لماذا صلاح القلب؟ – طريق الإسلام

القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال، وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح، قال: «ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله، وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله؛ ألا وهي القلب» (متفق عليه).

سؤالٌ أطرَحُه على حضراتِكم: لماذا صلاحُ القلب؟ لماذا القلب؟ لماذا الاهتِمام بالقلب؟ لماذا العناية بالقلب؟ ما أحوَجَنا معاشرَ المسلمين إلى أن نقِف مع هذا السؤال! وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال في كل وقت وفي كل حين، لماذا العناية بالقلب؟ الاهتِمام بالقلب له أهميةٌ عظيمةٌ، كيف لا نهتم به؟ والأنبياء والصالحون اهتمُّوا بالقلب اهتِمامًا كبيرًا، هذا رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يا مُقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينِك»، وكان يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا»، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: «اللهم آتِ نفسي تقواها، زكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها»، وعلَّم أصحابَه عليه الصلاة والسلام.

 

أحدُ السلَف يقول: وَاللَّهِ مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، “أبو بكر الذي قال عنه عُمرُ: لو أن إيمانَ أبي بكرٍ في كفَّة وإيمانَ الأمة في كفَّة لرجَحَ إيمانُ أبي بكر”، أبو بكر رضي الله عنه أول المُبشَّرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، ومع هذا يقول أحدُ السلف: “والله ما سبَقَكم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في القلب” وقرَ في القلب حبُّ الله، تعظيم الله، تعظيم هذا الدين، الخوفُ من الله، الوجَل، الخشية، المُراقبة، الإنابة، التوكل، كلُّ هذا محلُّه القلب، فالقلب إذا لم يصلُح، فهو سبب كل مصيبة في هذه الأرض، عندما نرى السرِقات تنتشر، والشحناء بين المُسلمين والبغضاء وقطعُ الأرحام وإيذاء المُسلمين وغير ذلك من الأعمال سببُها فسادُ القلب وفسادُ النيَّة.

 

لماذا القلب إخوة الإيمان؟ لماذا ينبغي أن نُصلِح هذا القلب؟ لأن القلب هو موضعُ النيَّة، فالنيَّة هي أساسُ قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيُّ عملٍ إلا بالنيَّة، من شروط الوضوء النيَّة، من شروط الصلاة النيَّة، أي شيء تعمله لا بد من نية؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث عمر، قال: «إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه إلى الله ورسولِه، ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه»؛ (متفق عليه) ، فالقلب هو موضعُ النيَّة، والنيَّة هي أساس الأعمال، يقول أحد السلف: “رُبَّ عملٍ صغير تُعظِّمُه النيَّة، وربَّ عملٍ كبير تُصغرُه النيَّة”، كما قال الله عن الكفار: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

 

لماذا القلب؟ لأن القلب موضعُ نظر الله جل جلاله، الله ينظر إلى قلبك يا بن آدم، ينبغي أن تتعهد هذا القلب حتى إذا نظر الله إلى قلبك، وجد فيه الحب والخوف منه وتعظيمه، وجد المحبة، وجد الصدق، وجد الإيمان، كما في الحديث الصحيح قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ»؛ (رواه مسلم) .

 

فلماذا القلب؟ لأن القلب موضع نظر الله عز وجل، جل جلاله؛ ولهذا قال سبحانه، وهو يُبيِّن على أن من اهتم بقلبه وأصلح قلبه فهو من المسارعين، وهو من المُقرَّبين إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]، من أين تأتي الخشية والخوف من القلب إذا لم يصلح القلب؟ {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57-61].

 

معاشر المسلمين، لماذا القلب؟ لأن القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال، وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح، نعم إخوة الإيمان، في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله، وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله؛ ألا وهي القلب»؛ (متفق عليه).

 

فصلاح القلب طريقٌ إلى صلاح الأعمال، وسبب إلى صلاح الأعمال؛ ولهذا الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما إلا وجبتْ له الجنَّةُ»؛ (رواه مسلم) .

 

لماذا الاهتمام بالقلب؟ ولماذا هذا القلب؟ لماذا صلاح القلب؟ لأن صاحب القلب معرض للفتن والمحن، فيحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إصلاح دائمًا، إذا كان صاحب القلب فاسِدًا لا يتحمَّل الفتن يزيغ، يضل يبتعد، يدور مع الفتن حيث دارَت، لا يثبُت أبدًا؛ ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه»، فالقلب يحتاج دائمًا إلى عناية؛ لأنه عُرضة للفتن.

 

لماذا القلب؟ لأن القلب إذا أصلحناه وكان سليمًا نفعَنا يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، لا ينفعُ الإنسان لا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا العشيرة ولا القبيلة في ذلك اليوم إلا من كان قلبُه سليمًا، إلا من كان قلبُه صحيحًا، سليم من الشرك، من الغل من الحق من الحسد من البغضاء؛ ولهذا كان من دعاء أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم أنه قال كما قال تعالى: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87]، ما أحوجنا إلى هذا الدعاء! أعظم خزي هو الخزي يوم القيامة، وأعظم حسرة هي حسرة يوم القيامة، يوم لا ينفعُ الندم، ويوم لا تنفع الحسرة؛ قال الله عز وجل حاكيًا عن أبينا إبراهيم الخليل قال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87 – 89]، إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأموال والأولاد لا تُقرِّبنا من الله عز وجل أبدًا، لا تُقرِّبنا إذا لم يُوجد هناك إيمان وقلب سليم صحيح، قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37].

 

إخوة الإيمان، لماذا الاهتمام بالقلب؟ لأن القلب هو موضع التذكر، موضع الخشية، إذا لم يُوجد قلب صحيح، فمهما خطب الخطباء، ومهما وعظ الوعَّاظ، لا يتأثر أبدًا، لكن إذا صلح القلب تجد المسلم يتأثر من كلام الله، يتأثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولهذا قال الله عز وجل: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: 10]، وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، إذا أردت أخي المسلم أن تكون من المفلحين وأن يتقَبَّل الله صلاتك، لا بد أن تخشع، والخشوع من القلب، والمصلي الذي يخشع في صلاته يكون من المفلحين؛ قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2].

 

إخوة الإيمان، لا شك أن كل واحد منا يتمنَّى أن يكون قلبه صحيحًا، أن يكون قلبه سليمًا، ينبغي أخي المسلم أن تتعاهد، وأن نتعاهد جميعًا هذا القلب بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة، أعظم وسيلة وأفضل وسيلة لإصلاح القلوب كثرة الاستغفار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إنه لَيُغانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة»؛ (رواه مسلم).

 

فلنُكثِر من ذكر الله لتطمئن قلوبنا، وحتى يا إخواني لا نكون من الذين قال الله عنهم: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر: 22]، ربَّاه نشكو إليك قسوة قلوبنا، ربَّاه نشكو إليك قسوة قلوبنا، فلنكثر من ذكر الله عز وجل لتطمئن القلوب، كذلك إخوة الإيمان حتى تصلح حال القلوب، ينبغي أن نكثر من الدعاء، أن نكثر من الدعاء بأن يصلح الله عز وجل قلوبنا، كان النبي دائمًا يقول: «يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك».

________________________________________________

الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

إلزم غرزك – محمد سيد حسين عبد الواحد

منذ حوالي ساعة لا أحد في هذا الوجود يعلم ما في نفوس الناس من خير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *