لحظة غير كل اللحظات – طريق الإسلام

لحظة اللحظات علَّمتني أن في الدنيا كلابًا وذئابًا وغِربانًا على صورة بشر، أفاعٍ مالسة الجلد، لماعة الظاهر تُغريك بحسن منطقها وحلاوة لسانها، وهي تُخفي في جوفها السحيق القاتم سمَّها الفتَّاك القاتل

أنا لستُ ممن تُعلمهم الحياة دروسًا في عام أو عامين، أو حتى عشرة أعوام، أنا من النوع الذي يفهم ويدرك، ويتعلم ويصحو من درس اللحظة الواحدة، والطعنة الواحدة، والغدرة الواحدة، والموقف الواضح الجليِّ الواحد، موقف واحد فريد تنجلي على يديه عندي تفاصيل المشهد؛ فأرى الصورة كاملةً بلا نقائص، مع كامل تفاصيلها والخفايا.

 

ما أكثر ما مرَّ عليَّ وعبر قرب لحظاتي الرائعة المشرقة من الناس! فما أقل ما يصح أن يُقال عنهم: ناس! وما أندر الحقيقيين! الذين استبقَوا في ذاكرتي ووجداني على انبهار اللحظة ولهفة ذياك الشغف! ويا لرحمة الله ونعمائه حين أراني تلوُّن المتلوِّنين، وقباحة المتجمِّلين، وانحدار المستعلِين، وقذارة القلوب السوداء الحالكة التي تتدثَّر بنظافة اللِّباس، وجمالية المظهر، ومستحضرات التجميل، ليس إلا.

 

لحظة اللحظات علَّمتني أن في الدنيا كلابًا وذئابًا وغِربانًا على صورة بشر، أفاعٍ مالسة الجلد، لماعة الظاهر تُغريك بحسن منطقها وحلاوة لسانها، وهي تُخفي في جوفها السحيق القاتم سمَّها الفتَّاك القاتل، الذي يتحيَّن اللحظة الحاسمة ليلدغك وينقضَّ عليك، ويقضَمك بأخسِّ طريقة لك أن تتخيلها أو لا تتخيلها، أشباح جائعة شرِهة، ذليلة، نرجسية الطبع والتطبُّع، أنانية التوجهات، رباعية الأبعاد، فيها عبقرية الجشع، أكَلَ الحقد والحسد نبضات قلوبها، وجريان دمائها السوداء الفوَّارة بحب المال والشهوة والجاه، حتى صيَّرها جُثَثًا هامدةً خاوية، لا مكان فيها لمحبة وأُخُوَّةٍ صادقة في الله، أو نية لبذل الخير فيه، أو اعتراف بفضل وإحسان من أقرب الإخوان والخلَّان.

 

علمتني تلك اللحظة الْمِفْصلية أن النضج شيء، وأن الخبث شيء آخر مغاير تمام المغايرة، وأن النضج بغير طِيبٍ، ما هو إلا شرٌّ شيطاني إبليسيٌّ يسعى في الأرض لينشر فيها الكفر والمكر، والظلم والبطش، والذل والخضوع والشهوات، ويزرع الشر والفحشاء، والهوى والهوان والمنكر، ويمكِّن للباطل ويؤسِّس له دولًا وأبنيةً في قلوب المؤمنين، وأن القوة الحقيقية هي أن تقوى على تحمُّل رؤية الخير بين يدي الغير من دون أن يُصيبك الضعف والهمُّ، والحزن والانكسار الموجِع، أو يُصاب خافقك المتحسِّر الكدر المفجوع بسكتة قلبية.

 

لحظة اللحظات علَّمتني أن أكثر المتغنِّين بالرحمة واللطف واللين، والعقلانية والوعي والأخلاق، وحسن الاجتماعيات، وروعة الرُّقيِّ والتسامي، والانشغال بالنفس، واحترام خصوصيات الآخرين، هم أكثر الناس قدرةً على الخيانة والغدر، والطعن والفُجر، والتجسُّس والتطفُّل، والسطو والاعتداء على حقوق الآخرين، وسلبهم ماء قلبهم، وأن هؤلاء المقنَّعين الزائفين هم أكثر الناس فظاظةً وغِلظةً، وفَجاجةً وطمعًا، وأن قلوبهم الميتة السوداء تخلو من الرحمة والشفقة، وحب التعاون والعطاء، والإيثار وتمني الخير للآخرين، وهم أول من سيبدع في إيذائي، والشد على يدي أعدائي عند أول مِطَبٍّ للبلاء أمُرُّ فيه، وأنهم أحقر وأقذر وأخس من في الأرض ذلًّا ورخصًا ودعارة؛ فهم أول من سيبيعني عند أول محطة، ويحرِّض أصدقائي عليَّ، وينقُل إليهم أسوأ صورة عني؛ كي يرَوه ويلمحوه وهو المخفيُّ خلف كواليس المشهد يحاول الزحف بمهارة، طامعًا بسطوع وظهور ولو على متن القذر، ويتألم في الظل المعتِم، ويتحسر على ذهاب الشهرة والمدح، والتشجيع والثناء لغير مستحقها من وجهة نظره، وإياب الصيت الواسع والنَّعماء لمن ليس في اعتباره من أهل الاختصاص.

 

علمتني اللحظة السحرية أن أكسِرَ اليد الكاسرة التي تودُّ أن تمتد لكَسْرِي، من قبل أن تتجرأ حتى؛ لأني صرت أشَمُّ رائحة الحاسدين الكاسرين، الممتلئة قلوبهم غلًّا وحقدًا وحسدًا عن بعد آلاف الأميال.

 

علمتني اللحظة ألَّا أُدخِلَ بيتي بله قلبي إلا الأنقياء الصادقين الطاهرين، الأتقياء الصالحين؛ الذين لا يحبون الضرر للناس، ولا يشمتون عند مُصابهم؛ لأنني معهم فقط أفلح في أن أكوِّن ذاتي، وأقول كلمة الحق بلا أستار ولا إسرار ولا عراقيل، بل ولكونهم أول من سيأخذ بيدي على درب الحق، ويساندني كيما نصل إلى الله معًا، من دون أن يقطع سبيلنا السالك تعبٌ أو ملل أو فتنة، أو منافق مداهن متلوِّن يحترف التجارة بالدين؛ ليُضِلَّ قلوب العالمين، ويتكسب على ظهورهم.

 

زادتني اللحظة إيمانًا بعدل الله وبطشه، وأكدت لي أن انتقام الله تعالى من الظالمين قادم، مهما أراهم من حلمه، وأمهلهم، ومدَّ لهم في غيِّهم وإغوائهم، وطغيانهم وسعيهم للعلو في الأرض مدًّا، وإفسادهم لقلوب الناس، وعرفت أن كل شيء في وقته جميل؛ فلا أستبق الأحداث، كوني أعلم أن المرء يحصُد من بذور نيته؛ فاحترفت الانتظار وسكينة الروح ترافقني، وطمأنينة القلب تحُفُّني وتحتضن أركاني، وعلمت أن ما قدره الله لي كان بلا شكٍّ أتم الخير وأكمله، وإن فاتتني الحكمة من بعض الحوادث والابتلاءات، والصدمات التي لم أكن لأتخيلها يومًا أن تأتيني من أشدِّ مَن وثِقت بهم، وظَنَنْتُهم خيرة الناس؛ فيكفيني أن الابتلاءات والصدمات تلك قد قوَّمت سبيلي، وعرفت بها صاحبي الحقيقي من المزيف المصطنع المهووس بالتسابق والمقارنة والتكاثر، المتنطط عند كل سطوع ونجاح وشروق تنطط الكلاب والقرود والمجاذيب، ليلعق نجمةً، أو يلامس وردةً، أو يداني قبسًا من نور وضياء، لا سبيل له لمناله إلا بسلوك درب المتملقين المتزلفين الأدنياء، وحمدت الله كثيرًا أني كنت أنا المظلوم، ولم أكن الظالم.

 

عرَّفتني اللحظة المثالية أن الناس فعلًا ليسوا بظاهرهم، ولا حتى بكلامهم وأقوالهم التي يرددونها ويتشدقون بها، ويزينون بها أفواههم وصفحاتهم؛ فكم من كلام مستلَب مستعارٍ لا يُعبِّر عن حقيقة صاحبه، ولا يشابه بواطن قائله وسارقه، ومستحِلِّه والساطي عليه! وكم من دَرَنٍ خفيٍّ غائر يتخفَّى خلف ملاعق من سمن بلدي طيِّب وعسل!

وعرفت أن الطيبين حقًّا وفعلًا هم فقط الذين تتطابق أفعالهم مع أقوالهم ونواياهم، ولا يفترق الثلاثة، ويودع بعضهم بعضًا عند خط المنعطف، الذين يقولون ما يفعلون، ولا يتشدقون أو يتباهَون بما لا يحوون، من أدب ومحبة وطيبة، وصلاح وخشية في السر والعلن، وصدق وعِفَّة وأمانة، وفضيلة لا انتحار لها، وإخلاص لا يطلب الشهرة والسراب ولفت الأنظار، والتمتع بالقدر الأكبر من إعجاب الموسرين والكبار، وعرفت أن من كثُر كلامه الطيب وقلَّت فِعاله هو أحد اثنين: إما كاذب، وإما سارق، وكلاهما من ثمار المنافقين؛ فنبذتُهم وما وثِقت بعد ذلك بسَفِيهٍ تتمطى شفاهه بالزيف، ولا ينال قلبه من كلام الطيب نعمة التشريف.

 

وعلمت أن الناقصين لا يعرفون أن يسدوا عُقَدَ نقصهم والخلل، وتغذية أناهم والخبل، إلا بأذية الطيبين الصادقين الناجحين، وإن لم يكونوا قد آذَوهم، بل وإن كانوا أول من مدَّ لهم يده بالتشجيع على الرغم من احتياجهم لمن يسندهم، وعرفت أن الفارغ لا يفلح إلا بالنقد والحقد، وتقليد الطاهرين الناصعين، واستنساخهم بالظاهر ليس إلا، وسرقة مفرداتهم الحلوة العابقة الفوَّاحة برائحة الأحلام والزهر، ولكن أنَّى له أن يظفَرَ بنصاعة أعماقهم، أو بطُهر جنانهم والخفايا؟ وبهذا صرت لا أصدق بَريقَ القول، حتى أرى انعكاس شعاع الفعل، ولا أؤمن بنقاء السريرة، حتى ألمس سنا ارتدادها النوراني البازغ على أرض العلانية والجوارح.

 

وعلى الرغم من تتابع المحن وتوالي المصائب والابتلاءات، زاد حبي لله أكثر، وزاد رجائي وطمعي بحبه لي، وحمدته على لحظات الشدة التي صيَّرت كتابه الحكيم لي أول صاحب، وعرفت أنه لا ينبغي لي أن أصاحب إلا من استنار قلبه بنور القرآن حقًّا وصدقًا، لا زيفًا وادعاءً وتظاهرًا أمام الناس، وانعكس ذلك النور الآسِرُ الوهَّاج على لحظاته وساعاته، وأيامه ولياليه، وسائر أعوامه؛ فأرى الأقربين قبل الأبعدين منه خيرًا، وأسمعهم كلمة طيبة آسِرة غير التملُّق والتزلُّف والغزل، وقليل ما هم!

 

لحظة اللحظات علمتني أن أقرأ نفسي جيدًا لأُحسِنَ قراءة الناس فيما بعد، وأحسن قراءة كل شيء في الحياة بعد ذلك؛ إذ عرفت أن أول قراءة وأفضلها يجدر بالمرء أن يُتقنها هي قراءة ذاته، والقدرة على كتابتها على دفتر ناصع نظيف، بلا شوائب ولا حفر، ولا أخاديد ولا منزلقات، ولا حبات ناتئة نافرة، تشوِّه باطنه وتصيب أعماقه بالالتهاب؛ فعمِلت جاهدة على تغذية نفسي بما يعينها على كتابة هذا المشهد؛ مشهد نفسي وهي تتزكى وتتطهر وتترقى، وتتخلص من كل الأمراض والأحقاد، والعوالق والأقذار، والدنايا والأدران الزائدة، التي تُثقلها وتدفعها نحو حتفها وصوب سبيل الدون، وأولها مرض الكره والحسد، والنظر لما في أيدي الآخرين، وما زلت أجاهد حتى أكتب نفسي الجديدة المزكَّاة في بداية الدفتر عند أول سطر من سطور المجد والاحتفاء، ليس هنا بل هناك في دار القرار مع الأبرار، بعيدًا عن عيون المتطفلين، الطُفَيليين الزاحفين، الذين نسَوا أنفسهم، وانشغلوا بكتابة نفسي في دفترهم؛ فخانتهم الصفات والأقلام والدفاتر، وأبَوا إلا أن يكتبوا أنفسهم؛ فلوَّثوا صفاتي بصفاتهم والأكدار، واختلط الحابل بالنابل، وفاتهم أن يكتبوا أن التعريف عنهم.

لحظة اللحظات جعلتني أكثر إيمانًا أن الإيمان قول وفعل وصدقُ نيةٍ، لا مجرد مِسْبَحة يحملها التجار والوصوليون والمراؤون بالدين مُطرَّزة ظاهرة بيدٍ، واليد الأخرى تحمل الهاتف وتُصوِّر كي تقول للعالمين: هاؤم انظروا إيماني، فيما تمتد يد ثالثة في الخفاء لتسرق وتزيف وتداهن، وتغازل وتحور وتزور، وتعرقل وتعثر وتحطم، وتغش المسلمين وتنعم بالتملق والتزلف واللعب على وتر المشاعر والشهوات والغرائز، وما يُسلِّي العيون والأبصار، وتشُدُّ على أيدي الباطل بقوة، قائلةً له:  {إِنَّا ‌مَعَكُمْ ‌إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} [البقرة: 14].

 

وعرفت من اللحظة الرائعة الباهرة أن الكاذبين الماكرين الخادعين، كثيرًا ما يحذرونك من الشيء الذي يتقنونه ويبرعون فيه، ولا ينصحونك صادقين إلا بالأشياء التي يفتقدونها بجدارة، فحين تراهم يغضُّون من شأن التزين والاستعراض والبهرجة، فاعلم أنهم أول من يسبح ويغوص في بحار التبهرج، وأنهم الروَّاد فيه، وأنهم أول من سيعرض جسمه وثيابه، وتضاريسه وممتلكاته على سبيل الدعوة؛ الدعوة لله بإخلاص دون أدنى شك، وحين تراهم يحطون من قدر فِعالٍ وصفات سيئة رديئة؛ مثل: الكذب والغدر، أو الخذلان، أو الخيانة، ويشتكون منها، فاعلم أنهم أبطال العالم الأوائل في المكر والغدر، والكيد والفُجر، ونسيان التضحية والمعروف والإحسان، وارتكاب أسوأ الخيانات وأبشعها على الإطلاق، من دون التفكير بما ستخلفه خيانتهم من ندوب، وأذًى عميق بالغ في قلوب الأوفياء الصادقين، بل واعلم جيدًا أنهم أول من يتقن لعبة اقتناص الفرص، ووضع البديل دومًا على كرسي الاحتياط؛ فهم البارعون دومًا في هذا الدور الدنيء الماتع الذي يستهويهم، وهم زعماء الدبلوماسية وسفراؤها الأوائل في هذا المضمار، فلا يقطعون ولا يصِلُون، بل يؤملون الجميع ويمالؤون كل غنيٍّ؛ ليمتصوا المنافع والقوة، والدفاع والهجوم، والمصالح والأهداف، والمنصب والشهرة والدعم والجاه من جميع الجهات، ثم إنهم سيرمونك أول ما يرمونك عند أول انطلاق، أو ظَفَرٍ بالهدف المؤقَّت الوقتي الذي يعنيهم، ومن ثَمَّ سيأتون بكل وقاحة ويذكِّرونك بالتضحيات وبالبذل؛ لأنهم تركوك تلبس دور اللاعب الاحتياطي لمدة ليست بالقصيرة، كثيرًا ما تخللتها عمليات التغيير والتبديل ما بين اللحظات، فما بالك لا تشكر وتهلل أيها الجاحد؟!

 

وعلمتني اللحظة الحاسمة أجمل ما علمتني، أن أكثر من يتغنَّون بالحلم والتغافل، والأدب والأخلاق الجميلة، ويقدِّسونها، ويحدِّثونك عنها حديث الأنبياء الصالحين، هم كفار قريش فيها، وأنهم أخبث الناس وأكثرهم ادعاءً للعفو والطيبة والتسامح؛ فهم الماكرون أبدًا، الطاعنون خفيةً، القارصون صمتًا، الممرِّرون أذاهم بأسفل الطرق وأحقرها، وأكثرها سفهًا ووضاعة، ومنهم فقط قد تعلمت أن أُحب الغاضبين الواضحين العفويين، الذين يعبرون عن انفعالهم حين يغشاهم الأذى ولا يخفونه؛ لأنهم وحدهم هم الصادقون الطيبون الذين لن ينتقموا فيما بعد، أو يحملوا في صدورهم حقدًا وكرهًا، وغِلًّا وبغضا، ومَوجدةً تتفتح عند اللحظة الأشد ضعفًا في صدور خصومهم، أو من صيَّرهم “الأصدقاء” لهم خصومًا مع سبق الإصرار والترصد؛ لغاية في نفوسهم ليس إلا.

 

فقِفْ على ناصية التبلُّد والتحجُّر، وادفع بكل قواك وإيمانك ويقينك من أراد أن يطفئ في عينيك نورًا، أو جذوةً مضيئة، أو بصيصَ أملٍ، أو حلمًا واعدًا جميلًا؛ ليزرع في مكانها – حقدًا وحسدًا وعَتَمَةً من عند نفسه الشحيحة اللئيمة الخبيثة المظلمة – بذور التشكك والتردد والشعور بالحرج، والظن أنك تفعل شيئًا غير لائق، وأنت تقوم بأفضل شيء على كل مؤمن صدوق أن يقوم به، لا أن يقوم عليه، ويستخدمه للتسلق والوصول، ولو اقتضى الأمر أن يمرغ ذاته في الدناءة والغواية والوحول، وادعاء الرقي والأخلاق، وخشية الله تعالى ومعيته بعد ذلك!‏

 

فإلى كل حاقد وكل حاسد، كل تافه وكل سخيف، كل فارغ وكل أخرق، وكل سفيه وكل رديء، وكل جاهل وكل أحمق، وكل سارق وكل نصاب، وكل مراقب وكل دساس، وكل شحيح ذي فحيح، وكل نمام وكل معثر، وكل هامز وكل لامز، وكل فتَّان وكل معكر، وكل مغتاب وكل غادر، وكل صامت الأحقاد ونابح، وكل متسبب بشدة وابتلاء أو مساهم فيه، وكل شامت أو محرِّض، أو متآمر أو متشفٍّ، وكل ناصب للحيل والكيد والمؤامرات، وكل حافر حفرةً ليقع فيما بعد فيها، وكل خسيس وكل رخيص، وكل وضيع وكل رذيل، وكل ذليل وكل تائه، وكل متسول وكل متمسكن، وكل متلوِّن وكل دجَّال، كل مداهن وكل مظلِم، وكل ظالم متظلم وقح، صفيق بلا حياء يرتدي دور الضحية، جرَّب طويلًا أن يُطفِئنا، فما زادنا إلا اشتعالًا وضياءً ولمعانًا ونورًا، وانتظر بشغف أن يسمع أنينَ كسرنا؛ فمزقت أذنيه نشوةُ نصرنا وفَخَارنا، رغم تباريح الألم، ورغم وقوعنا فيما لا نفهمه ولا نستوعب قسوته.

 

إليكم أيها الوصوليون المخلصون، يا أصحاب الوجوه المتعددة، والمواقف المتعددة، والمشاعر المتعددة، والوعود المتعددة، والنفاق الواحد، شكرًا على اللحظة التي أهديتمونا؛ فقد قوَّيتمونا وزدتمونا نضجًا على نضجنا الأبيض الناصع، الطفولي الرائع، المتجدد بالبراءة الثابتة النادرة عبر الفصول، وأضفتم على لحظاتنا الثرية المولودة كل لحظة
مزيدًا من الثقة بالله، واليقين بقرب وعده، ونصره للمؤمنين الصادقين.

 

شكرًا وألف ألف شكر، على لحظة الصدق، التي عرفنا بها عبركم كم في الكون من قناع جميل ساحر، يتمشَّى خلفه وحش أو مسخ، أو مارد قبيح متنكر في صورة البشر، لكنه شيطان رجيم، قد يصدقنا وهو كذوب، فاستعذنا بالله من شرور الشياطين، ولُذْنا بجَنابِ الله وسِرْنا وتوكلنا عليه؛ وقلنا:  {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ‌ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وزدنا:  {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ‌الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].

 

فشكرًا لكم على لحظة الصدق الغالية، لحظة الكشف والتجلي، لحظة “البيان والتبيين”، ولحظة “النظرات” و”العبرات”، لحظة “المحاسن والأضداد”، لحظة “البخلاء”، ولحظة “الحيوان”، لحظة “قطيع الذئاب”، ولحظة “أرض السافلين”، لحظة “النفاق الاجتماعي”، ولحظة “النفاق والمنافقون”، لحظة “مداخل الشيطان، ولحظة “تلبيس إبليس”، لحظة الفَهم والإيحاء “ووحي القلم”، لحظة: “هكذا علمتني الحياة”، ولحظة “حياتي”، لحظة “تحت راية القرآن”، ولحظة “مجالس القرآن”، لحظة الانتقاء النادر “مع الناس”، و”الأيام”، لحظة “البواكير”، ولحظة “البداية والنهاية“، لحظة “حرب الكلب الثانية”، ولحظة “صفحات مضيئة”، لحظة “حين أضاء الكون”، ولحظة “يوسفيات”، لحظة “الفوائد”، ولحظة “تهذيب مدارج السالكين“، لحظة “صوت العالم”، ولحظة “صيد الخاطر”، لحظة “لأنك الله”، ولحظة “ما أعظمك”، لحظة: “توحيد الألوهية”، ولحظة: “شكرًا أيها الأعداء”، لحظة غير كل اللحظات.

________________________________________________
الكاتب: نورا عبدالغني عيتاني


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *