.
4- الصلاة دواء من الغفلة:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبِها»؛ (رواه مسلم برقم (1009)).
5- الصلاة تفريج للكربات:
عن حذيفة، قال : كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا حزبه أمرٌ صلَّى))؛ سنن أبي داود برقم (1126).
6- الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: قال – تعالى -:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
7- الصلاة حصن حصين:
عن جُنْدُب بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلَّى صلاةَ الصبح، فهو في ذمَّة الله، فلا يطلبنَّكم الله من ذمَّتِه بشيءٍ؛ فإنه مَن يطلبه من ذمته بشيءٍ يُدرِكه، ثم يكبُّه على وجهه في نار جهنم»؛ (رواه مسلم برقم (657)).
8- غفران الذنوب:
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مَثَل الصلوات الخمس كمَثَل نَهر جارٍ غمر على بابِ أحدكم يغتسل منه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ» قال: قال الحسن: وما يبقي ذلك من الدرن))؛ (صحيح مسلم برقم (668)).
وعن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول: «الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعةُ، ورمضانُ إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهن إذا اجتَنَب الكبائرَ»؛ (رواه مسلم برقم (233). )
9- إن صلحت صلح سائر العمل:
عن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أولُ ما يُحَاسَب العبد يوم القيامة الصلاةُ، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله»؛ (الأحاديث المختارة للمقدسي برقم (2305)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2573)).
10- عهد عند الله بدخول الجنة:
كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العبادِ، فمَن جاء بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقِّهن، كان له عند الله عهدٌ أن يُدخِله الجنة»؛ (رواه أبو داود برقم (1420)، وصححه الألباني).
___________________________________________
الكاتب: عبدالمجيد عبده طه النهاري
Source link