منذ حوالي ساعة
في وصية مطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير لابنه قال: (إن شرَّ السَّيرِ الحَقحَقة)، والحَقْحَقَةُ أن يستفرغ المسافرُ وسعَه في السَّير ويشتدَّ في بذل جهده حتى ينقطع ظهرُه وتهلك نفسُه.
في وصية مطرِّف بن عبد الله بن الشخِّير لابنه قال: (إن شرَّ السَّيرِ الحَقحَقة)، والحَقْحَقَةُ أن يستفرغ المسافرُ وسعَه في السَّير ويشتدَّ في بذل جهده حتى ينقطع ظهرُه وتهلك نفسُه.
صباحكم تؤدةٌ واقتصاد.
ذكر المفسِّرون في قول الله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} معنىً لطيفا، وهو أن الله سبحانه وتعالى لما نهى النساء عن الخضوع بالقول لئلا يطمع من في قلبه مرض، ربما توهَّم متوهِّم أن في هذا أمراً للنساء بإغلاظ القول وتخشين الكلام والتجاوز في الخطاب، فرفَعَ الحقُّ سبحانه هذا الوهمَ بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وهذا المعنى اللطيفُ الشريفُ حاضرٌ في نصوص الشريعة، فتجد الشارعَ إذا أمر بأمر، وكان ربما يُوهِم معنىً غيرَ مرادٍ، سرعان ما يُتبِعه بكشف اللبسِ ورفع الوهم، كما ذكره بعض المفسرين عند قوله سبحانه: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}، وذلك أنه لما قال الحق سبحانه: {رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ} ربما وهِمَ بعضُ الناس فظنَّ اختصاص ربوبيته سبحانه بتلك البلدة! فأعقب ذلك بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}.
وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا عليها»، لما كان نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور قد يُوهِم تعظيمَها وتقديسَها أتبعَه بالتحذير من المبالغة في تعظيمها والنهي عن جعلها قبلةً.
(وهذا بابٌ لطيفٌ من أبواب العلم والنصح والإرشاد) كما قال ابنُ القيم، وقد توسَّع ابن القيم في ذكر شواهد هذا المعنى حتى قال: (وهذا كثيرٌ جداً في القرآن والسنة، وهو باب لطيف من أبواب فهم النصوص).
وجعله أبو عبد الله في «إعلام الموقعين» من الفوائد التي لا بدَّ للمفتي من اعتبارها، فقال: (إذا أفتى المفتي للسائل بشيء، ينبغي له أن ينبِّهه -على وجه الاحتراز- مما قد يذهبٌ إليه الوهمُ منه من خلاف الصواب)، وهو معنىً لطيفٌ مهم، وهذه طريقة قرآنية نبوية، وتكثر في كلام العلماء الربانيين.
وأنت اليوم إذا رأيت بعض الناس -ممن ضاق عطَنُه وقلَّ علمُه- يُلقِي مشكلات العلم ودِقاق المسائل على عامة الخلق بعبارةٍ فضفاضة وكلامٍ موهم ولفظٍ ركيك ثم يقول: هذا هو الحق وليغضب من يغضب! ثم إذا رأى الناس غضبوا من كلامه وهاجوا عليه ظن نفسه صابراً على العلم ومجاهداً في ذات الله، وهذا من قلة فقهه وضعف عقله، وأكثر من يغضبُ عليه إنما يغضب مما في كلامه من الباطل المُوهِم لا ما فيه من الحق المشوب.
وطالب العلم اليوم أحوج ما يكون إلى (فقه الاحتراز)، والمسارعة إلى نفي ما يحتمله كلامه من الأوهام الزائفة والظنون الباطلة، وإذا كانت تلك طريقة القرآن مع العرب الأقحاح فإنها اليوم آكد وأوجب، وهذا من الذب عن عرض الشريعة وبيان العلم النافع وتنزيه دين الله عما يُنسَب إليه مما ليس فيه، ولا شك أن (فقه الاحتراز) عند العلماء لا يُقصَد به أن يُخرَج من الشريعة ما هو فيها، وإنما مراده أن لا يدخل في الشريعة ما ليس منها.
Source link