منذ حوالي ساعة
فَهْمُ الشخصية من الأُمُور المُهِمَّة في إدارة الحياة الزَّوْجِيَّة؛ حيث إنَّها تضُمُّ كثيرًا مِن السِّمات المؤثِّرة في مسار الحياة، ومن الأهميَّة فهم نمط وأسلوب الشَّخصيَّة
فَهْمُ الشخصية من الأُمُور المُهِمَّة في إدارة الحياة الزَّوْجِيَّة؛ حيث إنَّها تضُمُّ كثيرًا مِن السِّمات المؤثِّرة في مسار الحياة، ومن الأهميَّة فهم نمط وأسلوب الشَّخصيَّة – خاصَّة المُتزوِّجين الجُدُد- وعدم فَهْمِها ينشأ بسببه كثيرٌ من الخلافات؛ فلن يكون شريكُ حياتك مرآةً يُشبهك، أو يُقاربُكَ في الصِّفات، فالأصل هو الاختلاف، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84].
وتدور بَعْضُ الصِّراعات في الأُسْرَة عِنْدَمَا يحدُث تعارضٌ بين شخصيَّتين مُختلفتين، وعادةً ما يتمحور الصِّراع حول إثبات الذَّات، أو الانتصار للنَّفس، ويؤدي إلى الإساءة، وتبادل الاتِّهامات، وزيادة التَّوَتُّر.
ومع اختلاف الشَّخصيات تختلف الاهتمامات، ويختلف التَّعامل، وهُناك جوانب في الشَّخصِيَّة يَتِمُّ اكتشافها مع كثرة المواقف، وهذا يقُودنا إلى أن يسعى كُلُّ شريك إلى دراسة الشَّخصِيَّة دراسةً عميقةً، ويكون التَّعامل بِناءً على الفهم الصحيح لها. فقد تكُون الزوجة مُنظَّمة ومرتَّبة لا تُحبُّ الفوضوية، والزوج يُعارضها في ذلك؛ فتحدث مشاكل وخلافات، وليس معنى ذلك أنَّ الاختلاف في المزاج، وأسلوب الشَّخصِيَّة مُشْكِلة؛ بل مسألةٌ صحيَّة، وإِذَا أخذنا في الحسبان الصفات الخاصَّة بِكل جنس، فالمرأة لها صفاتٌ مُختلفةٌ تمامًا عن الرَّجل، يقول سُبْحَاْنَه: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].
وقد نتعب كثيرًا حتى نفهم الشَّخصيَّة، فكوننا ارتبطنا بإنسان جديد، وأصبح هذا الإنسان شريكًا في كُلِّ تفاصيل حياتنا، بعد أن كنَّا بمفردنا فلا بُدَّ أن نسعى ونُكرِّس طاقاتنا لهذا الفهم.
ومن المُهمِّ مع فهم الشَّخصِيَّة تحديد نقاط القوَّة والضَّعف، والاستفادة مِنْ هذه النقاط في توجيه الحياة بشكل جيِّد، ومن ثم تُصْبِحُ الحياة مُتوازنةً وخارجةً عن إطار الخلافات المتعددة.
وهناك عوامل قد يكُون لها تأثير في بِنَاء الشَّخصِيَّة؛ منها: الوراثة، وأساليب التنشئة، وبَعْض المواقف في الطفولة، وَعدم استقرار الأُسْرَة في الأمور الاجتماعية، وبعض التَّصَرُّفَات غير المسؤولة مثل: (التجريح، التحقير، الاعتداء، النبذ والإقصاء)، وكذلك العوامل البيئية. ولا يستوي الأمر؛ فلدينا شخصيات سويَّة طبيعية، وهناك شخصيَّات غَيْر مُتَّزنة، وتحتاج إلى علاج، أو إلى تعديل في السُّلوك.
ولعلنا نستعرض عددًا من الشَّخْصِيَّات التي قد نُصادِفها، ونحتاج إِلَى طريقة للتَّعايش معها، فعلى سبيل المثال لا الحصر: “الشَّخصيَّة النَّرجسيَّة” شخصيَّة أنانيَّة، يبالغ صاحبها في قُدراته ومُنجزاته، ولا يُحب من يُخالفه الرأي، ولا يُقدِّر مَن حوله، ويحترم الأباعد، ويكون لطيفًا معهم؛ لاحتياجه إِلَى المدح والثناء منهم.
هَذِهِ الشَّخصِيَّة إذا لم يفهمها أحدُ الزَّوجين، ويعرف كيفيَّة التَّعامل معها تنقلب الحياة إلى جحيم، وهي من الشَّخْصِيَّات التي يصعُب التَّعامل معها، فعلى الإنسان إثبات ذاته، حتى لا تُفقده هذه الشَّخصيَّة الثِّقَةَ في نفسه؛ وذلك من خلال التعامل معها بحذر، وعليه تقبُّل هذه الشَّخصِيَّة كما هي، وأن يضَع حدودًا لها، حَتَّى لا يَكُون هناك فرصة للإيذاء، وصاحب هذه الشَّخصِيَّة لا يعرف نقاط الضَّعف لديه، وإن عرفها لا يهتم بتصحيحها، ولا يتقبَّل نقد الآخرين، وليس لديه القُدرة عَلَى الشُّكر، ولا الاعتراف بقدرات الآخرين، إِلَى غَيْر ذلِكَ.
والشَّخصيَّة النرجسية ليست نسخة موحدة؛ بل تختلف سماتها من شخص إلى آخر، وتبقى السمات الأساسيَّة التي تُميز الشَّخصِيَّة النَّرجسيَّة التي ذكرناها آنفًا هي المسيطرة. ويُمكن الاستعانة بالمختصِّين لمعرفة تفاصيل أدَقَّ عن هذه الشَّخصِيَّة، ومعرفة طرق التَّعامل معها.
وهناك “الشَّخصيَّة الحدية” (المزاجية)، ومن سماتها التطرف في المفاهيم، وتقلُّب المزاج بدوّامة من المشاعر المُتضاربة، والعواطف غير المستقرَّة، التي تتراوح ما بين السَّعادة والقبول، إِلَى الرغبة في المقاومة والغضب. ومن خلال ملاحظاتي على هذه الشَّخصيَّة فالتَّعامل الأمثل معها يكون عند استقرار المشاعر والانفعالات، وعدم استعجال ردَّة الفعل، وعدم الموافقة الكُليَّة، أو الرَّفض الكُلِّي حتَّى لا تتهيَّج المشاعر السلبية.
وقد يُصادف الشَّريك “الشَّخصيَّة الشَّكَّاكة”، فلديها شُكوك ظنِّيَّة غَيْر حقيقيَّة، وهذه الشَّخصيَّة لا تنسى أخطاء الآخرين، ولا تَغفر لهم، وقد نُصادف أيضًا “الشَّخصيَّة الاعتمادية” ومن سماتها الصُّعوبة في إنجاز الأعمال اليومية، واستشارة الآخرين في كل شيء، ولا يريد أن يتولَّى المسؤولية، وللتَّعامل مع هذه الشَّخصِيَّة لا بُدَّ من التَّدرُّج في إعطاء المسؤوليات، وعدم افتراض التَّغيُّر الكامل، ونختم حديثنا “بالشَّخصيَّة الضعيفة” فرُبَّما يكون الشريك ضعيف الشَّخْصية أمام أقاربه، ويريد أن يُثبت نفسه أمام من أجبرته الظُّروف على الصَّبر على الحياة بسببه، وحتى نفهم هذه الشَّخصيَّة لا بُدَّ من دراسة أسباب تكوُّنها على المدى الطويل، فرُبما تعرَّض صاحبها لإساءة في الصِّغَر، أو تنمُّر أو اعتداء، وللعلاج السلوكي أهميَّة كبيرة لهذه الشَّخصيَّة.
