منذ حوالي ساعة
من الضرورة أن يتلمس الإعلامي المسلم نقاط القوة في الطرح، فيستحضرها في كل وقت وحين، ويظل يبرق بها إلى أذهان الناس لكيلا ينسوها…”
لكل إنسان مهما تناهى ضعفه نقطة قوة فأكثر، كما أن لكل قوي مهما تناهت قوته نقطة ضعف فأكثر، وما بين هذا وذاك تتنوع نقاط القوة والضعف.
وفي رحاب الإعلام، من الضرورة أن يتلمس الإعلامي المسلم نقاط القوة في الطرح، فيستحضرها في كل وقت وحين، ويظل يبرق بها إلى أذهان الناس لكيلا ينسوها، فقوة الإنسان، وقوة الاتجاه والتجمع، تكمن في رسم صورة واضحة عن إشراقاتها وإنجازاتها في أذهان الناس، الأمر الذي يشكل قاعدة ذهنية عند الناس لتقبل ما يقال من هذا الاتجاه.
ولأن فلسطين وعلى مدار القرون قد شهدت من الأحداث العظام التي سطرها أهل الملّة المحمدية، ورجال المواقف من العلماء والدعاة والشهداء والأسرى والقادة الذين هم عبارة عن محطات مضيئة في تاريخ شعبنا، والبطولات التي سجلها هؤلاء وغيرهم بمثابة منارة لكل شعوب الأرض التي تنظر لها بإكبار وافتخار، وتحترم الشعب الفلسطيني لأجلها، ولأجل ما سمعه ويسمعه العالم من صفحات مشرقة من الثبات والشهادة والانتصارات برغم عدم تكافؤ العدد والعدة مع العدو المغتصب.
من هنا، فإن من المعيب على من يمثل هذا الشعب أو ينطق باسمه أن يتغاضى عن هذه الإشراقات الحقيقية في غمرة التبريرات والانشغال بالمستجدات والقضايا الأخرى.
فالمتحدث كائناً من كان جزء من هذه الأمة، وحرف في هذه القصيدة الطويلة، ولن يمثل شيئاً أمام العالم إذا انسلخ من هذه الصورة الكلية، وسيزيد من احترام العالم له، والمجتمع المضحي قبل ذلك، إذا ما طرح نفسه كجزء من تاريخ أمة مشرق، وكممثل لشعب كامل يتجه إلى العزة بعد شلالات الدماء وعذابات الأسرى غير المنتهية.
ولذلك.. فإن من جوانب قوة المتحدث، وتأثيره في المشاهدين والخصوم على حد سواء، أن يسوق قبل كلماته وإجاباته أو بعدها أو خلالها بعضاً من صور القوة في من يمثل، وأن يستحضر البطولات التي خطها أبناء شعبنا – وما أكثرها – حتى يأسر ألباب السامعين، ويقدم لهم نفسه بصورة أقوى، حتى ولو كان هذا اللقاء هو أول لقاء إعلامي له في حياته.
فلو تخيلت شخصاً يظهر على وسائل الإعلام المختلفة، ويتصدر الحديث الإعلامي باسم تجمع ما، وبدأ بإجابة التساؤلات بروتينية معهودة معروفة، وشخصاً آخر يربط كل سؤال بماضٍ، وكل طرحٍ بنقطة قوة محسوبة ضمناً لصالحه، فأي الفريقين سيعطي في نفس السامع والمشاهد أثراً أكبر؟.
إن ذكر المتحدث لجوانب من قوة التيار الذي يمثله يشد ضمناً المتابع ليعيش في ظلال كلماته وأطروحاته، فالضعيف غير ذي بال عند العامة والخاصة، ولو صرخ بأعلى صوته يكون عبثاً قد حاول، ولا يستوي عند الناس من كان يتحدث باسم قوة ما مع من كان يمثل قطاعاً هامشياً، أو لا يحمل مسمى كبيراً يشد السامع ويؤثر فيه، فالناس ليست أمية جاهلة، وتعرف مقادير التوجهات والجماعات، وتستطيع التمييز بين القوي والضعيف وبين المتمكن والمتدرب.
