منذ حوالي ساعة
السلام عليكم، لما كنت صغيرا والدتي فتحت لي حسابا بنكيا لتُوفر لي فيه النقود لوقت الحاجة لكن هذا الحساب كان بفوائد. لما كبرت وعلمت بتحريم فوائد البنوك قمت بتحويل حسابي إلى حساب بدون فوائد. بعد ذلك أردت التخلص من قيمة الفوائد منذ فتح الحساب فلما طلبت من موظف البنك أن يخبرني بقيمة الفوائد التي في حسابي منذ فتحه قال إنه لا يستطيع ذلك لأنني عندما قمت بتحويل حسابي إلى حساب بدون فوائد قاموا بحذف كل معاملات الحساب القديم. كيف أتصرف في هذه الحال لجعل مالي حلالا خاليا من كل الفوائد؟ أفيدونا جزاكم الله خير
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرت فلا يجب عليك تطهير المال، ولا التصدق بتلك الفوائد حتى لو علمت مقداره؛ لأن من رحمة الله – تعالى – أنه جعل العلم بالحُكم المعَيَّن شرطًا في الفعل، أو الترك؛ قال – تعالى -: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، فَأَمَرَهُم بِتَرْكِ ما بقي في الذِّمَمِ من الرِّبا، ولم يأمرْهم برد المقبوض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (29/ 159): “فإن المسلمين إذا تعاقدوا بينهم عُقُودًا، ولم يكونوا يعلمون؛ لا تحريمها، ولا تحليلها، فإن الفقهاء جميعهم – فيما أعلمه – يُصَحِّحُونها، إذا لم يعتقدوا تحريمها. إن كان العاقد لم يكن حينئذ يعلم تحليلها لا باجتهاد ولا بتقليد. ولا يقول أحد لا يصح العقد إلا الذي يعتقد أن الشارع أحله”. اهـ.
جاء في كتاب “تفسير أيات أشكلت”(2\577-578):
اما المسلم – يعني إن تعامل بالربا – فله ثلاثةأاحوال:
تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد.
وتارة يعامل بجهل، ولا يعلم أن ذلك رباً محرم.
وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم.
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد ان ذلك رباً محرم، قيل: يرد ما قبض كالغاصب، وقيل: لا يرده، وهو أصح؛ لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال، فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم المتأول إذا تاب يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه.
واما المسلم الجاهل فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك؛ فليس هو شرًا من الكافر.
إلى أن قال (584-586): والشريعة أمر ونهي، فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب، وكذلك النهي، فمن فعل شيئًا لا يعلم أنه محرم، ثم علم لم يعاقب، وإذا عامل معاملات ربوية يعتقدها جائزة، وقبض منها ما قبض، ثم جاءه موعظة من ربه فانته فله ما سلف، ولا يكون شرًا من الكافر، ولو كان قد باع خمرًا أو حشيشة أو كلبًا، ولم يعلم أنها حرام وقبض ثمنها؛ وسمرة لما باع -أي: الخمر – وقبض ثمنها قال عمر: قاتل الله سمرة؛ ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه”، وكانوا يقبضون الخمر جزية عن أهل الذمة ثم يبيعونهم إياها، فقال عمر: “ولوهم بيعها ثم خذوا ثمنه”. وما قبضه سمرة لم يذكر أن عمر أمر برده؛ وكيف يرده وقد أخذوا الخمر. ولا نهاهم عن الانتفاع به؛ وذلك أن هذا الذي قبضه قبل أن يلعم أن محرم لا إثم عليه في قبضه، فإنه لم يكن يعلم أنه محرم، والكافر إذا غفر له قبضه لكونه قد تاب، فالمسلم أولى بطريق الأولى؛ والقرآن يدل على هذا بقوله: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}[البقرة: 275]، وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه، فقد جعل الله له ما سلف، ويدل على ذلك أن ذلك ثابت في حق المسلم ما بعد هذا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، فأمرهم برد ما بقي ولم يأمرهم برد ما قبضوه؛ فدل على أنه لهم، مع قوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ}، والله يقبل التوبة عن عباده”. اهـ. مختصرًا.
وعليه، فلا يجب عليك رد شيئًا مما قبضته من الفوائد الربوية قبل معرفة الحكم الشرعي،، والله أعلم.
Source link