امٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ بدأ، فِيهِ يُنْشَرُ الْعِلْمُ، وتَتَأَدَّبُ النُّفُوسُ، وَتَزْكُو الْأخْلاقُ، وتزداد المعرفة، الْعِلْمُ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا وَوَضَعَ بِهِ آخَرِينَ، فَلَا يَسْتَوي أَبَدًا عَالِمٌ وَجَاهِلٌ
الحمدُ للهِ الكريم المنَّان، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سيد المرسلين وخاتم النبين، وأمام المربين والمعلمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحْبه الطيبين، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، بها تُفرَّج الكُربات، وتُغفر الزلات، وتتنزَّل البركات، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
معاشر المؤمنين، عَامٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ بدأ، فِيهِ يُنْشَرُ الْعِلْمُ، وتَتَأَدَّبُ النُّفُوسُ، وَتَزْكُو الْأخْلاقُ، وتزداد المعرفة، الْعِلْمُ الَّذِي رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا وَوَضَعَ بِهِ آخَرِينَ، فَلَا يَسْتَوي أَبَدًا عَالِمٌ وَجَاهِلٌ؛ قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وَالْعِلْمُ – معاشر المؤمنين – هُوَ أَيْسَرُ الطُّرُقِ وَأَحْسَنُهَا وَأوْضَحُهَا لِلْوُصُولِ إِلَى رِضْوانِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ؛ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».
والعلم الشرعي واضحٌ في دلالة الحديث على فضله، ويُشاركه العلم الدنيوي ذلك الفضل بالنية الصالحة والنفع للأمة، ولتحقيق غاية التعليم وأهداف العام الدراسي، لابد من أن يؤدي كلُّ طرفٍ مسؤوليته ويقومَ بواجباته: المعلمون، وأولياء الأمور، والطلبة.
فعلى الْمُعَلِّمِينَ أن يعلموا أن رسالة التعليم هي التربية، أشرف الرسالات وأنبل الغايات، فهي رسالة الأنبياء والرسل؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46].
وإن غايةَ العلمِ وثمرتَه المبتغاة، هي بناءُ جيلٍ يجمع بين جوانبه إيمانًا صادقًا وعلمًا نافعًا، وخلقًا حسنًا ومعرفةً نيرةً، وإخلاصًا للوطن والأمة.
وإن مسؤوليتهم اليوم تجاه الطلاب قد تضاعَفت مع تعدُّد المؤثرات والضغوط النفسية والاجتماعية والفكرية عليهم، وتعاظُمِ تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر الغث والسمين والنافع والضار، فوجَب عليهم مضاعفةُ الجهود في الملاحظة والنظر، والتربية والتوجيه، ومعالجة ما يتعرض له أبناؤنا وبناتنا من التأثيرات السلبية على عقيدتهم وأخلاقهم، وعلى ثقافتهم وهُويتهم.
معاشر الآباء والأمهات، اغْرِسُوا فِي قُلُوبِ أَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ حُبَّ الْعِلْمِ وأَهْلِهِ، وإِجْلالَ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ وَتَوْقِيرَهِمْ وَاحْتِرَامَهِمْ، وأَوْصُوهم بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالصَّبْرِ وَالْمُصَابَرَةِ؛ فَإِنَّ بِلادَهُمْ تَنْتَظِرُ مِنْهُمْ خَيْرًا كَثِيرًا، فإنَّما الشبابَ المتعلِّم عِمادُ الحضارات وقِوامُ المجتمعات.
إن أعظم التحديات اليوم أمام الشباب هو الانشغالُ بالترف والتُّرَّهات، وحياةِ الدعة والتفاهات، ولا سيما مع أدوات التواصل الاجتماعي؛ مما يستدعي توجيههم دون حِرمانٍ إلى حياة الجدِّ والاجتهاد والاهتمام بمعالي الأمور.
جعَله الله عامَ خيرٍ وبركة، وعام توفيق ونجاح، أَقُولُ ما سَمِعتُم، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إنه هو الغفور الرحيم.
فعليكم بالمذاكرةِ والمراجعة، وحُسنِ الاستماع والمناقشة، والمثابرةِ والمواظبةِ وتنظيمِ الأوقات وأداء الواجبات، فذلك هو سبيلُ النجاح والتفوق بعد توفيق الله وعونه.
ومن أعاجيب السلف الصالح في تعظيم العلم والجدِّ في طلبه: ما ذكره ابن القاسم عن نفسه وهو تلميذ الإمام مالك بن أنس قال: وأنختُ بباب مالك سبع عشرة سنة، ما بعتُ فيها ولا اشتريتُ شيئًا، فبينا أنا عنده ذات يوم إذ أقبل حُجاجُ مصر، فإذا شابٌّ ملثَّم قد دخل علينا ونحن في المسجد، فسلَّم على مالك وقال: أفيكم ابن القاسم؟! فأشاروا إليَّ، فأخذ يقبِّل بين عيني، ووجدت منه رائحة الولد، فإذا هو ابني الذي تركتُ أمَّه حاملًا به، قد شبَّ وكبُر وصار رجلًا.
أبناؤنا الطلبة، أحسِنوا – حفِظكم الله – اختيارَ أصحابكم، فإن الصاحبَ ساحب، وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «المرءُ على دين خليله، فلينظُر أحدُكم مَنْ يُخالِل»؛ (صحيح الجامع).
عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَلْ عَن قَرينِهُ فَكُلُّ قَرينٍ بالمُقارن يَقتَدي
فاصحَب ذوي الأخلاق الحميدة والخِصال الكريمة، والزَمْ ذوي الجد والاجتهاد وأهل الاستقامة والمثابرة، وذوي النجاح والفلاح – تَكُن منهم.
__________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي
Source link