منذ حوالي ساعة
أيها الأخوة في الله، إن وقفة مع أسباب هذا المرض تجعلنا نعرف من أين أُوتينا؟ ومن أين دخل علينا هذا البلاء “الهزيمة النفسية”؟.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً إنك أنت العليم الحكيم، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً.
أيها الأخوة الكرام، ها نحن معكم في درس آخر من دروس مداواة النفوس، كيف نعالج أنفسنا، ونقيمها على طاعة الله؟ كيف نهذب أخلاقنا ونقوم سلوكنا على ما يرضي الله؟.
في هذا الدرس نقف مع مرض من أمراض النفوس، يسعى – كثيراً – الشيطان في أن يذكيه في نفس الإنسان؛ لأنه إن استطاع ذاك، فقد استطاع أن ينتصر على هذا الإنسان، مع أن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء: 76]، لكن الشيطان يستخدم مثل هذه الأسلحة والأمراض، من أجل أن يضعف الإنسان أكثر، فيتقوى عليه بكيده الضعيف.
تعريف المرض:
أيها الكرام، إن حديثنا في هذا الدرس سينصب على مرض الهزيمة النفسية، وهو مرض خطير؛ لأنه يجر إلى أمراض وآفات. والهزيمة النفسية: هي احتقار النفس واستذلالها وتصغير شأنها أمام أعدائها، فيستذل الإنسان نفسه أمام الشيطان، فيعجز عن ترك المعصية – كما يقول – ولا يستطيع أن يفارقها، ولا يستطيع أن يفعل الطاعة، ولا يستطيع أن ينتصر على نفسه، فينهزم أمام الشيطان بهذه الهزيمة النفسية، يقول: لا أستطيع أن أترك الدخان – مثلاً -، لا أستطيع أن أقوم لصلاة الفجر – مثلاً -، لا أستطيع أن أترك كذا، وهو في هذا مخطئ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما أمره إلا بما يستطيع و {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، لكنها الهزيمة النفسية.
قد ينهزم أيضاً أمام نفسه الأمارة بالسوء، فيعجز أمام هذه النفس أن يربيها ويهذب أخلاقها عجزاً نفسياً، فيقول: لا أستطيع أن أهذّب خلقي، لا أستطيع أن أغير طبعي، حاولت كم مرة أن أكتسب بعض الأخلاق، وأترك بعض الأخلاق، فعجزت، فينهزم ويستسلم لنفسه السيئة التي تدعوه من خلق سيء إلى آخر.
ينهزم أمام الدنيا، وهذه أعدائه الثلاثة: الشيطان، والنفس، والدنيا، فينهزم أمامها، ينهزم أمام لذائذها وشهواتها وغفلاتها، ويزعم أنه لا يستطيع أن يُفارق هذه الأشياء، وأن يترك هذه الملذات أو اللذائذ، أو الراحة، أو الكسل، والحقيقة أنه مهزوم نفسياً، وإلا فهو قادر لو أنه أخذ بأسباب العلاج.
ينهزم أمام أعداء الدين، فيقول: أنا لا أستطيع أن أواجههم، لا نستطيع – نحن أهل الخير – أن ننتصر على أهل الشر، هم عندهم أموال، هم عندهم مناصب، هم عندهم تسلط على الناس، هم وهم وهم.. ويضخم مؤامراتهم ومؤتمراتهم وخططهم، مع أن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]، لكنه – للأسف – ضخّمهم كثيراً، فانهزم نفسياً أمامهم، هذه الهزائم المتتابعة أمام نفسه الأمارة بالسوء، وأمام الشيطان، وأمام الدنيا، وأمام عدو الدين؛ جعلته يظن أنه لا يستطيع أن يفعل الخير، أو يدعو إلى الخير، ولو كان هذا الخير يسيراً، أو بسيطاً، فانهزم هزيمة نفسية.
مظاهر المرض:
أيها الأخوة، هذا مرض يُبتلى به كثير من الناس، وخاصة إذا رأيت إلى صوره المتعددة التي قد تظهر في الناس.
من مظاهر هذا المرض: الاستسلام للأهواء؛ فيستسلم للمعاصي، ويستمر على الخطأ والذنوب، بحجة أنه لا يستطيع أن ينتصر على نفسه وعلى الشيطان.
من مظاهر هذا المرض: اعتزال المجتمع والقعود عن نصرة الدين، بل وعن الاستقامة فلا يدعو إلى الله، ولا يقوم بأمر الله، بحجة أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً في مواجهة خطط أعداء الدين، بل أشد من ذلك أن يصل به هذا المرض إلى التثبيط؛ فيخذّل الصالحين، ويخذّل الدعاة إلى الله، وينقل لهم هذا المرض ويُعديهم به، ويقول لهم: ماذا ستفعلون تجاه هذه الأشياء كلها؟ الناس غارقون في الشهوات، والأعداء متربصون بالأمة من كل مكان و و.. ويكبر لهم، ويضخم هذه المسائل.
أيها الأخوة، هذا مرض، ومرض مستشري، العاصي يزعم أنه لا يستطيع أن يترك معصيته، وهي هزيمة نفسية أمام نفسه، والداعية يزعم أنه عاجز عن مواجهة أعداءه بالحق، وصاحب هذا المرض قد ينهزم نفسياً ويلتجئ إلى أهل الباطل، كالكهنة والسحرة، ويترك سبيل الحق، وسبيل الهداية والشفاء الحقيقي، وصور هذا في الناس كثيرة.
ذم هذا المرض:
لتفهم أولاً أن هذا مرض، بعد أن عرفت – أخي في الله – مظاهره وصوره، وعرفت أنك قد تُبتلى به، افهم أن هذا مرض، يجب أن يعالج، وكونك تفهم أن هذا مرض هذا أول خطوات العلاج، نعم مرض؛ لأن الله يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، نهانا الله عز وجل أن نحتقر أنفسنا، وأن نستذل لأعدائنا، بل وأثبت الله لنا العلو والغلبة عليهم، لكن إن تسلحنا بسلاح الإيمان وتركنا هذه الهزائم النفسية، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يحقر أحدكم نفسه» قيل: يا رسول الله، وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: «يقوم في مقام لله فيه مقال فلا يقل به» يحضر منكراً، ولا يتكلم، يحقر نفسه، يرى الباطل ولا يتكلم، يحقر نفسه، لماذا تحتقر نفسك، قل، تكلم، قل الذي في نفسك من الحق، لماذا تنهزم عند هؤلاء وهم الأذلاء وأنت العالي بالحق؟ لماذا لا تقول كلمة الحق؟ لماذا ينتصر عليك من هم أضعف منك؛ أهل المعاصي والباطل والظلم؟ قال: «فيقوم بين يدي الله يوم القيامة، فيقول له الله: عبدي، لماذا لم تقل في مقام كذا كذا وكذا؟ قال: يا رب خشيت الناس، فيقول الله: إياي كنت أحق أن تخشى» رواه ابن ماجه بسند حسنه بعض أهل العلم، كان المفروض أنك تخشى الله أكثر، فلماذا خشيت الناس؟ ولم تخش رب الناس سبحانه؟.
لابد أن نسعى في علاج هذا المرض، هذا مرض – أيها الأخوة – قد يقول بعضنا: طيب، كيف الله سبحانه وتعالى يقول على لسان يوسف عليه السلام – كما قال بعض أهل التفسير – يقول يوسف عليه السلام: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف: 53]، فالجواب: أن هذا احتقار النفس في جنب الله، بينك وبين ربك احتقر نفسك – كما ذكرنا في الدروس الماضية – واهضم نفسك، أما في مجال العمل بالصالحات والدعوة إلى الله، والتخلي بالأخلاق الفاضلة، لا، اجتهد في المراتب العالية، يوسف عليه السلام الذي قال هذه الكلمة، قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، انظر كيف أنه ما هزم نفسه، بل زكاها بما هي أهل له. إذاً لننتبه لهذا، نعم في جنب الله احتقر نفسك وذل بين يدي ربك، أما إذا قمت بعمل وأردت أن تقوم بأعمال من أعمال الخير، فاسعَ إلى المعالي، ولا تنهزم هزيمة نفسية.
أسباب المرض:
أيها الأخوة في الله، إن وقفة مع أسباب هذا المرض تجعلنا نعرف من أين أُوتينا؟ ومن أين دخل علينا هذا البلاء “الهزيمة النفسية”؟.
