وهم قلة من القلة التي لم تشرب من النهر بعد أن رسب معظم الجيش وعصى أمر الله وشرب.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
في حديث القرآن عن الفئة التي نصرها الله مع طالوت, لو تدبرت سياق الآيات لوجدت أن من نزل النصر عليهم هم القليل الذين حققوا الإيمان الصحيح وتوكلوا على الله حق التوكل، وهم قلة من القلة التي لم تشرب من النهر بعد أن رسب معظم الجيش وعصى أمر الله وشرب.
فمن نجح في اختبار النهر كانوا قليل، وهؤلاء القلة فقط هم من سمح لهم باستكمال القتال مع طالوت لاسترداد الديار والذرية والكرامة.
وتدبر رمعي حال وحوار من نجحوا في اختبار النهر ، فأطاعوا الله ولم يشربوا أو اكتفوا بغرفة واحدة باليد وهذا أقصى المسموح به.
هؤلاء الذين نجحوا في الاختبار هم (الملتزمون) الذين أطاعوا أمر الله.
ولما جاء دور الفئة الملتزمة لملاقاة العدو اتضح أن الكثير منهم ضعيف الإيمان ضعيف التوكل على الله، كثير الخوف من الأعداء، فكان موقفهم مثبطاً عن الجهاد وعن تحقيق النصر حين قالوا لإخوانهم: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده!!!
وتأمل أن هذا القول في سياق الحديث عن الفئة المؤمنة التي أكملت الطريق مع طالوت {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}
هنا برز دور القلة الثابتة صاحبة الإيمان القوي من بين المخذلين من إخوانهم في الصف المؤمن.
وهذا يحتاج منا إلى انتباه… أن الصف المؤمن ذاته دب فيه ضعف الإيمان وقلة التوكل بعد أن نجح في اختبار النهر وحقق (الالتزام ) بطاعة الله.
ولم يستطع قيادة القاطرة المؤمنة مع طالوت إلا القلة فائقة الإيمان من بين القلة المؤمنة التي نجحت في الاختبار، وكان موقفهم المشرف وقولهم الراسخ: { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
وهؤلاء هم وقود الدعوات وهؤلاء هم من يتنزل عليهم النصر
تأمل معي بعدما قرأت السطور الماضية سياق القرآن في الحديث عنهم من خلال عرض الآية كامة وتفسيرها وراجع نفسك أين أنت من كل هذا؟؟!!!
قال الإمام السعدي في تفسيره:
أي: لما تملَّك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك تجهزوا لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك فقال: { { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني} } فهو عاص ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته { {ومن لم يطعمه} }- أي: لم يشرب منه فإنه مني { { إلا من اغترف غرفة بيده} } فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلا على الله، وتضرعا واستكانة وتبرؤا من حولهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم، فلهذا قال تعالى: { { فلما جاوزه} }- أي: النهر { { هو} }- أي: طالوت { { والذين آمنوا معه } } وهم الذين أطاعوا أمر الله ولم يشربوا من النهر الشرب المنهي عنه فرأوا…
قلتهم وكثرة أعدائهم، قالوا- أي: قال كثير منهم { { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} } لكثرتهم وعَددهم وعُددهم { { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله} }- أي: يستيقنون ذلك، وهم أهل الإيمان الثابت واليقين الراسخ، مثبتين لباقيهم ومطمئنين لخواطرهم، وآمرين لهم بالصبر { { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} }- أي: بإرادته ومشيئته فالأمر لله تعالى، والعزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، فلا تغني الكثرة مع خذلانه، ولا تضر القلة مع نصره، { { والله مع الصابرين} } بالنصر والمعونة والتوفيق، فأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظته في قلوبهم وأثرت معهم.
Source link