ومن نقاط القوة التي ينبغي التشديد عليها أن يتم تذكير الناس بأن هذا الشعب الصابر المجاهد يخوض معاركه الأسطورية على أرض يملك الاحتلال هواءها وترابها، وله آلة باطشة، وجبروته وعنجهيته لا يمكن إغفالها، وهذا الصمود الذي استمر على مدار سنوات طويلة ينم عن قدرة هذا الشعب وتوجهه إلى الحرية، وطموحه نحو التخلص من أغلال الاحتلال.
ومنها كذلك.. أن يتم ذكر قوافل الشهداء، وعلى رأسهم قادة الشهداء الذين تحرك العالم لاستشهادهم أو لاغتيالهم، فهم رموز لأمة الإسلام لا لفلسطين وحدها، وهذا يعني بالضرورة أن تكسب السبق عند الناس لكونك تحمل فكرة يعظمها الناس وينظرون إليها بإجلال واحترام.
وقل مثل ذلك عن مئات آلاف الأسرى، وعذابات أهاليهم الصابرين، وعن نجاحات المقاومة سياسياًّ واجتماعياًّ وعسكرياًّ ومادياّ، وعن قوة هذا الشعب في الملمات، وتوحده في الشدائد، فهذه نقاط حقيقية في مسارات الشعوب يترجمها شعبنا بكل اصطبار.
والتذكير بمحطات القوة هذه، إحياء يومي للقضية في نفوس وعقول العالم العربي والإسلامي، ألم تر أن الإعلام الغربي يركز على معنى ومصطلح ومفهوم ” الإرهاب ” فيعيده عبر وسائل الإعلام مئات المرات يومياًّ، إنه أسلوب تكرار الأمر حتى يعتاد عليه الناس، وتذكير الناس بالمعلومات لتظل ماثلة أمامهم في كل أمر، وأمام أي تفكير مستقبلي.
ودور المتحدث المسلم أن يستنهض الهمم، ويركز على الأمل، ويدعم مسار النجاح في شعبه، ولا أرى أن ذلك يتم بشكل كامل دون ذكر محاور القوة التي تم ذكر بعضها آنفاً وتكرارها وترديدها في كل محفل.
انظر كيف ركز العدو الصهيوني على مزاعم، وبطولات مكذوبة، وقصص خرافية، وتواريخ وأحداث لم يعرفها الزمان ولا المكان، ظل يتغنى بها، ويرددها ذكراً ونشراً، حتى اقتنع بها الغرب، وصارت جزءاً من تركيبته العقلية، حتى صرنا نجد أن من يشتم المسيح في العالم النصراني لا يعاقبه القانون، أما من ينكر المحرقة اليهودية مثلاً فجزاؤه الحبس والغرامة والتهديد!!.
أليس هذا من نتائج الماكينة الإعلامية التي لا تكاد تكل ولا تمل وهي تصنع الخرافات وتزور الوقائع؟! فما بالنا نتراخى ونحن نصنع التاريخ أمام عدسات الكاميرات، وبصدق لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
إنها لحالة تستوجب من كل من يتصدى لوسائل الإعلام أن يجعلها بشكل متجدد وحيوي جزءاً من أي رسالة يريد إرسالها إلى العالم، بأجناسه ولغاته وألوانه.
سرقة اللحظات الإعلامية الكبرى:
أعتذر عن استخدامي لمصطلح “سرقة” الذي أظن أن الجميع سيخالفني فيه وفي موضعه، ولكنني إنما وضعته لجذب انتباه الإعلامي إلى مدلوله.
المسلم لا يسرق.. هذا معلوم من الدين بالضرورة، والمسلم طبيباً أو مهندساً كان أو إعلامياًّ ليس له أن يسرق، فلماذا أتيت بمصطلح “السرقة”؟ وماذا أعني بالعنوان؟
أنت تعلم أن الوجود على إحدى الفضائيات العالمية مثلاً يعتبر حدثاً كبيراً ذا مدلول عظيم، وتعلم كذلك أن ضيوف المحطات الإخبارية العالمية الكبرى يتواجدون عليها لدقائق قليلة فقط، وما بين هذا المدلول العظيم وهذه الدقائق القليلة المتاحة أردت أن أوجه الإعلامي المسلم إلى حقيقة إعلامية مهمة، ولها آثارها على الرأي العام في مثل هذه المواقف الإعلامية الكبرى التي أخصص الحديث عنها هنا وليس عن سواها من وسائل الإعلام.
عندما تدعى للظهور على محطة ” CNN ” أو ” رويترز ” مثلاً، أو على الفضائيات العربية الكبرى ذوات الانتشار الكبير، مثل الجزيرة والعربية وغيرهما، فهذا أمر كبير، وحدث مميز له دلالاته وآثاره، ولكن التجربة والخبرة تحكمان بأن هذا الوجود إنما هو لحدث معين، أو لتناول مسألة جزئية أو عمومية بعينها، دعيت لأجلها، وعليها ستتركز الأسئلة ومجريات الحوار.
وأمام هذا الفهم لطبيعة وجودك على هذا المنبر الإعلامي العالمي ومعرفتك بدلالاته، فإني أدعوك إلى اختزال جزء من الدقيقة فقط من أجل تحقيق أمر ما.
هذا الاختزال – رغم معرفتي بأهمية عنصر الزمن – قد يعطيك ثمرة مضاعفة لما تريده، وذلك من خلال ملء هذا الوقت القصير زمنياًّ برسائل محددة خارجة عن نطاق الموضوع، ومن هنا سميتها سرقة!!.
أنت مدعو للحديث عن مجزرة بشعة ويراد منك تصريح حولها وبيان لموقفك، خذ لحظات معدودة، وقل مثلاً: ” بداية أهنئ الأمة الإسلامية بعيد الفطر وإن جاء دامياً هذا العام ” أو ” اسمحوا لي ونحن في ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي يصادف اليوم أن أقول…” أو “السلام على ساداتنا الشهداء وساداتنا الأسرى ” أو ” أود أن أبدأ بتحية شعبنا الصابر المجاهد في الوطن والشتات… ” ونحوها الكثير الكثير.
إن هذه الكلمات البسيطة التي قمت بإدراجها عنوة على مجريات حدث إعلامي لم يخصص أصلاً لها يحمل من الدلالات ما يضج لهوله العقل، فأنت بما نسبته 5% من الدقيقة ذكرت العالم بمناسبة، أو أحييت ذكرى، أو تواصلت مع قطاع ما، أو أبرزت حدثاً ما، وهذه الأمور العظيمة بهذا الوقت القصير جداّ يترك الأثر نفسه لو أنك تحدثت في هذا الموضوع القصير نصف ساعة، فتذكيرك به تذكيراً فقط واستفاضتك فيه سواء.
وهذا الأمر يتطلب من الإعلامي المسلم أن يكون فطناً يقظاً، عالماً بتواريخ الأحداث والمناسبات التي تخص شعبه وقضيته، ليستثمرها، وليضعها في موضعها الصحيح بعد أن وجه الإعلام الغربي والمعادي سهام حقده لطمس الأمور وتجاوز الحقائق وقلب المفاهيم، وهذا دورك كإعلامي مسلم من حيث الأصل، فأنت تمثل أمتك، وتحمل هم قضيتك، وتسير بين الخلق برؤية إسلامية قرآنية سامية، وليس معنى وجودك القصير في موقع ما أن تختلط عليك الأمور، أو تتبدل لديك التوجهات، فأنت في كل مقام وأمام أي جهة تمثل فكرة واحدة، وعليك ترجمتها بأسلوب يناسب المقام.
______________________________________________
الكاتب: د. نزار نبيل أبو منشار
Source link