إن من الأسباب: عدم تحمل المسئوليات، وعدم أخذ الحظ من التشجيع، لم يتحمل مسئولية أصلاً في صغره، فتربى على الهزيمة النفسية وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولم يجد التشجيع الذي يدفعه للأمام، انتبه، هنا فارق مهم جداً، نقول: لم يتحمل المسئولية، ولم نقل: لم يتحمل الرئاسة؛ لأنه سبق لنا أنه من الأمراض حب التصدر وحب الظهور والعجب بالنفس، لا، لا تربيها على التطلع للرئاسة، وأن تكون رئيسًا، لكن ربها على المسئولية، أن يكون مسئولاً، أعطه عملاً ولو بسيطاً، لكن اجعله يتحمل المسئولية والتكاليف والتبعات، حتى يشعر أنه يستطيع أن يفعل شيئاً، ربه على هذا، الرسول صلى الله عليه وسلم انظر كيف يربي أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه؟
وكان خادماً يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فرآه يلعب بين الصبيان، فدعاه صلى الله عليه وسلم وأسرّ في أذنه كلاماً، وقال له: «لا تخبر به أحداً» يعني ما تتوقع يكون السر الذي أفشاه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنس، وهو ابن عشر أو نحوها من السنوات !!، لكن القضية ليست قضية سر، القضية قضية مسئولية، قال: فانطلقتُ، فلقيتني أمي، فقال: ماذا قال لك الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: “لا أكشف سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد قط ” انظر كيف تحمل المسئولية؟ فقالت: نعم، لا تفعل، يقول أنس بعد أن كبر وبلغ التسعين لتلميذه ثابت: “يا ثابت – وكان يحبه – لو كنت سأخبر أحداً بهذا السر، لأخبرتك أنت” انظر تحمل المسئولية من صغره حتى تربى عليها في كبره. ونقول التشجيع ولا نقول المدح؛ لأنه سبق أن المدح والإكثار مرض يؤدي إلى العجب بالنفس ويؤدي إلى الغرور والكبر، اترك المدح واستخدم التشجيع، شجّع؛ من فعل كذا فهو كذا، ومن فعل كذا فله كذا، تشجع المجموعة ككل، ولا تمدح الشخص كفرد، حتى لا تربيه تربية خاطئة.
إذاً نحن – كمربين – بحاجة إلى أن نفقه هذه الأمور؛ لأن بعضنا ما يُشجع، فأوقع المتربين في الهزيمة النفسية، وبعضنا يمدح فأوقعهم في العجب، بعضنا ما يعطي أحداً مسئولية، فأوقعه في الفشل وانهزام النفس واحتقارها، وبعضنا يدعو مبكرًا إلى القيادات وأمور التصدر فأوقع المتربي ذلك – والعياذ بالله – في أمور الترأس بالباطل، لن-زن الأمور، أعطه المسئولية، ولا تحفزه لأن يترأس، أعطه التشجيع ولا تمدحه في وجهه بعينه.
إن من أسباب هذا المرض – أيها الأخوة -: البيئة المنهزمة التي قد يعيش فيها بعض الناس؛ فبعض الناس انهزم نفسياً لأنه أصلاً في بيئة منهزمة، بيئة ما تعرف العمل وتحمل المسئوليات، والخروج من الضيق إلى السعة، ومن الظلام إلى النور، بيئة ترضى بالدون، تربى فيها، إما تكون أسرته، أو مجتمعه الذي يعيش فيه، أو أصدقاؤه الذين يخالطهم، فتربى هو على الانهزام، وللأسف – أيها الأخوة – البيئة مؤثرة جداً، يعني: لو نظرت إلى أهل البادية، لوجدت أن عندهم تحمل المسئولية وقوة، ما تجدهم ينهزمون في أنفسهم لأنهم تربوا في أماكن علمتهم على الجد، ولابد من تحمل المسئوليات، بعكس بيئات أخرى، قد تكون نفس البيئة – للأسف – هي بيئة منهزمة، وإذا أردت أن تعرف هذا، فانظر إلى بعض الأمثال التي يرددها بعض الآباء أو بعض الناس على من حولهم، لتعرف أنها أمثال انهزامية، وتربي أبناءه على الانهزام؛ وقد وقفنا على هذه في درس مضى لكن نشير لبعضها؛ كأن يقول له:
(تعقرب تقتل)، هذا إيش يدلك؟ تربية انهزامية تماماً، أو يقول له: (كن قعار تأكل سكر)، يعني: كن نملة من أجل أن تأكل السكر، هذه تولد ماذا؟ تولد الانهزام، وتجعل هذا منهزماً، ما يسعى أن يصبح شيئاً ولا يكون شيئاً وينهزم بالفعل. إذاً البيئة، فإذا كانت البيئة أصلاً تربي على القهر والكبت ومنع الحريات، البيئة التي فيها هذا المتربي ممنوع تتكلم، ممنوع تجلس مع الكبار، ممنوع تعطينا رأيك، ممنوع تفعل شيئاً، ممنوع تتحمل مسئولية، أنت حمار ! أنت بقرة ! أنت ما تفهم، هذا يولد أنه بالفعل ينهزم انهزاماً نفسياً، والله نهانا عن هذا، ونهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثله.
من أسباب الهزيمة النفسية: الركون إلى الدنيا، فيكون الإنسان عابدَ شهوات، ما يهمه إلا بطنه وفرجه وبس؛ فينهزم أمام الدنيا، وأمام أعداء الدين، وأمام الشيطان؛ لأنه رجل – للأسف – كل همه أن يأكل لعاعة الدنيا، فلا يسعى بعد ذلك إلى شرف، أو إلى مجد، أو إلى أنه يعز أمته أو أن ينصر نفسه، أو يطوّر ويهذب أخلاقه، ما يسعى إلا للدنيا الدنيئة – والعياذ بالله -.
من الأسباب – أيها الأخوة – الإدمان على المعاصي، المعاصي تورث الذل، وإنسان يرى أنه لا يستطيع أن ينتصر على نفسه كيف سينتصر بعد ذلك على أعدائه؟ لا شك أنه ينهزم، انظر للعاصي، تجده أكثر الناس هزيمة نفسية، يقول: ما أقدر أترك المعصية، ولا أقدر أعمل عملاً نافعاً، ولا أقدر أفتح بيت وأسرة، فضلاً أن يتحمل أمور الدين، فكلما زاد الإنسان في المعصية، كلما انهزم أكثر ولم يستطع حتى على أسهل الأمور، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} [الحج: 18].
آثار المرض:
إن آثار هذا المرض خطيرة جداً، ولو أننا سمحنا لمثل هذا المرض أن يستشري فينا، فإنه سيؤدي بنا إلى مهالك وإلى مهاوي ومخازي.
من آثار هذا المرض: الركون إلى المعصية بعد المعصية حتى ينحط الإنسان إلى درجة الحيوان.
من آثار هذا المرض: القعود عن نصرة الدين، وأنا أقول: ماذا سنفعل؟ وأنت تقول: ماذا سنفعل؟ ونتحجج بكثرة أهل الباطل وقوتهم، وننسى أن الله هو الذي ينصرنا ويقوينا، فإذا بنا – والعياذ بالله – نتراجع عن الأمر بالمعروف، عن النهي عن المنكر، عن قول كلمة الحق، عن نصرة الدين، بل نتراجع حتى في استقامتنا، وهذا يؤدي بالمجتمع إلى الهلاك.
علاج المرض:
ما هو العلاج؟ كيف نعالج أنفسنا حتى لا تقع في شباك الهزيمة النفسية؟
إن من أهم العلاج: الثقة بالله؛ لا تثق بنفسك، ثق بالله وبمنهج الله عز وجل، وأن الله ناصر دينه، وممكن لأوليائه، هذه حقيقة يجب ألا تغيب عنك، أنت معك من؟ وهم معهم من؟ معهم تكنولوجيا عصرية، معهم مناصب، معهم أموال، معهم عتاد، معهم عدد، معهم كثرة منافقين، طيب، أنت معك الله سبحانه وتعالى رب العالمين، لماذا لا تكن أنت العالي وهم الدون، وأنت معك المولى سبحانه؟ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً..} [النور: 55]، إذاً هذا وعد الله عز وجل، فلا تيأس، قيل: أول ما جاءت الطائرات، واستخدمت في الحروب، أن قوماً من الإفرنجة أرادوا بعض المسلمين، فهددوهم بأن يحاربوهم ويغزوهم، فصار أهل هذه البلد المسلمة يتكلمون: سيأتي الإفرنجة وسيحاربوننا بالطائرات، وبدأت فيهم الهزيمة النفسية، فقال لهم أحد المسلمين، وهو من المتوكلين على الله، قال لهم: إيش يعني طائرات؟ قالوا: شيء يأتي من فوقك ويرميك برصاص ويقتلك، يقتلوننا وهم في السماء لا نصل إليهم ! فما كان من جواب هذا المطمئن الواثق بنصر الله عز وجل إلا أن قال كلمة عظيمة جداً، والله – أيها الأخوة – نحن ننساها كثيراً، قال لهم: أسألكم سؤالاً: هذه الطائرات، هي فوق أو الله فوق؟ الطائرات هذه هي فوق الله أو الله فوقها؟ قالوا: بل الله فوقها، قال: إذاً لماذا تخافون؟ هم عندهم طائرات، ونحن عندنا الله فوق هذه الطائرات، صحيح، هذا كلام حقيقي، قوة الله لا يعدلها شيء، فإذا كانوا هم معهم أسلحة فنحن معنا الله العزيز الحكيم، القوي الكبير، فلماذا نذل ونخاف؟.
إن من العلاج – أيها الأخوة – دوام النظر في قصص الأنبياء، وأتباع الأنبياء عليهم السلام؛ انظر للأنبياء كيف كانوا؟ كيف كانوا يثقون بالله عز وجل؟ موسى عليه السلام في شدة كأشد ما يكون {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61 – 62]، ثقة بالله عز وجل، وهو يرى البحر أمامه، وفرعون يقرب منه بجنوده وعتاده، لكن يقول: أبد ما فيه، لا تحاولون، الله معي، لابد أنه ينصرني، فماذا فعل الله سبحانه وتعالى؟ شق البحر وأنجى موسى وأغرق فرعون، لماذا تنهزم؟ محمد صلى الله عليه وسلم تطيش السيوف فوق الغار الذي هو فيه، وأبو بكر يقول: يا رسول الله، لو أبصر أحدهم تحت قدمه لرآنا، والرسول صلى الله عليه وسلم واثق مطمئن يقول: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا، لا تحزن إن الله معنا»، الله معنا الآن، معنا بنصره، معنا بتأييده، أنت خائف من ماذا؟ وردهم الله عز وجل ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم. مثل هذه القراءة في هذه الأخبار تعطينا ثقة وقوة؛ لأنهم الباطل، وجنود الباطل ولو كانوا كثرة، ولو كانوا أقوياء، فالله هو الله سبحانه وتعالى، ناصر أولياءه، فلنتق الله عز وجل، ولنوالي ربنا سبحانه.
أخيراً – أيها الأخوة – في علاج هذا المرض: لنشرق بأنفسنا ولنرفعها إلى طلب المعالي، ولنفتح باب التفاؤل والأمل، لا تنهزم في نفسك، ولا تحدث نفسك بوساوس الشيطان، بل كن دائماً إنسانًا متطلعًا للأمام، نعم، قد تفشل، قد تخطئ، ومن ذا الذي لا يفشل؟ ومن ذا الذي لا يخطئ؟ لكن الخطأ ليس أن تخطئ، الخطأ أن لا تصحح الخطأ، كلنا نخطئ كلنا نغلط، لا تنهزم بمجرد أنك حفظت قرآناً ثم نسيت، أو بمجرد أنك حاولت تحفظ ثم لم تستطع، أو بمجرد أنك حاولت يوم أو يومين أن تجلس في مجالس العلم وتفهم فلم تفهم، أو أنك حاولت ليلة أو ليلتين أن تقوم الليل وعجزت، لا تيأس، استمر ولا تنهزم، وتأكد بإذن الله عز وجل أنك ستوفق لما تريد من الخير، ونفس المؤمن لا تشبع أبداً من الخير.
وفقنا الله سبحانه وتعالى وإياكم للطاعات، وبلغ-نا وإياكم أعالي الجنات، وكفر عنا وعنكم السيئات.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شؤوننا كلها، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، لا إله إلا أنت سبحانك إن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________________________________________________
الكاتب: د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
Source link