الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
لقد حثنا الإسلام على طلب العلم في نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: { (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)} [1]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[2]. وكرم الله تعالى العلماء ورفع مقامهم. ولا شك أن المتعلم أكثر إيمانا وخشية لله من الجاهل؛ لأن العلم يورث معرفة الله والخوف منه. ودليل ذلك قوله تعالى: {(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)} [3]. فالجاهل بالدين كيف سيقوي إيمانه ويتعلم كيف يعبد الله ويتعلم الفروض والواجبات الدينية ليفعلها، ويتعلم المنهيات والمنكرات الدينية ليجتنبها؟! وقد بين صلى الله عليه وسلم علو فضل العالم على العابد في قوله: ( «فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» )[4]. والعلم نور ونماء وقوة. والتعليم حق لكل إنسان. فلا ينبغي أن يُحرَم منه أحد. وعلى الوالدين الحرص على تعليم أبنائهم ما استطاعوا. والتعليم ليس للبنين دون البنات؛ فهن أيضا لهن حق فيه. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بتعليم أهل بيته بما فيهم النساء. قال تعالى: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)} [5]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)[6]. وكان في الماضي التعليم مقتصر على الأولاد دون البنات اللاتي حُرِمن منه لفترة طويلة. وكان في هذا ظلم كبير لهن؛ حيث يحرمن من هداية العلم الذي تُستنار به الحياة وسراديبها المظلمة.
وتعليم المرأة أمر مهم جداً للأمة الإسلامية ونعمة كبيرة. لأن جهلها يجر فساداً وخسارة كبيرا عليها. فهي تشكل نصف المجتمع، وهذه نسبة كبيرة منه. كما أنها مربية الاجيال التي يقضي معها الأبناء جل وقتهم مرورا بالطفولة ثم المراهقة إلى الشباب. وهي التي تربيهم وتغرس الأُساسيات في أخلاقهم ومعارفهم. فهي بمثابة المربي والمعلم الأول الذي هو الأهم في حياة أي تلميذ. لأنه من يوقد الشرارة الأولى في شعلة التعليم. ولو فسد كبريتها لخبت الشعلة ولم تتقد. ولذا كان لابد لأي أمة تريد التقدم أن تهتم بتعليم المرأة. وقد أصاب الشاعر حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها ***** أعددت شعبا طيب الأعراق[7]
وتعليم المرأة أمر حساس ويتطلب تهيئ الجو المناسب والآمن لها لتتمكن من حضور المدرسة دون أن تتعرض للأذى. ولذا يُفضَّل أن تنشأ مدارس ودور خاصة بالطالبات؛ حتى تسير عملية التعليم بسلام دون أن يتعرضن للمضايقة أو الفتنة أو تثار حولهن البلبلة. ووجود هذه مدارس نعمة كبيرة لهن وللمجتمع. ففيها تجد الطالبة المناخ المناسب لتعليمها ورقيها فكريا، وتجد زميلات ورفيقات لها كما تجد المتنفس الأمن الذي لا تتأذى فيه. وفيها تستنير بنور العلم وتتفتح بصيرتها وتصبح فردا منتج وأكثر إفادة للمجتمع، وذلك دون أن تتضرر أو تتأذي من البيئة خارج البيت.
ومن المؤسف ظهور وانتشار المدارس المختلطة في الوطن العربي. وهي ظاهرة دخيلة على المسلمين. فقد كان في الماضي المدارس منفصلة في العادة ولا يوجد مجال لاختلاط الطلبة والطالبات. ولذا كان التعليم أكثر جدية وأمانا. وكان مستوى التحصيل الأكاديمي أفضل وأقوى؛ لأن التلاميذ كانوا يذهبون للمدارس لأجل تحصيل العلم لا غير. وأما بعد دخول المدارس المختلطة أصبح الطلبة والطالبات يتقابلون ويتبادلون الأحاديث. فنتج من ذلك التقليل من تركيز الطلبة على الدراسة، وتغليب جيل من اللاعبين من المراهقين والمراهقات. وأزيح التعليم جانبا وأصبح يتنافس مع أمور أخرى تشغل أذهان الطلبة. وانتشر الاختلاط ونتج منه كثير من العلاقات غير الشرعية بين الجنسين؛ وعمت بذلك الفوضى والضياع كما هبط المستوى الأكاديمي والاخلاقي للطلبة. وقد سُئِل مواطن أمريكي عن رأيه في فصل المدارس فأجاب بعفوية: (less unwanted pregnancies). أي “تقليل للحمل غير المرغوب به”. وهذه قصة حقيقة وليست فكاهة. فهل هناك بعد ذلك قول؟! إن كلماته البسيطة تلك عبرت بكل وضوح عن ماهية المشكلة الأكبر في التعليم المختلط، ألا وهي العلاقات غير الشرعية بين الطلبة وما ينتج عنها من زنا وحمل سفاح وما يتبعه من دمار للمجتمع المسلم وتفكك الروابط الأسرية؛ حيث يتفرق هؤلاء التلاميذ عادة بمجرد حدوث الحمل دون زواج ولا رباط أسري. وذلك لأنهم ليسوا على قدر كاف من المسئولية، وليس لهم دخل مالي ليعيشهم، ولا إدراك أو خبرة توجههم لعواقب الأمور. بل علاقتهم تلك ليست إلا نزوات مراهقة عابرة للترفيه والتسلية فحسب. فصار على ابن الزنا العيش دون أب أو أم بسبب تلك المدارس المختلطة. وأثَّر ذلك سلبا على المجتمع المسلم وعلى أمنه وسلامته وعلى مسيرة التعليم. فأي خير سيجنيه المجتمع من ذلك؟! إن هذا كله شر وهتك لأعراض تلك الفتيات الصغيرات البريئات وتدنيس لشرف أسرهن اللاتي هي في الأصل أسر مسلمة محافظة. وهذا بالإضافة إلى المنكرات الأخرى التي تصحب التعليم المختلط عادة مثل انتشار إدمان المخدرات بين الطلبة وانحراف وتبذل الاخلاقيات وضياع الأدب بين ذلك.
وكثير من المؤسسات التعليمية تلجأ إلى التعليم المختلط لتقليل التكلفة المادية وذلك بأنشاء مدرسة واحدة للبنين والبنات معا بدلا من إنشاء مدرستين. ورغم ذلك نجده لا يوفر شيء يُذكَر. حيث عدد الطلبة الذين يمكن استيعابهم يظل كما هو. بل ربما تتمكن المدرسة المنفصلة من استيعاب عدد أكبر من الطلبة. فمثلا يمكن اجلاس أربع طالبات على التخت الواحد بدلا من ثلاث لكونهم من جنس واحد. بعكس لو كان الطلبة من جنسين مختلفين فيصعب التوفير في المساحة المطلوبة للجلوس. إذ كل طالب لابد له من مساحة معينة وتكون أكبر من المساحة المطلوبة لنفس العدد من الطلبة من نفس الجنس.
وأما بالنسبة للأداء الأكاديمي فقد أثبت الواقع أن المدارس المنفصلة أعلى مستوى وتحصيل من المدارس المختلطة. ودليل ذلك ما نراه في تفوق مدارس البنات المسيحية الخاصة في أمريكا وارتفاع مستواها. وذلك لعدم وجود ما يشغل الطالبات عن التحصيل الدراسي. حتى أن الأسر الأمريكية المحافظة تدفع رسومها العالية لأجل التحصيل الأكاديمي وحفظ بناتهم. والاختلاط تنتج عنه تلك العلاقات الضارة في وقت حرج من حياة الطلبة؛ وهي فترة المراهقة. فتشغل أذهانهم وتلهيهم عن واجباتهم ودروسهم المدرسية مما يضير بمستواهم الأكاديمي ويجعلهم يتعلقون بأوهام بدلا من الحقائق. فتجد الطالب من هؤلاء أصبح لا يكترث بشيء سوى بمحبوبه من الجنس الآخر. وهؤلاء النشء حديثي السن وليسوا في مرحلة نضج كاف يمكنهم من معرفة ما يصلح لهم. كما أن معظمهم مراهقين لم يكتمل تكوين شخصياتهم ويستقر على حال بعد. وتبعا لذلك فإن مشاعرهم أيضا لم تنضج وتتمكن. فحب المراهق عادة ليس بثابت وسرعان ما يزول عندما ينتقل لمرحلة الشباب. وذلك لحداثة سنه وعدم إدراكه لعواقب الأمور ووجوهها المختلفة. فهو انسان غير مكتمل النضج بعد. ولذا كثيرا ما يندم الإنسان على قرارات أخذها في مرحلة المراهقة. تلك المرحلة التي تعتريها كثير من العواصف النفسية التي يمكن أن تؤثر سلبا على الإنسان إن لم يتعامل معها بحكمة وصبر. ولذا يحتاج هؤلاء المراهقين الدعم من والديهم والوقوف معهم في هذه الأوقات والاستماع إليهم وتفهم مشاعرهم واحتياجاتهم النفسية والعاطفية. فهم في مرحلة صعبة ومملوءة بالتقلبات النفسية والتغييرات الجسدية والفكرية التي تنقلهم من الطفولة إلى الشباب. ويلجأ المراهقون عادة لهذه للعلاقات العاطفية عندما لا يجدون في بيوتهم من يملأ هذا الفراغ العاطفي لديهم ويستمع لهم ويعاملهم بدفء وحنان. ولذا تحدث عادة عند عمل الوالدين وانشغالهم عن أبنائهم.
وفصل المدارس قد يساعد على تنظيم عملية وضع وتدريس المناهج التعليمية وتطبيقاتها. فهناك بعض المواد تناسب البنين دون البنات وكذلك العكس. وهذا قد يكون مفيد في المدارس الخاصة التي لديها شيء من المرونة والحرية في أنواع المناهج. ففي بعض البلدان مثل أمريكا تفرض الوزارة المادة العامة بينما تعطي المدارس حرية اختيار الكتاب. فيكون هناك نوع من المرونة في اختيار المناهج.
كما أن فصل التعليم يوفر جو مريح لكل من الطلبة والطالبات. فلا شك أن طباع الأولاد تختلف عن طباع البنات. وكل من الفريقين له عادات وسلوكيات تختلف عن الآخر. فمثلا تجد أصوات الطلبة عالية ويميلون للألعاب التي تناسبهم أكثر مثل كرة القدم في ونحوها. بينما مدارس البنات تكون عادة أكثر هدوء. كما أن الطالبات يملن للألعاب التي تناسبهم مثل الكرة الطائرة ونحوها.
وهذه الراحة والخصوصية لا تختص بالطلبة والطالبات فقط؛ بل تمتد للمعلمين والمعلمات أيضا. حيث يكون هناك جو من الاسترخاء وعدم التكلف في المدرسة عند فصل الجنسين. وفي مدارس البنات يفضل تعيين معلمات فقط، وفي مدارس البنين يفضل تعيين معلمين فقط. فذلك أريح للطلبة والمعلمين في نفس الوقت.
وفصل التعليم كذلك قد يساعد على تصميم المدارس والدور التعليمية بطرق معينة. فمثلا مدرسة البنات تكون مناسبة لاحتياجاتهن، بتوفير استراحة الطالبات التي توجد في بعض المؤسسات التعليمية. وكذلك عمل تصميم يساعد على حفظ خصوصيات الطالبات مثل توفير ستائر أو مظلات وفصول أقل انفتاحا ونحوها. بينما مدارس البنين تكون أقل خصوصية وبها بها ملاعب كرة القدم ونحوها.
وهذه ملاحظات بسيطة عن التعليم المختلط والذي أفسد على الناس حياتهم. ولا شك أن هناك المزيد منها. وليت المسؤولين ينتبهوا لخطورة هذه المدارس ويعملوا على تصحيح هذا الوضع. وليت ولاة الأمر يحذروا من شرور هذه المدارس وما جرته من بلاء ومشاكل، ليس في مجتمعات المسلمين فحسب؛ بل حتى أصحاب الملل الأخرى يعانون منها.
وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يوقظ الأمة لتعير اهتمامها لحل هذه المشكلة والإسراع بفصل التعليم في المدارس. وذلك حفاظا على مجتمعاتنا من الرذيلة وحماية لأبنائنا وبناتنا من الفتن. وسيدر ذلك البركة في الإمكانيات ويتكفل الله بما هو خير بإذن الله. قال صلى الله عليه وسلم: ( «من تركَ شيئًا للهِ، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه» )[8]. والتغيير الجذري يحتاج دعم من رؤساء الدول وحكوماتها وشعبها يد بيد. ولذا على الآباء الأمهات مناشدتهم بفصل التعليم وطلب دعمهم في تحقيق ذلك. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصادر والمراجع:
Source link