هل عباءة الكتف محرمة! – خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

لوسمحت اريد تفسير حديث النبي الذي يستدلون به بأن عباءة الكتف حرام ولا تجوز وما مدى صحة هذا الحديث فوجدت شيوخ يستدلون به والشيخ مصطفى العدوي يقول أنه غير صحيح وأن عباءة الكتف ليست بحرام

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالذي يظهر أن القول بالمنعَ من عباءة الكتف – كما يقوله بعضُ العُلماء المُعاصرين – إنما هو لتخلف شرط من شروط الحجاب الشرعي، الذي دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع، أعني ستر موضع (الجيب) من المرأة؛ وذلك لأن كثيرًا من النساء إنما ترتدي تلك العباءة وعليْها غطاء رأْس صغير، يغطي: الرأْس والعُنق فقط، أو يغطي: الرَّأس والعُنق والوجه، ويبقى الصدْرُ باديًا، وأحيانًا بعض الرقبة.

ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أمر النساء بستر الرأس والنحر ومنطقة الصدر؛ قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور: 31]، والخمار: ما تخمر به المرأة رأسها وتغطيه، وهو يوجب ستر النحر والصدر؛ فالجيوبَ: هي ما على الصدورِ مِن الثيابِ مما يدخُلُ منه الرأسُ عند لُبْسِهِ، فهو شق في طول اللباس العلوي للمرأة.

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]،الجلابيبِ هي ما يكونُ مِن لباسٍ فَضْفاضٍ فوقَ الخمارِ، يستوعِبُ أعلَى البدنِ ووَسَطَه، ويُسْدَلُ فيُغَطَّى به الوجهُ والصدرُ، والجِلْبابُ قريبٌ مِن عَبَاءةِ الرأس في أيامنا وهو القِنَاعُ والمُلَاءةُ، والجِلْبابُ ليس غطاءً خاصّاً بالوجهِ وحدَه، ولكنَّه غطاءٌ زائدٌ فضفاضٌ يكون فوق الخمار، يُرخَى غالباً.

كما أن عباءة الكتف إن كانت تلبس بغير خمار، أو طرحة كبيرة بالشروط السابق ذكرها= فإنها تظهر حجْمُ عظام المرأة، أعني عظام الكتفين، لا سيما وفي كثيرٍ من الأحيان تكون تلك العباءة ضيِّقة،؛ فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبطية كثيفة، كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي؛ فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ((ما لك لم تلبس القبطية؟))، قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مرها فلتجعل تحتها غِلالة؛ إني أخاف أن تصف حجم عظامها))؛ رواه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه، وقد أعلّ الحديث؛ لأنه من رواية ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد، والأول: وصف بسوء الحفظ خاصة لما كَبر، والثاني: بجهالة الحال.

إلا أن كثير من كبار الأئمة احتجوا بحديثه؛ قال الإمام الترمذي في سننه: “عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، ولكن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وقال البخاري: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه”. فيحتج بحديثه ما لم يخالف، ووثق محمد بن أسامة ابن سعد وابن حبان، فزالة جهالة الحال، والحديث من جهة الدراية -لمن تأمله- يوافق أصول الشريعة، كما أنه يشهد له حديث أبي هريرة في الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”.

وقد حسن الحديث الشيخ الإلباني كما في كتابه: “الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب” (1/ 318) حيث قال: “الحديث إسناده حسن، أخرجه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه، والحديث أورده في (المجمع) وقال: “رواه أحمد والطبراني وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف”.

قلت (أي: الألباني): وله شاهد من حديث دحية نفسه، أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن أيوب: ثني موسى بن جبير أن عباس ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حدثه عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة به نحوه”. اهـ.

هذا؛ ومن المعلوم أن تلك المسألة الفقهية الشريفة وغيرها من المسائل لا يتوقف القول بها على صحة الحديث من ضعفه! كما قد يظن بعض من لم يتضلع من علم الفقه والقواعد الأصولية الكبار، وأصول الاستدلال، فيتعجل برد مسألة برأسها لضعف الديل الجزئي، غافلاً عن غيره من الدلائل، فالله أنزل الكتاب و الميزان هو القياس الصحيح؛ قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: 17]، وهو الجمع بين المتماثلات في الحكم، وهو قياس الطرد، والتفريق بين المختلفات وهو قياس العكس القياس.

إذا تقرر هذا؛ علم أن آيات الحجاب السابق ذكرها، ونقول الصحابة الصحيحة تدل على نفس المعنى المستفاد من الحديث موضع النزاع.

 غير أنه قد سبق أن أصدرنا فتاوى كثيرة فحواها أن الشريعة الإسلامية لم تحد حدًا للباس المرأة أو الرجل، وإنما أنزل الله ضوابط عامة، متى وجدت صار الزي شرعيًا، فإن كانت عباءة الكتف واسعة فضفاضة، وليست زينة في نفسها، ولبست  عليْها المرأة الخمار المعروف، أو طرحة كبيرة تُغطِّي الرأس والعنق ومنطقة الصدْر= فهي جائز لبسها، ويحصل بها الستر المطْلوب شرعًا،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حكم المسح على الخفين الخفيفتين إذا لبس على غير وضوء – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة السؤال: ما حكم لبس الخفين الخفيفتين دون الوضوء والمسح عليهم الإجابة: الحمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *