منذ حوالي ساعة
تأملوا في قول الله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} إنها صفة المنافقين الذين انشغلوا بأنفسهم فقط، في وقت احتاجت فيه الأمة إلى تكاتفهم ووقوفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكنهم آثروا مصالحهم على مصلحة الدين والأمة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعلنا أمة واحدة متراحمة، متعاونة على البر والتقوى، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المسلمون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه:
{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
أيها المسلمون، تأملوا في قول الله تعالى:
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]،
إنها صفة المنافقين الذين انشغلوا بأنفسهم فقط، في وقت احتاجت فيه الأمة إلى تكاتفهم ووقوفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكنهم آثروا مصالحهم على مصلحة الدين والأمة.
ألا ترون -عباد الله- أن هذا التحذير القرآني ينبّهنا من مرض خطير يهدد وحدة المسلمين، وهو الانشغال بالنفس وحدها، وإهمال قضايا الأمة؟! المسلم الحق لا يكون همه نفسه فقط، بل يعيش هموم إخوانه، يتألم لآلامهم، ويفرح لفرحهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رواه مسلم).
أيها الأحبة، لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الاهتمام بأمته ونصرتهم، حتى قال:
«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رواه البخاري ومسلم).
فالاهتمام بالمسلمين واجب شرعي وإنساني، ومن علامات الإيمان الصادق.
عباد الله،
ما أحوجنا في هذا الزمان، وقد اشتدت محن الأمة، إلى أن نترك الفردية والأنانية، ونتوجه إلى التعاون والتآزر، قال الله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. فالمسلمون بينهم أعظم رابطة وهي رابطة الدين فإنها لا تنفك أبدا {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات من الآية 10].
إن هذه الرابطة لا يقطعها ما يقطع بقية الروابط فهي مستمرة حتى في يوم القيامة: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (67)} (الزخرف)..، ومن حقوق هذه الرابطة الإيمانية أن يهتم المسلم بشأن إخوانه المسلمين وإن اختلفت الأوطان وتعددت اللغات وتباعدت الأجساد، هذا الاهتمام الذي يدفع العبد للعمل من أجلهم، لنفعهم لنصرتهم، لنجدتهم، لرفع الضيم والظلم عنهم.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى}.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا».
وقد كان اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالمسلمين متجليا في كل حياته، فحين أتاه قوم من مضر عليهم علامات الفقر فهم حفاة الأقدام ممزقوا الثياب ليس لديهم من حطام الدنيا شيء تغير وجهه وحعل يدخل ويخرج مهموما حزينا ثم صعد المنبر فحرض المؤمنين على الصدقة لكفاية هؤلاء الفقراء فقال: «تصدق رجل من درهمه، من ديناره من صاع بره، من صاع تمره، ولو بشق تمرة» فجاء رجل بصرة تعجز عنها يده وتتابع الناس، عندئذ تهلل وجهه وعاد إليه إشراقه وتبسمه.
كما مكث صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو للمستضعفين من المسلمين الذين يعانون إيذاء المشركين واضطهادهم، وكان يقول في دعائه: «اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن ربيعة وسلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين».
وعلى نهجه سار أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم فكانوا كالجسد الواحد لا يطمع فيهم عدوهم ولا تغيب أخبار المسلمين عنهم، حتى إن رجلا كعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين يقول: والله لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لم لم تسو لها الطريق؟.
قلت قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون،
إن المسلم الذي يعيش هموم أمته يتسم بأمرين عظيمين:
1. الإيجابية: فهو يساهم بكل ما يستطيع لنصرة إخوانه، ولو بالكلمة والدعاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (رواه مسلم).
2. التفاؤل والعمل: فالمسلم لا يكتفي بالبكاء على حال الأمة، بل يسعى بما يستطيع في إصلاحها، قال صلى الله عليه وسلم:
«إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ» (رواه أحمد).
هذا هو المسلم المتفائل، الذي لا يتوقف عن العمل والإصلاح مهما اشتدت المحن
عباد الله:
إن قضايانا الإسلامية كثيرة، من نصرة المسجد الأقصى وأهل غزة وفلسطين والمظلومون في الارض إلى الوقوف مع اللاجئين والمحتاجين، إلى دعم التعليم والدعوة في كل مكان. فكن إيجابيًا واعمل ما تستطيع، ولو بالقليل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» (رواه البخاري ومسلم).، واستشعر مسؤوليتك وأظهر أهتمامك حسب قدراتك ومهاراتك بمن حولك وبقضايا المسلمين، هذا صلاح الدين كان اهتمامه بأمر المسلمين عجيبا يدل على إيمانه واستشعاره هذه الرابطة حتى إنه لما عوتب لأنه لا يضحك قال: كيف أضحك والقدس أسير؟.
فكان يحمل هم القدس وكونها تحت الاحتلال الصليبي ونتيجة حمله هذا الهم أعد العدة وأخذ بالأسباب حتى كان اليوم الموعود الذي أراد الله أن يكون تطهير بيت المقدس على يديه ..
أيها المسلمون:
لنحيِ في قلوبنا معاني الإخوة الإسلامية، ولنكن عونًا لإخواننا، ولنزرع الأمل والتفاؤل، فإن هذا الدين منصور لا محالة، قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
اللهم اجعلنا من الناصرين لدينك، المعينين لإخواننا، المتحابين فيك.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد، كما أمركم ربكم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري
Source link