وقد تحدث تغيُّرات مُفاجئة في الشَّخصيَّة؛ فتتغيَّر الأفكار والعواطف وَالسُّلُوك، وهذا التَّغَيُّر يَكُوْنُ بِنَاءً عَلَى ما يتأثَّر به الإنسان مِنْ مواقف وأحداث وضغوطات وتغيرات فسيولوجيَّة ونفسية، ففي هَذِهِ الحالة لا بُدَّ مِن البحث عن السَّبب للعلاج المُبكر؛ فالمرأة على سبيل المثال عند الوحم، والأعذار الشرعية، وما بعد الولادة قد تتغير حالتُها النَّفْسِيَّة، وتتغيَّر شخصيَّتُها، وتدخل في بعض الاضطرابات، إِذَا لم نعرف السَّبب فلن نفهم ما يدور حولنا مِنْ أحداث.
الحالة المزاجية وتقلُّباتها لا يسلم منها أحد؛ حَيثُ إنَّنَا بَشَر، ونمر بمواقفَ في حياتنا المُختلفة، ولكن تأثيرها نسبي، ويختلف مِن شَخْصٍ إلى آخر، ويمكن التَّعايش معها بسلام، ولكن هل يمكن التعايش مع شخصية لديها اضطراب؛ كالشَّخصِيَّة النَّرجسيَّة، أو الشخصية الحدية أو غيرهما! وكيف يَتِمُّ ذلِك؟ فأهمُّ ما يمكن القيام به هو التَّشخيص الصَّحيح للشَّخصيَّة، ولن يَتِمَّ إلا بالتركيز عَلَى التَّصّرُّفَات وتحليلها، والاستعانة بالخبراء، والتركيز عَلَى الجانب المعرفي في العلوم النَّفْسِيَّةِ، وهذا مهم جدًّا لمساعدتنا على فهم الكثير من الجوانب الغامضة.
وقد يرى صاحب الشَّخصِيَّة المضطربة أنه لا يعاني أصلًا من مشكلة، ويتَّهم من حوله بالاضطراب، وقد يَكُون لديه ردة فعل عكسية عِنْدَمَا يُطلب مِنْهُ الذهاب لطبيب؛ فيَدَّعي أنَّ هَذَا جنون، وبناءً على ما تُسبِّبُه الاضطرابات الشَّخصِيَّة مِن معاناة للمحيطين؛ فلا بُدَّ من السَّعي لحل يُخفف من المعاناة فيمكن تقديم تنازلات مِن أحد الطرفين بدون إذابة للشَّخصيَّة، وعدم السَّماح لتسلُّل بعض الأمراض النَّفْسِيَّةِ، ثُمَّ الاهتمام بإيجاد حالة استقرار، وحُدود دنيا للعلاقة، والاعتراف بالأخطاء، وتمرير لغة حوار تناسب الأطراف جميعًا، وتثقيف سائر أفراد الأُسْرَة في التَّعامل مع الجانب النَّفسي، فذلك له دور فعَّال في الحد من تطرُّف الحالات النَّفْسِيَّةِ. هذا بالعموم، ولكل شَخْصيَّة تعاملٌ خاصٌّ بِهَا.
استهدفنا في هَذِهِ العُجالة أن نُعطي عددًا مِن الأمثلة لبعض الشَّخْصِيَّات لإلقاء الضوء عَلَى أهمية تأثير الشَّخصِيَّة في الحياة الزَّوْجِيَّة، وفهم الطَّبِيعَة الإنسانية بِشَكْلٍ عام، وتفسير التَّصرُّفَات بِشَكْلٍ سليم بغرض التعامل المثمر والبَنَّاء.
_____________________________________________________
الكاتب: أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
Source link