قصة يوسف عليه السلام ج١ – أبو حاتم سعيد القاضي

منذ حوالي ساعة

في الحديثِ الصحيحِ: “أكرمُ الناسِ يوسفُ نبيُّ اللهِ، ابنُ نبيِّ اللهِ، ابنِ نبيِّ اللهِ، ابنِ خليلِ اللهِ”

رؤيا يوسف وتعبير يعقوب

قال الله تعالى: { ﴿الر تِلكَ آياتُ الكِتابِ المُبينِ (١) إِنّا أَنزَلناهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعقِلونَ (٢) نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ (٣) إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطانَ لِلإِنسانِ عَدُوٌّ مُبينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجتَبيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ وَيُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وَعَلى آلِ يَعقوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيكَ مِن قَبلُ إِبراهيمَ وَإِسحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَليمٌ حَكيمٌ (٦)﴾} [يوسف: ١-٦].

فوائدُ مِنَ الآياتِ:
فضلُ نبيِّ اللهِ يوسفَ عليه السلام: وذلك أنّ اللهَ ساق علينا خبرَهُ في سورةٍ كاملةٍ مِنَ القرآنِ، وفي ثناياها ثناءٌ ومدحٌ له عليه السلام. وفي الحديثِ الصحيحِ: “أكرمُ الناسِ يوسفُ نبيُّ اللهِ، ابنُ نبيِّ اللهِ، ابنِ نبيِّ اللهِ، ابنِ خليلِ اللهِ”.

– لغةُ العربِ ينبغي أن تُوَقَّرَ وتُعظَّمَ وتُغلَّبَ على سائرِ اللغاتِ: قال اللهُ: { ﴿إِنّا أَنزَلناهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعقِلونَ﴾ } [يوسف: ٢]. وللأسفِ فكثيرٌ مِنْ أهلِ زمانِنَا صاروا يتقلَّدُون لغةَ الأعاجمِ في كلامِهمْ على سبيلِ الافتخارِ والاعتزازِ أكثرَ مِنْ لغتِهم، فتراهم يتمسَّكونَ بألفاظِ: (بابا، ماما، هَلُو، أَنْكِل، باي)، وغيرِها، فَلْيُنْتَبَهْ لمِثْلِ هذه الألفاظِ، وَلْيُحْيِ المسلمون لغةَ القرآنِ ولغةَ النبيِّ ﷺ.

– أُطلِقَ على هذه السورةِ الكريمةِ أحسنُ القصصِ: لأنها حوَتْ عِبرًا ومواعظَ وحِكمًا لم تحْوِها سورةٌ غيرُها، وَإِنْ كان في غيرِها بعضُ ما فيها، ولأنها قَصصٌ حقٌّ ليستْ مِن وحيِ الخيالِ، وفيها دروسٌ عظيمةٌ يتعلَّمُها المسلمُ تزيدُه إيمانًا وقربةً.

– كثيرٌ مِنَ المسلمين اليومَ يهتَمُّونَ بقراءةِ الرواياتِ والقَصصِ الخياليةِ: وفي هذا تضييعٌ للوقتِ، ولو أنهم اغتنموا أيامَهم في تعلُّمِ قصةِ يوسفَ وغيرِها مِنْ قَصصِ الأنبياءِ والصالحين؛ لكان هذا أنفعَ لهم في دينِهم.

– مراعاةُ نفوسِ الناسِ عند الخطابِ: طلَبَ الصحابةُ رضي الله عنهم مِن رسولِ اللهِ ﷺ أنْ يُحدّثَهم ويقُصَّ عليهمْ، فأنزل اللهُ: {﴿نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ بِما أَوحَينا إِلَيكَ هذَا القُرآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ﴾ } [يوسف: ٣].
وقد صحَّ عنْ عليٍّ أنه قال: “حَدِّثُوا الناسَ بما يعرِفونَ، أَتُحِبُّونَ أنْ يُكذَّبَ اللهُ ورسولهُ”.
وعنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: «“ما أنتَ بِمُحَدِّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغُه عقولُهم، إلَّا كان لبعضِهم فتنةً”» .

– القرآنُ حمايةٌ للإنسانِ مِنَ الغفلةِ: قال اللهُ: {﴿وَإِن كُنتَ مِن قَبلِهِ لَمِنَ الغافِلينَ﴾ } [يوسف: ٣]، أيْ: مِنَ الغافلينَ عنْ قَصصِ السابقينَ وأحوالِ المُتَقدمين، وعنْ أحكامِ الدينِ، قال تعالى: {﴿وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا ما كُنتَ تَدري مَا الكِتابُ وَلَا الإيمانُ﴾} [الشورى: ٥٢].

– كان سجودُ الإنسانِ للإنسانِ سائغًا في شرعِ مَن قبلَنا: قال اللهُ سبحانه: {﴿إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ﴾} [يوسف: ٤].
وقال تعالى: { ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ﴾} [يوسف: ١٠٠].
وقال عز وجل: {﴿وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ﴾ } [البقرة: ٣٤]. قالوا: وهو سجودُ تحيةٍ، لكنَّه نُسخَ في شريعتِنا. فقدْ صحَّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لو كنتُ آمرًا أحدًا أنْ يسجدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لزوجِها؛ مِنْ عِظَمِ حقِّه عليها”.

– الرؤيا الصالحةُ جزءٌ مِنَ النبوةِ: فعن أبي هريرةَ، عن رسولِ اللهِ ﷺ قال: «“إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رؤيا المسلمِ تكذبُ، وأصدقُكُم رؤيا أصدقُكُم حديثًا، ورؤيا المسلمِ جزءٌ مِن خمسٍ وأربعين جزءًا مِنَ النبوةِ» …”.

– الذي يَرى رؤيا حسنةً عليه بأمورٍ:
١- أنْ يحمدَ اللهَ عليها. فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ، أنه سمِعَ النبيَّ ﷺ يقولُ: «“إذا رأى أحدُكُم رؤيا يُحبُّها، فإنما هيَ مِنَ اللهِ، فلْيَحمدِ اللهَ عليها، ولْيُحَدثْ بها، وإذا رأى غيرَ ذلك ممَّا يكرَهُ، فإنَّما هيَ مِنَ الشيطانِ، فلْيَسْتعذْ مِن شرِّها، ولَا يذْكرْهَا لأحدٍ؛ فإنها لا تَضُرُّهُ”» .
٢- أنْ يُحدِّثَ بها عالمًا مُشفقًا أوْ ناصحًا. قال يعقوبُ – عليه السلام – لابنِه يوسفَ عليه السلام: {﴿يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا﴾} [يوسف: ٥].
وعن أبي قتادةَ قال: «كنتُ لأرى الرؤيا تُمرِضُنِي، حتى سمعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: “الرؤيا الحسنةُ مِنَ اللهِ، فإذا رأى أحدُكُم ما يحبُّ، فلا يُحَدِّثْ به إلَّا مَنْ يحبُّ، وإذا رأى ما يكرَهُ، فَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنْ شرِّهَا ومِنْ شرِّ الشيطانِ، وَلْيَتْفلْ ثلاثًا، ولا يُحَدِّثْ بها أحدًا؛ فإنها لنْ تضرَّهُ» “.
وعنْ أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ «: “لا تَقُصَّ الرؤيا إلَّا على عالمٍ أوْ ناصحٍ”» .

– الذي يرى رؤيا يكرَههَا عليه بخمسةِ أمورٍ:
١- أنْ يتعوَّذَ باللهِ مِن شرِّها وشرِّ الشيطانِ.
٢- أن يتْفلَ عنْ يسارِه ثلاثًا.
٣- أنْ يتحوَّلَ عن جنبِه الذي كان عليه. وفي روايةٍ مِن حديثِ قتادةَ السابقِ: “وَلْيتحولْ عنْ جنبِهِ الذي كان عليه”.
٤- ألَّا يُحَدِّثَ بهَا أحدًا.
٥- أنْ يفزَعَ إلى الصلاةِ. فعنْ أبي هريرةَ، عنِ النبيِّ ﷺ قال: « “إذا اقتربَ الزمانُ لم تكدْ رؤيا المسلمِ تكذبُ، وأصدقُكُم رؤيا أصدقُكُم حديثًا. ورؤيا المسلمِ جزءٌ مِن خمسٍ وأربعين جزءًا مِنَ النبوةِ. والرؤيا ثلاثةٌ: فرؤيا الصالحةِ بُشرَى مِنَ اللهِ، ورؤيا تحزينٍ مِنَ الشيطانِ، ورؤيا ممَّا يُحَدِّثُ المرءُ نفسَهُ، فإنْ رأى أحدُكُم ما يكرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلا يُحدِّثْ بها الناسَ» “.

– إذا كان الشخصُ لَا يخشى حسدَ الحاسدينَ وكيدَ الكائدينَ، فيُستحبُّ له أنْ يُحَدِّثَ بِنِعمِ اللهِ عليهِ: لقولِهِ تعالى: {﴿وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾} [الضحى: ١١]. وأما إذا خَشِيَ حسدَ الحاسدينَ وكيدَ الكائدينَ؛ فلا يُحَدِّثْهُم بنِعَمِ اللهِ عليه؛ لقولِهِ تعالى: { ﴿يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا﴾} [يوسف: ٥].

– قدْ يتأخَّرُ تحقيقُ الرؤيا عدةَ سنواتٍ: فيوسفُ عليه السلام رأي رؤياهُ وهو صغيرٌ، وتحقَّقَتْ بعدَ سنواتٍ طويلةٍ مكثَهَا في بيتِ العزيزِ وهو عبدٌ مُسْتَرَقٌّ، وسنواتٍ مكثَها في السجنِ، ثم سبعِ سنواتٍ مكثَها وهو عزيزٌ لمصرَ، ثم دخلتْ عليه السنواتُ العجافُ فأتاه أبوه وإخوتُه فيها.
ورؤيا رسولِ اللهِ ﷺ التي ذكرها اللهُ في كتابِهِ الكريمِ بقولِه: {﴿لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسولَهُ الرُّؤيا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرامَ إِن شاءَ اللَّهُ آمِنينَ مُحَلِّقينَ رُءوسَكُم وَمُقَصِّرينَ﴾} [الفتح: ٢٧] – تحققتْ بعد زمنٍ مِن رؤيا النبيِّ ﷺ لهَا.

– يجوزُ التحذيرُ مِن شخصٍ بعينِه إذا كنتَ تعلمُ أنه يضرُّ غيرَهُ: فقدْ حذَّر يعقوبُ ولدَه يوسفَ عليهما السلام، فقالَ: ﴿يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا﴾ [يوسف: ٥]. وصحَّ عنِ النبيِّ ﷺ أنه قال: «“الدِّينُ النصيحةُ”» .

– المختارُ والـمُـصطفَى مَنِ اختارهُ اللهُ واصطفاهُ: قال اللهُ تعالى: {﴿وَكَذلِكَ يَجتَبيكَ رَبُّكَ﴾} [يوسف: ٦].
– المُعَلّمُ مَنْ علَّمَهُ اللهُ: قال اللهُ تعالى: { ﴿وَكَذلِكَ يَجتَبيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأويلِ الأَحاديثِ﴾} [يوسف: ٦].

– أعظمُ نعمةٍ أنعمَ اللهُ بهَا علَى إبراهيمَ وإسحاقَ نعمةُ النبوةِ: قال اللهُ تعالى: {﴿وَيُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكَ وَعَلى آلِ يَعقوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيكَ مِن قَبلُ إِبراهيمَ وَإِسحاقَ﴾ } [يوسف: ٦]. فتَعَلُّمُ العلمِ الشرعيِّ مِن أعظمِ النعمِ التي يُنعِمُ اللهُ بها عليكَ، وفي الحديثِ: “إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ”. فإذا وفَّقَك اللهُ لِتَعَلُّمِ علمٍ نافعٍ تعبدُ به ربَّك على بصيرةٍ؛ فاحْمَدِ اللهَ.

– يجوزُ إطلاقُ الأبِ على الجَدِّ والجدِّ البعيدِ: قال تعالى: {﴿كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيكَ مِن قَبلُ إِبراهيمَ وَإِسحاقَ﴾} [يوسف: ٦]، وقال: ﴿مِلَّةَ أَبيكُم إِبراهيمَ﴾ [الحج: ٧٨].

– اللهُ عليمٌ حكيمٌ: لماذا اختار اللهُ يوسفَ واجْتباهُ؟ ختم اللهُ الآياتِ بقولِهِ: {﴿إِنَّ رَبَّكَ عَليمٌ حَكيمٌ﴾} [يوسف: ٦]، فاللهُ عليمٌ بمنْ يستحقُّ الاجتباءَ والاختيارَ، قال تعالى: {﴿اللَّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالَتَهُ﴾} [الأنعام: ١٢٤]. وهو سبحانه حكيمٌ، يفعلُ كلَّ شيءٍ بحكمةٍ، حكيمٌ في تدبيرِه، يضعُ كلَّ شيءٍ في موضعِهِ.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء الهم والحزن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *