منذ حوالي ساعة
«اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجَالِ »
وسيأتي بعده باب دعاء الكرب: والفرق بين الكرب والحزن؛ أن الكرب حزن مع شدة، وبين الهم والحزن، قيل: هما واحد، وليس كذلك؛ فإن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، والهم: هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقول: همني الشيء؛ أي: أذابني.
«(اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبدِكَ، ابْنُ أمَتِكَ، نَاصِيَتي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بهِ نَفْسَكَ، أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أوْ عَلَّمْتَهُ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيْعَ قَلبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وجَلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي)»
– صحابي الحديث هو عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قوله: (إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك) إظهار التذلل والخضوع، والاعتراف بالعبودية؛ وإنما لم يكتف بقوله: (إني عبدك) بل زاد فيه: (ابن عبدك، ابن أمتك..)؛ لأن هذا أبلغ وآكد في إظهار التذلل والعبودية؛ لأن من ملك رجلاً ليس مثل من ملكه مع أبويه.
قوله: (ناصيتي بيدك) كناية عن نفوذ حكمه فيه، وأنه تحت قدرته وقهره.
قوله: (ماضٍ فيَّ حكمك) أي: نافذ فيَّ حكمك.
قوله: (عدل فيَّ قضاؤك) أي: كل ما تحكم فيَّ فهو عدل؛ لأن العدل صفتك، والظلم محال عليك؛ والعدل: وضع الشيء في محله، والظلم خلافه.
قوله: (أسألك) إلى آخره، شروع في الدعاء بعد إظهار التذلل والخضوع، وهذا من آداب السائلين، وهذه الحالة أقرب إلى إجابة السؤال، لا سيما إذا كان المسؤول منه كريماً، والله تعالى أكرم الأكرمين، إذا تضرع إليه عبده، وتذلَّلَ له، وأظهر الخضوع والخشوع، ثم سأل حاجة ينفذها في ساعته، على ما هو اللائق بكرمه وجوده.
قوله: (بكل اسم) أي: بحق كل اسم.
قوله: (هو لك) احترز به عن غير اسم الله؛ لأنه لما أقسم بكل اسم، وهو عام لجميع الأسماء، أخرج عنه ما هو اسم لغيره بقوله:
(هو لك)؛ لأن القسم بغير اسم الله لا يجوز.
قوله: (سميت به نفسك) فكأن هذا تفسير لما [قبله]؛ لأن كون الاسم له أن يكون اسماً لنفسه.
قوله: (أو أنزلته في كتابك) أي أنزلته على أحد من أنبيائك في كتابك الكريم.
قوله: (أو علمته أحداً من خلقك) أي: من الأنبياء والملائكة.
قوله: (أو استأثرت به) أي: أو خصصت به نفسك في علم الغيب؛ بحيث أنه لا يعرفه إلا أنت، ولا يطلع عليه غيرك، وهذا كله تقسيم لقوله: (بكل اسم هو لك).
وقد استفيد من هذا أن لله أسماء خلاف ما ذكر في القرآن، وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن قوله صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة) للحصر.
قوله: (أن تجعل القرآن ربيع قلبي) أي: فرح قلبي وسروره، وجعله ربيعاً له؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه، ويخرج من الهم والغم، ويحصل له النشاط والابتهاج والسرور.
قوله: (ونور صدري) أي: انشراح صدري؛ لأن الصدر إذا كان منشرحاً يكون منوراً.
قوله: (وجلاء حزني) أي: انكشاف حزني.
قوله: (وذهاب همي) أي: زواله عني.
وجاء في نهاية الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً)
«(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجَالِ) »
صحابي الحديث هو أنس بن مالك رضى الله عنه.
وجاء في بداية الحديث؛ قول أنس رضى الله عنه: فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول:…
قوله: (الهم والحزن) قال الطيبي رحمه الله: (الهم في المتوقع، والحزن فيما فات).
قوله: (وضَلَع الدَّيْن) أصل الضَلَع الاعوجاج، يقال: ضَلَعَ يَضْلَع؛ أي: مال؛ والمراد به هنا ثقل الدين وشدته؛ وذلك حيث لا يجد مَن عليه الدين وفاء، ولا سيما مع المطالبة.
وقال بعض السلف: (ما دخل هَمُّ الدَّين قلباً، إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه).
قوله: (وغلبة الرجال) أي: قهرهم وشدة تسلطهم عليه؛ والمراد بالرجال الظلمة أو الدائنون،واستعاذ صلى الله عليه وسلم من أن يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس.
قال الكرماني رحمه الله: (هذا الدعاء من جوامع الكلم؛ لأن أنواع الرذائل ثلاثة: نفسانية وبدنية وخارجية؛ فالأولى بحسب القوى التي للإنسان؛ وهي ثلاثة: العقلية والغضبية والشهوانية؛ فالهم والحزن يتعلق بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوانية، والعجز والكسل بالبدنية، والضَلع والغلبة بالخارجية؛ والدعاء مشتمل على جميع ذلك) بتصرف.
Source link