انتشر بين أهل هذا العصر بل حتى بين العلماء وطلبة العلم أن أحدهم إذا رأى شيئا وأعجبه قال : ما شاء الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
انتشر بين أهل هذا العصر بل حتى بين العلماء وطلبة العلم أن أحدهم إذا رأى شيئا وأعجبه قال : ما شاء الله، وربما عداها بعلى فقال: ما شاءَ اللهُ على فلانٍ، أو”ما شاء اللهُ لا قوةَ إلا بالله” وهذا الذكرُ في مثلِ هذا الموطنِ بدعةٌ إضافيةٌ لأن الذكرَ عبادةٌ توقيفيةٌ على الأدلةِ الشرعيةِ والأصلُ فيها المنعُ والحظرُ ويُشترطُ لقبولِها بعدَ الإخلاصِ للهِ تعالى متابعةُ النبيِ صلى الله عليه وسلم أي (أن تفعلَ كما فعلَ لأجلِ أنه فعلَ، وأن تتركَ كما تركَ لأجلِ أنه تركَ) والفعل هنا يشمل القول والعمل، وكان هذا الذكر بدعة إضافية لأن له أصلا في الشرع وهو قول ( ما شاء الله) لكن خالف قائلُ هذا الذكرِ السنةَ من حيث المتابعة في الصفة والسبب، والمتابعة لا تكون إلا بالذكر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع ذلك السبب بالصفة التي وردت عنه سواء خشي الذاكر إصابة غيره أو لم يخش إصابته، والسبب بيَّنه قوله صلى الله عليه وسلم «(إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه) »
وفي رواية « (إذا رأى أحدُكم ما يُعجبُهُ في نَفسِهِ، أو مالِهِ فليبرِّكْ علَيهِ فإنَّ العَينَ حقّ)» فعلقَت النصُوصُ السببَ على الرؤيةِ والإعجابِ، والسببُ هو ما رتبَ الشرعُ على وجودِه وجودَ الحكمِ، وعلى عدمِه عدمَ الحكمِ، وأما الصفةُ فبينها قوله صلى الله عليه وسلم «( ألا برّكت )» وقوله «( فليبرِّكْ علَيهِ ) » ثم زاد الأمر بياناً بقوله «(فليدع له بالبركة)» فدلت هذه الصيغ على أن الدعاء بالبركة في هذا المقام واجب عيني ويؤكد الوجوب أنه لا يجوز الإضرار ابتداءً أو القصد إليه، لأن العين حق وضررها كبير ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم سماها قتلا بقوله «(علام يقتل أحدكم أخاه)» والحال أن العين والبركة كلاهما من الغيب فلا ينفع في هذا المقام إلا الاتباع وكل لفظ ليس عليه أمر الشارع فهو مردود على صاحبه، ثم قطع النبي صلى الله عليه وسلم الطريق على الاجتهاد والتقليد والابتداع بقوله كما في صحيح ابن حبان ( اللَّهمَّ بارِكْ فيه وبارِكْ عليه ) وفي رواية صحيحة دعا لعروة البارقي بالبركة في بيعه فقال « (اللَّهمَّ بارِكْ له في صفقةِ يمينِه) »
وفي حديث حنظلة قال «(فادعُ اللهَ لهُ ، فمسحَ رأسَه وقال : باركَ اللهُ فيك أو بُورك فيك)» وهذا غيض من فيض وإنك لن تجد في كتب السنة الصحيحة إلا «(اللهم بارك له أو عليه أو فيه أو بارك الله له أو عليه أو فيه أو بورك له أو فيه)» وأما «(ما شاء الله)» فهي جملة فعلية في محل نصب بالقول وفي التنزيل (قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) وجملة (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) مقول القول وإخبار عن قوة الله ومشيئته، ولذلك لما قالَ رجل للنبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ «(ما شاءَ اللهُ وشئتَ قال له: أجعلتني للهِ ندًا ؟ قلْ : ما شاءَ اللهُ وحدَه)»
وباستقراء سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنك لن تجد استعمال (ما شاء الله) إلا في مثل قوله «(فَنَزَعْتُ ما شاءَ اللَّهُ أنْ أنْزِعَ)» وقوله «(فَيَدَعُنِي ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَدَعَنِي)» وقوله ( «فَلَبِثَ عُمَرُ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَلْبَثَ)» وقوله « (فَقالَ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ)» وقوله «(سَكَتَ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَسْكُتَ)» وَهَذِهِ لَفْظَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى لِسَانِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ عَلَى أَلْسِنَةِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- لإثبات المشيئةِ والحولِ والقوةِ لله تعالى على ما يليق به سبحانه وليس هي لدفع العين ويشهد لهذا: الحديث الضعيف سندا والصحيح معناً «(سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)» وفي هذا الاثر بيان أن المقدر المحذوف في قوله (ما شاء الله) هو الكينونة سواء قلنا “كان” أو “كائن” وأما استدلالهم بآية ( ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله) فهو بعيد وضعيف، قال البغوي في تفسيره (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ، يَعْنِي الْكَافِرُ… وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، بِكَفْرِهِ، قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ، تَهْلَكَ، هذِهِ أَبَداً…فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا لَا تَفْنَى أَبَدًا وَأَنْكَرَ الْبَعْثَ… فقال له المسلم (هَلَّا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ {{قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ}} أَيِ: الْأَمْرُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَقِيلَ: جَوَابُهُ مُضْمَرٌ أَيْ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَقَوْلُهُ: {{لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}} أَيْ: لَا أَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ مَالِي أَوْ دَفْعِ شَيْءٍ عَنْهُ إِلَّا [بِإِذْنِ اللَّهِ]) فالآية حوار بين مؤمن وكافر , فالكافر قال عن جنته التي رزقه الله اياها : {(ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة )} فكفر بالبعث وتألى على الله فرد المؤمن عليه كفره فحضه على مقالة لو اعتقدها رجع عن مقالته تلك في الحكم على جنته بأنها لا تبيد أبدا , ليذهب عنه العجب فيعتقد بأنها تحت مشيئة الله وقوته , وأنه سبحانه وتعالى متفرد بذلك فقال {(ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله)} أي آمن بأن ما أنت فيه من خير وجنة فإنما هو بقدرة الله وحوله وقوته فقل ذلك مقالة المعتقد لذلك فكان كلام المؤمن للكافر إنما هو دعوة للإيمان بالله واسناد الأمر إليه وترك الإشراك والكفر به, ولم يكن تعليما للكافر ذكرا لدفع العين عن جنته فانقاذ الدين أولى من انقاذ الجنة من التلف، وانقاذ الآخرة أولى من انقاذ الدنيا فالأخرة خير وأبقى ثم إنه من المتفق عليه أن الكافر لا يدعى إلى فعل العبادات حتى يوحد الله، والأصلَ الذي لا اختلافَ فيه بين الأُمَّةِ أنَّ الكفَّارَ مخاطَبون بالإيمانِ، أمّا فروعُ الإيمانِ فالذي ينبغي أن يُعلَمَ أنَّ الكافرَ غيرُ مخاطَبٍ بفِعلِها حالَ كفرِه؛ لأنَّه إن أدَّاها -وهو على هذه الحالِ- لم تُقْبَلْ منه، ولم يصحَّ ما يؤدِّيه من فروعِ الإيمانِ إلاّ بعد تحصيلِ أصلِ الإيمانِ، ، فقول (ما شاء الله) على ما تقدم ليست لدفع العين وليست دعاءً للمعين بالبركة، فلا يجزأ لفظ غيرما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتبقى ذمة القائل مشغولة ولا تَبْرأ إلّا إذا أدَّى ما عليه وامتثل الأمر واللفظ النبوي، فلا تغامر يا عبد الله بحسناتك ولا تكثر غرماءك وتؤذي إخوانك، واعلم أصلحك الله أن عدم الامتثال إفلاسٌ وكِبْرٌ إذ هو بَطَرُ للحَقِّ، وغَمْطٌ للنَّاسِ، وليكن حظُّ المؤمن منكَ ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تُفرِحهُ فلا تغُمّه، وإن لم تمدحه فلا تذُمّه، وَكُفُّ شَرِّكَ عَنِ النَّاسِ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
كتبه محمد بن عبد الله يسير
Source link