منذ حوالي ساعة
ومَن علم أن الشباب ضيف لا يعود وفرصة إذا مرت لا رجوع لها – شغله بطاعة الله، واستعان به على الصالح لدينه ودنياه،
فإن الشباب في كلِّ أمَّة عماد نهضتها وشرايينها التي تقوم عليها، وهم رجال المستقبل المنتظر، فهم العاملون بما يجب عليهم من واجبات لله رب العالمين، ثم لأمَّتهم وبلادهم والذود عنها وعن مقدساتها والتضحية بكلِّ غالٍ ونفيس في سبيل رخائها وسعادتها وعزها وكرامتها، ولا يكون الشباب كذلك إلا إذا تمسَّكوا بدينهم وأخلاقهم الإسلامية المستفادة من كتاب ربهم وسنَّة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم اللذين لن يضلَّ مَن تمسَّك بهما ولن يشقى، فإذا اتَّصف الشباب بهذه الصفة السامية حينئذ يحقُّ للأمَّة أن تعتزَّ وتفخر بهم.
وأحد السبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: شابٌّ نشأ في عبادة الله – تعالى – فإذا نشأ الشابُّ المسلم القوي المالك لأمر نفسه في طاعة الله واستعمَل جسمَه ورُوحه وماله وما أنعم الله به عليه في مرضاته – فقد استحقَّ من الله خير الجزاء، وكان محبوبًا في أهله وقومه ومواطنيه؛ لأنه يريد الخير ويفعله، وإن عجَز عنه دعا إليه ورغَّب فيه، وأثنى على فاعله، وإن عرضت له معصية وزيَّنها له الشيطان لم يَمنعه منها إلا دينه وخوف الله وما جبل عليه من طاعة الله والاشتغال بعبادته، وهو الذي يستطيع الجهاد في سبيل الله، وكسب المال من حلِّه، وبر والديه، وتربية أبنائه وصغار إخوانه، وخدمة بلاده ونفع أمَّته، فهو الجندي في الميدان، والتاجر في السوق، والفلاح في المزرعة، والطبيب في المستشفى، والعامل في المصنع، والعضو الصحيح في الجمعيات إذا دعي إلى الخير لبَّى، وإذا رأى الشر أو سمع به أزاله وحارَب أهله، وإذا فقد النصير ابتعد عنه وأنكره بقلبه ولسانه.
وما ظهر الدين وعرَف الناس شرائع النبيين إلا بفضل الشباب الصالحين الذين استجابوا لله والرسول، والتاريخ أصدقُ شاهدٍ بفضل الشباب الناشئين في طاعة الله؛ من أمثال علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وخالد بن الوليد، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عباس، ومحمد بن القاسم – رضِي الله عنهم – وأرضاهم – فهنيئًا لشابٍّ تقي تعلَّق قلبه بالمساجد ومجالس الخير وعمل الصالحات، واغتنم شبابه قبل هرمه، وصحته قبل سقمه، وغناه قبل فقره، وفراغه قبل شغله، وحياته قبل مماته.
ومَن علم أن الشباب ضيف لا يعود وفرصة إذا مرت لا رجوع لها – شغله بطاعة الله، واستعان به على الصالح لدينه ودنياه، ومَن أتبع نفسه هواها، وقاده الشيطان بزمام الشباب إلى الذنوب والمعاصي والمهالك – ندم حين لا ينفع الندم، وأكرم الناس نفسًا وأنداهم كفًّا وأطيبهم قلبًا وأرقهم عاطفة وأصدقهم عزمًا – هو الشابٌّ المؤمن التقي الذي يجلُّ الكبير ويحترمه، ويحنُّ على الصغير ويرحمه، لا تسمعه إلا مهنئًا أو معزيًا، أو مشجعًا أو مسليًّا أو مسلمًا، ولا تراه إلا هاشًّا باشًّا طلق الوجه مبتسمًا يحليه إيمانه بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويُبعِده دينه عن طيش الصغر وإصرار الكبر، وجديرٌ بشابٍّ هذا شأنه أن يظلَّه الله في ظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، وأن يكون آمِنًا إذا فزع الناس أجمعون، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فالشباب فرصة ثمينة لا تُعوَّض يجب اغتنامها فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه وآخرته، قال الشاعر:
وَإِنَّمَا غَنِيمَةُ الإِنْسَــــــــــانِ ** شَبَابُهُ وَالخُسْرُ فِي التَّـــــوَانِ
مَا أَحْسَنَ الطَّاعَاتِ لِلشُّبَّانِ ** فَاسْعَوْا لِتَقْوَى اللهِ يَا إِخْوَانِي
وَعَمِّرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِالطَّاعَــهْ ** وَالذِّكْرِ كُلَّ لَحْظَةٍ وَسَاعَـــــــهْ
وَمَنْ تَفُتْهُ سَاعَةٌ مِنْ عُمْرِهِ ** تَكُنْ عَلَيْهِ حَسْرَةً فِي قَبْــــــرِهِ
وَمَنْ يَكُنْ فَرَّطَ فِي شَبَابِـهِ ** حَتَّى مَضَى عَجِبْتُ مِنْ تَبَابِـهِ
وَيَا سَعَادَةَ امْرِئٍ قَضَـــــاهُ ** فِي عَمَلٍ يُرْضِي بِهِ مَـــــــوْلاَهُ
أَحَبَّ رَبِّي طَاعَةَ الشُّبَّـــانِ ** يَا فَوْزَهُمْ بِجَنَّةِ الرِّضْــــــــوَانِ
ولا يمكن للأمَّة أن تتقدَّم إلا إذا تكاتف شبابها وتعاونوا فيما بينهم على ما يحقق وحدتهم ورقيَّهم وسعادتهم {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وتسلَّحوا بالعلم والمعرفة، وعملوا بما أمرهم الله به ورسوله، وانتهوا عمَّا نهاهم الله عنه ورسوله، فإن السعادة كلها في طاعة الله ورسوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].
والشقاوة كلها في معصية الله ورسوله {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، والطاعة لله ورسوله تتمثَّل بالعمل بما يأتي:
1- إخلاص الدين لله وحده لا شريك له في القول والاعتقاد والعمل، والحب والبغض، والفعل والترك {قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
2- العناية بالقرآن الكريم تلاوة وحفظًا وتدبرًا وتفسيرًا وعملًا، فهو خير كتاب أُنزِل على أشرف رسول إلى خير أمَّة أُخرِجت للناس بأفضل الشرائع وأسمحها وأسماها وأكملها؛ كما قال – تعالى -: {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3].
وفي الحديث الصحيح: «خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه»[1].
3- العناية بالسنَّة المطهَّرة والسيرة النبوية، فلنا فيهما عِظَة وعبرة، ولنا فيهما قدوة حسنة لِمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»[2].
4- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في حق الرجل، فهي عماد الدين، والصلة برب العالمين، والفارقة بين الإسلام والكفر.
5- حفظ الأوقات فيما ينفع؛ مثل: تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الكتب النافعة، وزيارة الأحباب لله وفي الله، وصونها عمَّا يضر في الملاعب والملاهي، ثم مراقبة الله – تعالى – في المتجر والمصنع والمزرعة والوظيفة، وفي جميع المجالات والأزمنة والأمكنة؛ فإن الله يراك ويسمعك ويعلم ما يكنُّه ضميرك، وأنت مسؤول عن وقتك في أيِّ شيء قضيته، والأوقات محدودة والأنفاس معدودة، فاغتنم حياتك النفيسة، واحتفظ بأوقاتك العزيزة، فلا تضيعها بغير عمل، ولا تفرط بساعات عمرك الذاهب بغير عوض، فإنك محاسَب عليها ومسؤول عنها، ومجازى على ما عملت فيها.
6- اختيار الأصحاب الصالحين والجلساء الناصحين الذين عرفوا الحق واتبعوه والباطل واجتنبوه، والمرء معتبر بقرينه، وسوف يكون على دين خليله فلينظر مَن يخالل، وأنت مع مَن أحببت يوم القيامة، ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم قال حكيم: نبئني مَن تصاحب أنبئك مَن أنت، وقال الشاعر:
وَاخْتَرْ مِنَ الأَصْحَابِ كُلَّ مُرْشِدِ ** إِنَّ القَرِينَ بِالقَرِينِ يَقْتَدِي
وقال:
إِذَا مَا صَحِبْتَ القَوْمَ فَاصْحَبْ خِيَارَهُمْ ** وَلَا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
7- العمل بشرائع الإسلام الظاهرة والباطنة، القولية والاعتقادية والعملية، وفي مقدمة ذلك الإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان بالبعث والجزاء، والثواب والعقاب، والجنة والنار، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله بمعرفة معناها، والعمل بمقتضاها، والقيام بشروطها ولوازمها، وإقامة الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، في حقِّ الرجل، وإيتاء زكاة الأموال إلى مستحقِّيها والحفاظ على صوم رمضان وحج بيت الله الحرام، وجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وبر الوالدين وطاعتهم في غير معصية الله، وصلة الأقارب والإحسان إليهم، والإحسان إلى الجيران وعدم أذيَّتهم، ومحبة مَن أطاع الله وبغض مَن عصاه وموالاة مَن والاه ومعاداة مَن عاداه.
وذلك أوثق عُرَى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله، والبعد عمَّا حرمه الله ورسوله من المطاعم والمشارب والملابس والملاهي المحرَّمة، وعدم تشبُّه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، وعدم التشبُّه بالكفار في السلام واللباس، وغير ذلك ممَّا هو مختصٌّ بهم.
وعلى العموم التمسُّك بفعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات القولية والعملية، فإن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، والحلال ما أحلَّه الله ورسوله، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله: {فَليَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقد أحلَّ الله لنا الطيبات النافعة، وخلق لنا ما في الأرض جميعًا لنستفيد منه وننتفع به، وحرَّم علينا الخبائث الضارة لأجسامنا وصحتنا وعقولنا وأموالنا؛ رحمة بنا وإحسانًا إلينا؛ قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، فلله الحمد والشكر والثناء زنَة عرشه، ورضا نفسه، وعدد خلقه، ومداد كلماته، أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تحية للشباب المسلم:
قال الشاعر:
أُهْدِي الشَّبَابَ تَحِيَّةَ الإِكْبَــارِ ** هُمْ كَنْزُنَا الغَالِي وَذُخْرُ الــــــدَّارِ
مَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ** إِلاَّ شَبَابًا شَامِخَ الأَفْكَـــــــــــــارِ
أَشَبَابَ دِينِي يَا حُصُونًا لِلْعُلاَ ** أُهْدِيكِ حُسْنَ الحُبِّ فِي أَشْعَارِ
مَنْ يَجْعَلِ الإِيمَانَ رَائِدَهُ يَفُزْ ** بِكَرَامَةِ الدُّنْيَا وَعُقْبَى الـــــــدَّارِ
[1] رواه البخاري.
[2] قال النووي: حديث حسن صحيح رويناه في كتاب “الحجة” بإسناد صحيح.
Source link