عباد الله: عليكم بالدعاء فهو من أنفع الأدوية، فالدعاء عدو البلاء يدافعه ويعالجه، أو يمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن.
لا إله إلا الله ما قرعت أبواب السماء بمثل مفاتيح الدعاء، لا إله إلا الله أجاب قوماً بنملة بعد أن رفعت يديها إلى السماء لما خرج سليمان يستسقي بالناس وفي طريقه للمصلى رأى نملة رفعت يديها تدعوا الذي يعطي ويمنع ويلطف ويغيث، قال سليمان أيها الناس عودوا فقد كفيتم بدعاء غيركم، فأخذ الغيث ينهمر، لا إله إلا الله إليه يصعد الكلم الطيب والدعاء الخالص والهاتف الصادق والدمع البريء، فهلا قرعنا بابه وهلا لذنا بجنابه ووقفنا بعتبات بابه.
يا أصحاب الحاجات؛ يا مَن تكالبت عليكُم الملمات، يا كل مكروب، يا كل مهموم، يا كل مظلوم، أليس فيكم عينٌ باكيةٌ وقلبٌ حزين؟ أليس منكم من الضعفاء المنكوبين؟ أليس منكم عزيزٌ قد ذل؟ وغني قد افتقر؟ وصحيح قد مرض؟ أنتم وأولئك إلى من تلجئون ومن تنادون ومن تشتكون؟ أيديكم إلى من تمدون؟ اقرعوا باب السماء وجدّوا في الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرضين. اقرعوا الباب وأكثروا القرع والإلحاح. واعلموا أن الله العفو أحب إليه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة، سبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، الفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع، إذاً بادر أخي بقرع الباب وأنت الذليل الحقير واذرع إلى العلي الكبير تذرع الأسير بقلبٍ كبير.
لا إله إلا الله هو ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، لا إله إلا الله من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه، لا إله إلا الله إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، ما بين طرفت عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] لا إله إلا الله قريب يسمع ويجيب، قريب عطائه ممنوح، وخيره يغدو ويروح وبابه مفتوح، حليم كريم صفوح، قريب فرجه في لمح البصر وغوثه في لفتتِ النظر، قريب جواد مجيد، لا ضد له ولا ند، أقرب للعبد والله من حبل الوريد، محمود ممدوح حميد، لا إله إلا الله دعا المذنبين للمتاب، وفتح للمستغفرين الباب، ورفع عن أهل الحاجات الحجاب فهلا قرعتم الباب وناديتم العزيز الوهاب كما دعاه عبده يونس {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] أسمعوا الإجابة {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} فسبحان من سمعه من قعر البحار وهو على عرشه واحد قهار.
وناد إذا سجدت له اعترافاً ** كما ناداه ذوالنون ابن متى
وأكثر ذكره في الأرض دأبا ** لتذكر في السماء إذا ذكرتا
لا إله إلا الله {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] أين أنتم يا أهل الحاجات؟ أين المرضى؟ أين المديونون؟ أين المستضعفون؟ لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسي الكثير باب الله.
لا تسألن بني آدم حاجـــــــةَ ** وسل الذي أبوابه لا تحجــبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وبني آدم حين يسأل يغضب
جاء في رواية أن سعيد أبن عنبسة قال: (بينما رجل جالس يعبث بالحصى ويحذف به قال إذ رجعت حصى ودخلت في أذنه فبقيت مدة من الزمن وهي تألمه وبينما هو ذات يومٍ جالس إذ سمع رجل يقرأ {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62] فقال ذلك الرجل: يا رب يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فاكشف ما بي من ضر، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال).
وهذا آخر أصيب ولده بمرض السرطان ولقد ذهب به إلى عدة مستشفيات في داخل المملكة وخارها، ولقد اشتد بالولد المرض حتى أنه أصبح لا يستطيع الحركة، وبعدها أخبروه الأطباء أن حالة ولده ميئوس منها وأنه لا فائدة من علاجه، ويقول في قصته لقد يأست من الأطباء ولكنني لم أيأس من رحمة الله، فقمت في ليلتاً فصليت ركعتين ثم اتجهت بأكفي إلى السماء ودعوة الله عز وجل أدعو من بيده النفع، دعوته أن يشفي ولدي، ثم قرأت الفاتحة في كفاي ونفثت فيهما ثم أخذت أمسح بهما على جسمه وأنفث في فمه، ثم قال وما هو إلا إلى الصبح إلا والولد يتحرك، ثم يقول بعدها ذهبت به إلى أحد أطبائه، فتفاجأ بحركته، فقام بإجرائات الكشف عليه فوجد أنه لا أثر للمرض وأنه قد زال تماماً، فقال الطبيب سائلاً والد الطفل من الطبيب الذي قام بعلاجه وأين؟ فقال إنه طبيب الأطباء، إنه الله عزوجل، إنه من بيده الشفاء سبحانه، فلا إله إلا الله، وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم قال في حديث أبن عمر ((الدعاء ينفع ما نزل وما لم ينزل))، أين أنتم أيه المرضى؟ أين أنتم يا أهل الأسرة البيضاء يا من سهرت عيونكم من الأنين وتعبت أجسامكم وأجسادكم من البكاء والآلام والحنين؟ هل يا ترى نسيتم باب الكريم الذي يسمع دعاء المريض؟
عباد الله: عليكم بالدعاء فهو من أنفع الأدوية، فالدعاء عدو البلاء يدافعه ويعالجه، أو يمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن.
أخي عبد الله: أرفع أكفك إلى السماء وأقرع باب السماء بمفاتيح الدعاء، وقل (يا أرحم الراحمين)، لقد جاء في حديث أبي أمامة قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «إن لله ملك موكل يؤمن ويقول يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثاً قال الملك له إن أرحم الرحمين قد أقبل عليك فسأله». فمن الذي يفزع إليه المكروب ويستغيث به المنكوب، وتصمد إليه الكائنات، وتسأله المخلوقات، وتلهج بذكره الألسن، وتألهه القلوب؟ إنه الله الذي لا إله إلا الله هو أحسن الأسماء وأجمل الحروف وأصدق العبارات، وأثمن الكلمات.
وجاء عن الإمام محمد ابن المنكدر أنه قال:
في ليلة من الليالي أستسقى أهل الحرم أي بالمدينة ولم يسقو يقول ذهبتُ إلى مسجد رسول الله أتعبدو في مكانٍ لي فقال بينما أنا جالس في منتصف الليل إذ دخل علي رجل لم أعرفه رجلاٌ أسود تعلوه صفرة، عليه رداءٌ وإزار، وجلس يلتفت يمنةً ويسرة حتى اطمأن أن لا أحد في المسجد فرفع أكفه إلى السماء فقال: يا رب إن أهل الحرم قد أستسقوك ولم تسقهم، ثم اسمعوا ماذا قال قال: يارب اللهم إني أقسم عليك أن تنزل عليهم المطر، قال الأمام محمد قلت هذا مجنون كيف يجرأ يقسم على الله جل وعلا، قال أقسم عليك يا الله أن تنزل المطر، قال الإمام محمد والله ما تحرك من مكانه إلا وقد نزل المطر علينا، رُبَ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.
جاء في حديث عائشة إنها قالت ((إن الله يحب الملحين في الدعاء))، ومن حديث أنس إن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: «لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد».
لا إله إلا الله إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت فهتف وقل يا الله.
ذكِر عن الحسنِ قال كان رجلٌ اسمعوا لهذه القصة اسمعوا لها جيداً قال كان رجلٌ من أصحاب النبي من الأنصار يكنا بأبي معلق وكان تاجراً يتّجر بماله ومال غيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكاً ورعا، فخرج مرةً فلقيه لصٌ مقنعٌ بالسلاح، قال له ذلك الص ضع ما معك فإني قاتلك، قال ما تريد من دمي خذي المال، قال: أما المال فهو لي ولا أريد إلا دمك، قال إذاً أتركني أصلي أربع ركعات قال صلي ما بدالك يقول ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجوده أنه قال: (يا ودود يا ذي العرش المجيد يا فعالٌ لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبي ملكك الذي لا يظام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أُذني فرسه فلما أبصر باللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إلي قال لي قم فيقول قمت فقلت من أنت بأبي وأمي فقد أغاثني الِله بك اليوم فقال: اسمعوا ماذا قال، فقال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعه، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمع لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله). اسمعوا يا أهل الحاجات اسمع يا مكروب اسمع يا مهموم، اسمع يا مظلوم قال الحسن: فمن توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب.
ليتنا عباد الله ندعوا الله كثيرا، ليت ضعفنا يتصل بقوته وفقرنا يتصل بغناه وعجزنا بقدرته، سبحان الله حق لنا والله أن ندعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات ونتوسل إليه في الكربات، كل الحبال تتسرب إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، يأمرك الله وأنت الضعيف المحتاج وهو الغني القوي الواحد الماجد، إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوط فألهج بذكره، واهتف باسمه، وأطلب مدده، وأسأله فتحه ونصره.
مرغ الجبين لتقديس أسمه لتحصل على تاج الحرية، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز أوسام النجاة، أصبر فإن مع العسر يسرا ومع الصبر نصرا وبعد الشدةِ رخاء وبعد الضراء سراء، إذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فأعلم أنه سوف ينقطع، إذاً فلا تضيقوا ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة إنتظار الفرج، والأيام دول والدهر متقلب والغيب مستور والحكيم كل يوم هو في شأن ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بشر المريض بعلاج سريعٍ بإذن الله، بشر المنكوب بلطفٍ خفي وكفٍ حانية وادعة، بشر الفقير بغنى والغائب بالقدوم والمتعب بالراحة والمسجون بالخروج، ولكِ أمرٍ حد، والدهر مقبلٌ مدبر، والأيام آخذة معطيه، ولكل نازلةٍ رحيل، ولكل صعوبة سهولة، ولكل داء دواء، حكمة نافذة وقدرة باهرة، فلا تجزع فإن مع العسر يسرا، ولا تيأس إن مع العسر يسرا ليس يسراً واحدا ولكن يسران، إذاً فاقرعوا باب السماء بالدعاء وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «ادعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة»، وجاء من حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُوصِي قبل وفاته بثلاث ليال يقول: «لا يموتاً أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله جل وعلى» ))، وعنه – صلى الله عليه وسلم – قال: أن الله عزوجل يقول: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني».
جاء في بعض الآثار أن رجل صلى على جنازة مع الناس في المسجد يقول ووقفت في الصف الأول لا أدري ماذا أقول في دعائي للميت، فلما كبرنا التكبيرة الأولى قرأة الفاتحة، وفي الثانية صليت على رسولِ الله، وفي الثالثة وقفت متحيراً لا أدري ماذا أقول، فنظرة تلقاء وجهي فرأيت الجنازة ممددة على النعش فقلت: يا رب لو أن هذا الميت؛ أسمعوا الكلمات والدعوات الصادقات؛ قال: قلت: يا رب لو أن هذا الميت ضيفي لأكرمته، وهو اليوم ضيفك وأنت أكرم الأكرمين، قيل فرأي الميت بعد زمان فقيل له ماذا صنع الله بك قال: إن الله غفر لي ورحمني وأدخلني الجنة بدعوة فلان ابن فلان.
اسمع أيها المدينون:
اسمع يا من تراكمت عليك الديون، كم واحدٍ من المديونين عجز عن الوفاء، وكم يعيش من المعسرين وربي في شقاء، أسمعوا لهذا الحديث عن علي رضي الله عنه، أن مُكَاتباً جائهُ فقال إني عجزت عن كتابتي فأعني – أي عجزت عن سداد ديني فأعني – قال أولا أعلمك كلمات؛ أسمع أيها المديون كلمات علمني إياها رسول الله قال: «لو كان عليك مثل جبلاٍ دينا أداه الله عنك، قال: قل اللهم أكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك»،
وعن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول الله المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال – صلى الله عليه وسلم -: «يا أبو أمامة مالي أراك جالس في غير وقت صلاة» فقال: يا رسول الله همومٌ ألزمتني، وديونٌ أثقلتني، فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – «أفلا أعلمك كلمات إذا قلتها أذهب الله عنك همك وقضى الله عنك دينك» قلت بلا يا رسول الله قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل وغلبت الدين وقهر الرجال»، ففعلت ذلك فأذهب الله عني همي وقضى الله عني ديني. لا إله إلا الله يجيب من دعاه ويسمع من ناجاه، إذاً إرض بما عند الله في جميع ما يفعله بك، فإنه ما منعك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا أماتك إلا ليحييك، فإياك أن تفارق الرضى عنه في طرفت عين فتسقط من عينِ الله.
أيها المظلوم والمستضعف، يا من سرت دعوتك في آخر الليل وسالت دمعاتك على الخدين، إذا أنقطعت بك الأسباب وغلقت في وجهك الأبواب إرفع أكفك إلى السماء وأقرع باب السماء وأبشر بالفرج، فعن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إن الله يستجيب دعوت المظلوم ولو كان فاجرا»، وقال ربك جل وعلا في الحديث القدسي «وعزتتي وجلالي لأنصرنكي ولو بعد حين». أسمعت أيها الظالم؛ أسمعت أيها المظلوم؛ أسمعتم جميعا من الذي أقسم أنه الله عز وجل وقد أقسم بعزه وجلاله أنه لينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين، فتذكر أيه الأخ إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرت الله عليك قبل ظلم للناس.
أيها الشباب:
يا من تبحثون عن الوظيفة لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسي الكثير باب الله؟ هل سألتم الله قبل سؤال الناس؟ يقول أحد الشباب ممن يحمل الشهادة الثانوية ما تركتُ دائرةً علمت أن فيها مجالاً للوظيفة إلا وتقدمت لها لكن دون جدوى، يقول فنصحتني والدتي مذكرةً لي بأن النافع والرازق هو الله سبحانه، يقول فدعوت الله في تلك الليلة دعوة صادقة فصليت صلاة الفجر فإذا بأحدهم يسألوني عن الوظيفة فأخبرته بما حصل فقال لي تأتيني هذا اليوم في مكتبي وهو أحد المسؤولين فذهبت حاملاً ملفي وقام فوراً بتوجيه الاعتماد لعملي، فعلمت علم يقين أن النافع والرازق هو الله سبحانه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 55- 56].
عباد الله: الدعاء نعمة عظما جاد بها المولى، فشأنه عظيم ونفعه عميم ومكانته عاليةً في الدين، فما استُجِلبت النعم بمثله، ولا استدفعت النقم بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله وإفراده بالعبادة دون من سواه. فما أشد حاجة العباد إلى الدعاء، كل الناس بحاجة إلى الدعاء بل كل من في الأرض جميعاً كلهم وربي بأمس الحاجة لدعاء، وإخلاصهم لرب الأرض والسماء ليصلوا بذلك إلى خيري الدنيا والآخرة.
فأجدر بنا عباد الله أن نتفقه فيه وأن نلم بشيء من أحكامه ولو على سبيل الإجمال حتى ندعوا ربنا على بصيرةٍ وهدى بعيدين عن الخطأ والاعتداء فذلك، أرجى لقبول دعائنا وإجابة مسألتنا، فلدعاء شروط منها: أن يكون الداعي عالماً بأن الله قادرٌ على إجابة دعاءه، وألا يدعو إلا الله، وأن يتجنب الاستعجال؛ احذروا الاستعجال لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – «يستجاب لأحدكم مالم يعجل يقول دعوتُ فلم يستجيب لي»، ومن الشروط الدعاء بالخير، وحسن الظن بالله، وحضور القلب لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – «وأعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبه لاهن»، وإطابة المأكل كما في الحديث الذي رواه مسلم «إن الله لا يقبل إلا طيبا ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لـه»، وتجنبوا الاعتداء بالدعاء قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
وهناك أوقات وأماكن وأحوال وأوضاع يستجاب فيها الدعاء منها على سبيل الإيجاز: جوف الليل، ودبر الصلاة المكتوبة، وبين الأذان والأقامة، وعند نزول الغيث، وعند شرب ماء زمزم، ودعاء المسافر والصائم عند فطره، وكذلك دعوة الوالدِ على ولده، أيها الآباء أحذروا الدعاء على الأولاد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافق ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». ذكر أحد الدعاة أن رجلاٍ عنده ابن طيب صالح وفي يومٍ طلب الابن من والده مفتاح السيارة فرفض والده، فطلب الابن من أمه أن تطلب من والده مفتاح السيارة، فطلبت منه ذلك وبعد إصرارٍ منها قال الوالد للأم خذي هذا المفتاح وأعطيه أسأل الله ألا يرده، فأعطت الأم الإبن مفتاح السيارة فذهب، فنتظروه نصف الساعة، والساعة، وطَوَالَ الليَل، وأذن الفجر وخرج الصباح ولم يحضر ذلك الابن، فذهبوا يسألون ويبحثون عنه فأُخُّبِروا أنه قد أصيب بحادث ومات في ذلك الحادث، وأنه في ثلاجة الموتى بأحد المستشفيات، وافقت تلك الدعوة باباً مفتوحاً فاستجابها الله عز وجل، فاحذروا إخواني من الدعاء على الأولاد، واعلموا أنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً مجيباً سبحانه وتعالى.
ومن الأمور لإجابة الدعوة إخواني:
أن تتقربوا إلى الله بفعل ما افترَضَ عليكم وبكثرة النوافل «لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» ، ثم قال: – اسمع أخي – ثم قال: «ولإن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنه»، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ وربي في استجابة الدعوة فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم – «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجيب لكم».
ومن أعظم أسباب الإجابة الذكر، ذكر الله من تهليلٍ وتسبيحٍ ودعاء وغيره، كلها والله سبب للإجابة، روي عن الأمام أحمد أنه مـر بقرية فصلى معهم العشاء وبعد الصلاة أراد أن ينام في المسجد فمنعه الفراش فخرج من المسجد وجلس خارجاً على عتبة المسجد، فلما جاء الفراش خارجاً من المسجد وجد الأمام أحمد جالساً على عتبة المسجد، فقال له ألم أقل لك أنه ممنوع الجلوس في المسجد وأخذ برجل الأمام أحمد وأخذ يجره برجله حتى أبعده عن المسجد، هو لا يعلم أنه الإمام أحمد ولو أنه يعلم لما طرده من المسجد، وكذلك أن الأمام لم يبين له أنه الإمام أحمد، وإذا بخباز ساهراً في مخبزه ليعد عجينه للصباح إذا به يأتي إلى الإمام ويدعوه للدخول عنده في المخبز فدخل معه وقال له الخباز اجـلس هُنا ونم وأنا سأذهب أكمل عجين خبزي، فانسدح الأمام أحمد لينام إذا هو يرى الخباز جالس يعجن في خبزه ويسبح ويستغفر، فتعجب الإمام من هذا الخباز فجلس وأخذ ينظر إلى هذا الخباز وهو يعجن بيديه العجين ولسانه الذي لم ينقطع عن الذكر منذ أن بدأ يعجن، فقال الإمام أحمد للخباز منذ متى وأنت على هذا الحال؟ قال منذ وقتٍ طويل وأنا هذا هو حالي، قال الإمام وما ثمرة هذا؟ أي ما الذي جنيته وكسبته من ذكرك هذا؟ قال الخباز – اسمعوا إخواني، اسمع يا من أبعد لسانه عن الذكر وأطلقها في الفحش وبذاءة اللسان، إسمع يا من لا تلهج وترد لسانك إلا بالغناء، اسمعوا جميعاً ماذا قال الخبز، قال: والله منذ أن كان هذا هو حالي ما دعوت الله دعوة إلا استجابها الله لي إلا دعوة واحدة لم تستجاب بعد، قال الإمام وما هي؟ قال اسمعوا يا رعاكم الله قال هي أن أرى الأمام أحمد والتقي به، قال الإمام أحمد فوالله لقد استجابها الله لك وجائك بالأمام أحمد إليك يُجَر جراً برجليه قال إذاً أنت الإمام أحمد قال نعم أنا الإمام أحمد ولقد جاء بي الله إليك أجر جرا استجابة لدعوتك.
واعلموا عباد الله أن استجابة الدعاء لا تعني فقط استجابة الله جل وعلا لما طلبه الإنسان مباشرة، بل قد تكون الاستجابة بطريق أخرى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» قال الرواي: إذا نكثر، قال الرسول- صلى الله عليه وسلم -: «الله أكثر»، قال ابن حجر: “كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، قال- صلى الله عليه وسلم – «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين».
وأعلموا عباد الله: فمن الآداب المهمة في الدعاء أن يبدأ بالثناء على الله وتمجيده ثم الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – داعياً ربك بأسمائه الحسنى فما أقرب الإجابة ممن اتبع هذه الآداب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك – صلى لله عليه وسلم -).
__________________________________________________________
الكاتب: أحمد محمد مخترش
Source link