نعمة الغيث – محمد بن إبراهيم السبر

منذ حوالي ساعة

إِنْزَالُ الغَيثِ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ، وَقَدْ يَمَسُّكُهُ لِحُكْمَةٍ يَعْلَمُهَا: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

الْحَمْدُ للهِ، الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدْرٍ، نَقِيًّا مِنَ الشَّوَائِبِ وَالْكَدَرِ، فَعَمَّ بِهِ الْبَوَادِي وَالْحَضَرَ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ وَحُقَّ لَهُ أَنْ يُشْكُرَ، وَنَشْهَدُ أَلَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الشَّافِعُ الْمُشَفّعُ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَصَحْبَهُ السَادَةِ الغُرَرِ.

 

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ،  {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ نَعَمَ اللهِ عَلَى العِبَادِ لَا يَحُدُّهَا حَدٌّ، وَلَا يُحْصِيهَا عَدٌّ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهَا أَحَدٌ، نِعَمَ عَامَّةٌ، سَابِغَةٌ تَامَّةٌ،  {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]. فَعَطَاؤُهُ مَمْدُودٌ، وَفَضْلُهُ مَحْمُودٌ، يَهُبُّهُ لِمَنْ يَشَاءُ لِيَذْكُرَهُ وَيَحْمَدَهُ وَيَشْكُرَهُ، وَمَنْ عَرْفَ النَّعَمَةَ شَكْرَ، وَمَنْ أَنْكَرَهَا خَابَ وَخَسِرَ.

 

وَمِنْ أَجَلِ النِّعَمِ نَعْمَةُ الْمَاءِ، فَهُوَ سِرُّ الْوُجُودِ، أَرَخَصُ مَوْجُودٍ، وَأَغْلَى مَفْقُودٍ، كَمَا أَخَبَرَ رَبُّنَا الْمَعْبُودُ  {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30].

 

وَإِنْزَالُ الغَيثِ أَمْرٌ بِيدِ اللهِ، لَا بَيْدِ غَيْرِهِ، فَهوَ مِنْ دَلَائِلِ رُبُوبِيَتِهِ سُبْحَانَهُ؛  {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

 

إِنْزَالُ الغَيثِ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ، وَقَدْ يَمَسُّكُهُ لِحُكْمَةٍ يَعْلَمُهَا: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]. وَلحِكْمَتهِ تَعَالَى يُقَدِّرَ عَلَى عِبَادِهِ الْقَطْرَ؛ فَيُنْزِلُهُ لِأُمَّةٍ وَيَحْجِبُهُ عَنْ أُمَّةٍ أُخْرَى، وَيُنْزِلُهُ عَلَى أَرَضٍ وَيَمْنَعُهُ عَنْ أُخْرَى؛  {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27]. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَّ اللهُ عَنْهُمَا: ” لَيْسَ عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرَاً مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللهَ يَصْرِفُهُ أَيْنَ شَاءَ “، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: 50].

 

نُزُولُ الْغَيْثِ رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، وَبَرَكَةٌ عَلَى خَلْقِهِ، وَرُبَّمَا يَكْوُنُ بَلاءً وْعَذَابَاً، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِّيَ اللهُ عَنْهَا-: كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى غَيْمَاً أوْ رِيحَاً عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أنْ يَكونَ فِيهِ المَطَرُ، وأَرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ؟! فَقالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤْمِنُّنِي أنْ يَكونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا»؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

فِي نُزُولِ الْغَيْثِ دَليلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39].

 

وَالْوَاجِبُ شُكْرُ اللهِ وَحَمْدُهُ عَلَى نِعَمِةِ،  {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}، وَمِنْ شُكْرِ نِعَمَةِ الْغَيْثِ نِسَبَتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى خَالِقِهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ التَّوْحِيدِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ»؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَاسْتِنْزَالُ الْقَطْرِ بِتَحْقِيقِ الْإيمَانِ وَالتَّقْوَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وَلُزُومِ الْاِسْتِقَامَةِ: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]، وَكَثْرَةِ الْاِسْتِغْفَارِ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].


[1] للشيخ محمد السبر، قناة التلغرام https://t.me/alsaberm


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حارس الإيمان ( الحياء) – محمد سيد حسين عبد الواحد

استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ ، قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *