منذ حوالي ساعة
كان يستعيذ النبي ﷺ من: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال».
ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة:
«التمس غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر» فخرج بي أبو طلحة مردفي، وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال».
وابن القيم رحمه الله يرى أن هذه الأشياء الثمانية عقوبات للمعاصي التي يرتكبها العبد، ومن لا يتأمل سنن الله في العقوبات والمصائب قد لا ينتبه إلى ذلك، فهو يدرك همومه وأحزانه، وعجزه وكسله، وبقية تلك العلل، ولكنه يفسرها تفسيرات ظاهرة، ويقطعها عن أسبابها ومقدماتها.
وهذا يفسر أحوال كثير من الناس الذين تلازمهم الهموم والأحزان، وربما كانوا أهل يسر ومال، ولكنهم فقدوا القناعة والرضا عن الله، فإذا زادوا فوق ذلك الفجور والتقصير في فرائض الله فقد جلبوا الهموم والأحزان بأعظم أسبابهما.
وقد يجتمعان في شخص واحد فيكون جبانا بخيلا، من غير تلازم بينهما، ومن الناس من يكون سخيا بنفسه وماله، ومن الناس من يبخل بماله ويجود بنفسه، ومن الناس من يجود بماله ويضن بنفسه، وكل هذه الأصناف موجودة في الناس، وخير الناس من كان نافعا بماله وبدنه.
وأما ضلع الدين وقهر الرجال فإن اقترانهما في المعنى من جهة أن الدَّين سبيل للقهر حين لا يتمكن الإنسان من قضائه، قال المناوي في فيض القدير: ضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلى الغير عليه بحق فضلع الدين، أو بباطل فقهر الرجال.
وإنما يحصل القهر بسبب أن الإنسان يغفل عن تقدير الله وتدبيره، فيبدأ يواجه تسلط الناس بأسباب مادية، ويغفل عن الاستعانة بالله الذي هو قادر على كف أذاهم، فنواصيهم بيده، ولا يقدمون ولا يؤخرون إلا بتقديره، وقد لفت إلى ذلك المناوي في فيض القدير حيث نقل عن بعض العارفين قوله عند شرح هذا الحديث: يجب التدقيق في فهم كلام النبوة، ومعرفة ما انطوى تحته من الأسرار، ولا تقف مع الظاهر، فالمحقق ينظر ما سبب حصول القهر من الرجال، فيجده من الحجاب عن شهود كونه سبحانه هو المحرك لهم حتى قهروه، فيرجع إلى ربه، فيكفيه قهرهم، والواقف مع الظاهر لا يشهده من الحق، بل من الخلق، فلا يزال في قهر، ولو شهد الفعل من الله لزال القهر ورضي بحكم الله، فما وقعت الاستعاذة إلا من سبب القهر الذي هو الحجاب.
فالدعاء والالتجاء إلى الله، والاستعاذة به من هذه الأدواء والعلل هو منهج نبوي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم مبدأ الالتجاء إلى الله في حالة الهموم والديون، عن أبي سعيد الجدريّ رضي الله عنه قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة جالسا فيه، فقال «يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في غير وقت صلاة»، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله. فقال: «ألا أعلّمك كلاما إذا قلته أذهب الله عزّ وجلّ همّك وقضى دينك»، فقال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن. وأعوذ بك من العجز والكسل. وأعوذ بك من البخل والجبن. وأعوذ بك من غلبة الدّين وقهر الرّجال»، قال: فقلت ذلك فأذهب الله همّي وقضى عنّي ديني.
Source link