منذ حوالي ساعة
كثيرٌ من الناس إذا وصلوا إلى ما كانوا يتمنَّونه، تذكَّروا وتحدَّثوا مع غيرهم -بابتهاج- عن أحوالهم السابقة الصعبة، وما بذلوه من جهود لتجاوزها؛ فطبيبٌ ذائع الصيت يتذكّر ويتحدّث عن أيّام الدراسة وطولها وصعوبتها، وتاجرٌ يسترجع أيام ضيق ذات اليد، وموظفٌ ذو منصب رفيع يسرد ما مرَّ به حين كان في وظيفة متواضعة وبراتب زهيد، وغيرهم كثيرٌ كثير.
كثيرٌ من الناس إذا وصلوا إلى ما كانوا يتمنَّونه، تذكَّروا وتحدَّثوا مع غيرهم -بابتهاج- عن أحوالهم السابقة الصعبة، وما بذلوه من جهود لتجاوزها؛ فطبيبٌ ذائع الصيت يتذكّر ويتحدّث عن أيّام الدراسة وطولها وصعوبتها، وتاجرٌ يسترجع أيام ضيق ذات اليد، وموظفٌ ذو منصب رفيع يسرد ما مرَّ به حين كان في وظيفة متواضعة وبراتب زهيد، وغيرهم كثيرٌ كثير.
متى ما تذكر الإنسانُ ماضيه وصعوباته، وقارنه بجمال حاضره وإشراقاته، ثم نسب ذلك التحوّل المبهج السعيد إلى المنعم المتفضل سبحانه، وحمده عليه؛ تجدّد له شعور السعادة بما هو فيه، وزالت عنه رتابة النعمة وألفتها، وانشرح صدره بها، وابتعد عن العُجب بنفسه، وتواضع، ولم يزدرِ من هو أقلّ منه، لأنه قد مرّ بمثل حاله: { (كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)} ، ومن كانت هذه حاله، ازدادت عليه نِعم الله وتوالت إليه أفضاله.
إن من أخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أنه يُخبر ببداياته المتواضعة بعدما خصّه الله به من الاصطفاء بالنبوة، وعلو المكانة؛ فقد قال: «(مَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا إِلَّا رَعى الْغَنَم. قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنتُ أرعاها على قَرارِيط لِأَهْلِ مَكَّةَ)» [رواه البخاري] .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أميرٌ على المؤمنين، يُحدِّث عن أول أمره، وكيف كان؛ ليُطامن من نفسه، ويُبعد عنها الكِبر، فقد قال يوماً لرعيته: “يا أيها الناس! كنتُ صغيراً أرعى الغنم لأهل مكة، فكنتُ آخذ الغنم فأسقيها وأحلبها، وأنظف من تحتها، ويعطونني أجري على حفنة من التمر، يضعونها بين يديَّ. فإن كنتم لا تعلمون أني كنتُ أفعل ذلك فاعلموا“. وكان إذا ذكّره أحدٌ بماضيه، كيف كان، ثم ما صار إليه، ليُحذِّره أن يغتر بحالته الحاضرة فيبطر ويتعالى يتأثر بذلك، فقد رُوي أن امرأة لقيته فقالت له: “هيه يا عمر! عهدتك وأنت تسمى عُميراً في سوق عكاظ تصارع الصبيان، فلم تذهب الأيام والليالي حتى سُمّيت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سُميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية“، فبكى رضي الله عنه.
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يذكُر للناس تقلبات أحواله، وكيف كانت بداياته، ثم كيف أصبحت حاله، فيقول: “نشأتُ يتيماً، وهاجرتُ مسكيناً، وكنت أجيراً عند ابنة غزوان بطعام بطني، ثم أصبحت أميراً على البحرين“.
وفي مقابل ما سبق؛ فإن نسيان الإنسان ما كان عليه من ضعف أو فقر أو جهل، مدعاةٌ للاستكبار والغطرسة، ولهذا ذكّر القرآنُ المستكبرَ المتعالي بأصل خَلقِه، ليرعوي ويكف عن غروره؛ فقال سبحانه: {(أولم يرَ الْإِنسَانُ أنّا خَلقنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ)} .
ومما يُحكى: أن صديقين كانا متآلفين متعاونين، فأصاب أحدهما مالاً وغنى، فتنكَّر لصاحبه وتغيّر عليه، فأنشده صاحبه:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة *** وأصبحت ذا يُسرٍ، وقد كنت ذا عُسر
لقد كشف الإثراء منك خلائقاً *** من اللؤم كانت تحت ثوبٍ من الفقر
إن تغيّر الأحوال إلى الأفضل، وتتابع النعم؛ اختبار وابتلاء من الله تعالى لعبده، ليرى ما هو صانع، فإن شكرَ ربَه وقام بحق النعمة، زاده الله وأفاض، وإن نسَبَ ما هو فيه إلى علمه وعمله، ولم يقم بحق النعمة، سُلب ما هو فيه، أو لم يستمتع بها، فكانت وبالاً عليه.
كتبه/ منصور بن محمد الـمقرن
Source link