أصل هذا الدعاء المبارك، أن رجلاً من بني كنانة قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فسمعته يقول…
«اللَّهُمَّ لاَ تُخْزِنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([1]).
أصل هذا الدعاء المبارك، أن رجلاً من بني كنانة قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فسمعته يقول: «اللَّهم لا تخزني يوم القيامة» .
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول هذه الدعوات، فعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات كلّما سلّم): ( «اللَّهم لا تخزني يوم القيامة، ولا تخزني يوم البأس، فإن من تخزه يوم البأس فقد أخزيته» )([2]).
المفردات:
الخزي: يقال خزي الرجل: لحقه انكسار، إما من نفسه، أو من غيره([3])، وخزي يخزي خزياً، أي: ذلَّ وهان ([4]).
البأس: البأس والبؤس والبأساء كلها الشدة والمكروه([5]).
الشرح:
دلّ قول الصحابي: «(كان رسول اللَّه يدعو بهذه الدعوات كلّما سلّم)» على أهمية هذه الدعوات، وذلك أن فعل المضارع بعد كان يدل على المداومة على الفعل، والاستمرارية عليه، وقد تقدَّم ذكر ذلك مراراً، وقوله: (كلما سلم): يحتمل قبل السلام أو بعد السلام، وكلا الموطنين موطن عظيم في الإجابة، كما بينا في آداب الدعاء.
هذه الدعوة المباركة شبيهةٌ بدعوة خليل الرحمن في قوله تعالى: ” {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} “([6])، وقد شرحناها، وهي برقم (35)، فاجتمع عليهما الصلاة والسلام في هذه الاستعاذة المهمة.
قوله صلى الله عليه وسلم «(اللَّهم لا تخزني يوم القيامة)» أي: يا اللَّه لا تذلّني، وتهينني بالتوبيخ على الذنوب والمعاصي، والعقوبة عليها، والفضيحة بها أمام الخلائق يوم القيامة، استعاذ صلى الله عليه وسلم ليكون ملازماً للخوف والخشية، وهضم النفس، وتعليماً لأمته بملازمة هذه الدعوة، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم مغفور له ما قدم وما أخر.
قوله: «(ولا تخزني يوم البأس)» : أي يوم الشدة، والمكاره، وشدة الحاجة، والافتقار.
ثم علّل سبب دعوته: «(فإن من تخزه يوم البأس فقد أخزيته)» : أي فقد ذلّلته وأهنته، وفي هذا التفصيل في الدعاء، وتعليل سبب الدعوة، دون الإيجاز والاختصار، كما بيَّنا سابقاً([7])؛ لأنه مقام عبودية، فكلّما بسط العبد الدعاء، وزاد فيه، زادت عبوديته المقتضية لكثرة الثواب والأجر، وكذلك بثّ الشكوى إلى اللَّه تعالى، واستحضار ما يدعو به العبد، فتضمن هذا الدعاء سؤال اللَّه تعالى السلامة من كل المكاره في الدنيا والآخرة، وأنه يحسن بالداعي أن يذكر علة وسبب دعوته؛ فإنها من سنن الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، كما تقدّم في أدعية الكتاب، واللَّه تعالى الموفق إلى الهدى والصواب.
([1]) أحمد في المسند، 29/ 596، برقم 18056، وقال محققو المسند: (إسناده صحيح)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 3/ 20، برقم 2524 بلفظ: (اللهم لا تخزني يوم القيامة، ولا تخزني يوم البأس).
([2]) أخرجه ابن السني قس عمل اليوم والليلة، برقم 129، وقال محققه سليم الهلالي: <إسناده صحيح>، وأورده ابن أبي حاتم في علل الحديث، برقم 2065.
([3]) المفردات، 281.
([4]) النهاية، 263.
([5]) تذكرة الحفاظ، 1 / 153.
([6]) سورة الشعراء، الآية: 87.
([7]) ارجع إلى الدعاء رقم (84)، فهناك توسع في الشرح.
Source link