غيروا ما بأنفسكم – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

تستطيعون أن تجعلوا تلك الدول تجثوا على ركبها أمامكم بالإسلام أفيقوا من غفلتكم لقيمة هذا النور الذي تحملونه والذي تتعطش إليه أرواح الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

أ – أشرف شعبان

تشير آيات عديدة من القرآن الكريم إلى أن ظهور الفساد في الأرض وسيطرته على مقدراتها وسبل ومقومات الحياة فيها يعود إلى ما اقترفه الناس من معاصي وما ارتكبوه من ذنوب نتيجة فساد عقائدهم وأعمالهم ومن قبل قلوبهم قال تعالى ( {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } ) [سورة الروم آية 41] تبين الآية ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم(1) وتشير أيضا إلى أن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي(2)

كما قال تعالى في سورة الشورى آية 30 ( {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} ) فكل مصيبة تصيب الناس لها سبب مما كسبت أيديهم ولكن الله لا يؤاخذهم بكل ما يقترفوا فيعفو عن كثير رحمة منه، قال تعالى في سورة فاطر آية 45 ( {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} ) أي  أن ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله ومن شر في الأرض وفساد ومن ظلم وطغيان لو آخذهم الله بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل السموات والأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق.

وعن عبد الله قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم.

وقال سعيد بن جبير والسدى في قوله تعالى ( {ما ترك على ظهرها من دابة} ) أي لما سقاهم المطر فماتت جميع الدواب(3) ويبتليهم الله بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه لهم ومجازاة على صنيعهم لعلهم يرجعون عن المعاصي (4)

فظهور الفساد واستعلأوه لا يتم عبثا ولا يقع مصادفة إنما هو تدبير الله وسنته ( {ليذيقهم بعض الذي عملوا } ) من الشر والفساد حينما يكتوون بناره ويتألمون لما يصيبهم منه ( لعلهم يرجعون ) فيعزمون على مقاومة الفساد ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح وإلى المنهج القويم(5)

وهذا ما يؤكده واقعنا الحالي فالتخلف وتدهور الاقتصاد وقلة الإنتاج ورداءته وعدم عدالة التوزيع وثراء طبقة بدون أي وجه حق، وزيادة الاستهلاك الخاص والعام  وزيادة الديون وفوائدها، وتهريب الأموال للخارج والعمل في تجارة المخدرات، وتدمير صحة الإنسان وضياع أمواله وشل نشاطه والمشاكل والمنازعات والخلافات التي نعيش فيها وتهدر الوقت والطاقات فيما يضر ولا ينفع،  بسبب ارتكاب المعاصي والذنوب من أكل أموال الناس بالباطل وسرقة ورشوة وكذب وتزوير وغش ونفاق واستغلال وطمع وجشع  وإهمال وتقصير وإفراط وتفريط وتبذير وإسراف وترف وتسيب وجهل ولامبالاة وخيانة وعدم انتماء للوطن وتناول الخمور وسائر أنواع المكيفات ولعب الميسر وغيره من وسائل اللهو المحرم(6)

وقد ربطت المشيئة الإلهية أي تغير في الأنفس بتغير أحوالهم قال تعالى في سوره الرعد آية 11 ( { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ) وقال تعالى في سورة الأنفال آية 53 ( { ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ) فان الله سبحانه وتعالى لا يغير نعمه أو بؤس ولا يغير عزا أو ذلة ولا يغير مكانه أو مهانة إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون، ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم ويجئ لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم، وهذا من صور عدل الله في معاملة العباد فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم ويبدلوا سلوكهم ويقلبوا أوضاعهم ويستحقوا أن يغيروا ما بهم مما أعطاهم إياه، وإنها لحقيقة تلقي على البشرية تبعه عظيمة وثقيلة فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر، وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تصرفهم لهذه السنة بسلوكهم، والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل، فالإنسان وحده هو الذي يملك أن يستبقي نعمة الله عليه ويملك أن يزاد عليها، إذا هو عرف فشكر، كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه، إذا هو أنكر وبطر وانحرفت نواياه فانحرفت خطاه، وإلى جانب هذه التبعة فهذا دليل تكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله وقدره أن يكون هو بعمله أداه التنفيذ لمشيئة الله فيه، فالتغير القدري في حياة الناس مبني على التغير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم وهذه الحقيقة الكبيرة تمثل جانبا من جوانب التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان وعلاقة قدر الله به في هذا الوجود وعلاقته هو بهذا الكون وما يجرى فيه، ومن هذا الجانب يتبين تقدير هذا الكائن في ميزان الله وتكريمه بهذا التقدير كما تتبين فاعلية الإنسان في مصير نفسه وفي مصير الأحداث من حوله فيبدو عنصرا إيجابيا في صياغة هذا المصير بإذن الله وقدره الذي يجري من خلال حركته وعمله ونيته وسلوكه وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية، كذلك تصور هذه الحقيقة ذلك التلازم بين العمل والجزاء في حياة هذا الكائن ونشاطه، وتصور عدل الله المطلق في جعل هذا التلازم سنة من سننه يجرى بها قدره ولا يظلم فيها عبد من عبيده ( { وأن الله ليس بظلام للعبيد } ) [سورة الأنفال آية51] (7)

ومن المعلوم أن تغير الأنفس ليس بالأمر الهين، إنه ليس تغير ملبس أو زي بآخر، ولكنه تغير الإنسان ذاته من حال إلى حال، تغير وجهته وأفكاره ومشاعره وأهدافه وطرائقه، وهذا هو التغير الحقيقي لأنه تغير ينفذ إلى الروح والجوهر ولا يقف عند الغلاف والمظهر، مصداق لما قاله معلم الإنسانية ( «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» )(8)

إنه عبء ثقيل تنوء به الكواهل فإن الإنسان مخلوق مركب معقد، ومن أصعب الصعب تغير نفسه أو قلبه أو فكره. فإن بناء المصانع والمدارس والسدود والمنشآت أو التحكم في مياه نهر كبير أو تحويل مجراه أو حفر الأرض أو نسف الصخور أو أي تغير في معالم الكون المادي سهل ومقدور عليه، ولكن الأمر الشاق حقا هو بناء الإنسان القادر على نفسه المتحكم في شهواته الذي يعطي الحياة كما يأخذ منها ويؤدي واجبه كما يطلب حقه، الإنسان الذي يعرف الحق ويؤمن به ويدافع عنه ويعرف الخير ويحبه للناس كما يحبه لنفسه ويتحمل تبعته في إصلاح الفساد والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتضحية النفس والمال في سبيل الحق. والإيمان وحده هو العنصر الوحيد الذي يغير النفوس تغيرا تاما وينشئها خلقا آخر ويصبها في قالب جديد فيغير أهدافها وطرائقها ووجهتها وسلوكها وأذواقها ومقاييسها وهو الذي يهيئ النفوس لتقبل المبادئ الخيرة مهما يكمن ورائها من تكاليف وواجبات وتضحيات ومشقات فهو صانع العجائب والمعجزات. وقد قص علينا القرآن الكريم كيف غير الإيمان من سحرة فرعون قال تعالى في [سورة الشعراء آيه 32-51]  { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجر إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزه فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين

وفي سورة طه آيه 71-73 يحكى الله تعالى تهديد فرعون لهم ( {قال آمنتم له قبل أن إذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى} ) تبين لنا هذه الآيات كيف تغيرت شخصياتهم وكيف انقلبت موازينهم كانت هممهم مشدودة إلى المال ( { أئن لنا لأجرا} ؟ ) وكانت آمالهم منوطة بفرعون ( {بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} ) هذا منطقهم قبل أن يؤمنوا فلما ذاقوا حلاوة الإيمان كان جوابهم على التهديد والوعيد في بساطة ويقين ( { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} ) بعد أن كان همهم الدنيا صار همهم الآخرة ( {ليغفر لنا خطايانا} ) وبعد أن كانوا يحلفون بعزة فرعون صاروا يقولون ( {والذي فطرنا} ).

وفي هذه القصة التالية التي رواها الإمام مسلم في صحيحه برهان مبين على مبلغ أثر الإيمان، ذلك أن رجلا كان ضيفا على النبي صلي الله عليه وسلم فأمر له بشاه فحلبت فشرب حلابها ثم أمر بثانية فشرب حلابها ثم بثالثة فرابعة حتى شرب حلاب سبع شياه وبات الرجل وتفتح قلبه للإسلام فأصبح مسلما معلنا إيمانه بالله ورسوله وأمر الرسول له في الصباح بشاه فشرب حلابها ثم أخرى لم يستتمه وهنا قال الرسول صلي الله عليه وسلم كلمته المأثورة ( «إن المؤمن ليشرب في معي واحد والكافر ليشرب في سبعة أمعاء» ) فيما بين يوم وليلة استحال الرجل من شره ممعن في التشبع حريص على ملء بطنه إلى رجل قاصد عفيف قنوع ماذا تغير فيه؟ تغير فيه قلبه كان كافرا فأصبح مؤمنا وهل هناك أسرع أثرا من الإيمان؟. ولا يفوتنا أن نلقي أمثلة تاريخها مشهود وحي أمام الجميع يشهد بما صنعه الإيمان فيهم فها هو عمر بن الخطاب الذي رووا إنه بلغ في جاهليته من انحراف العقل أن عبد إلها من الحلوى ثم جاع يوما فأكله، ومن انحراف العاطفة أن وأد بنتا له صغيرة كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب، عمر هذا ينتقل من الجاهلية إلى الإسلام فيتحرر عقله حتى يقطع شجرة الرضوان التي بايع النبي أصحابه يوم الحديبية تحتها خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها، ويقف أمام الحجر الأسود بالكعبة فيقول: أيها الحجر إني أقبلك وأنا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. وعمر هذا يبلغ من سمو عاطفته ورقه قلبه وخشيته لله ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم بل للإنسان والحيوان حتى قال لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسؤولا عنها أمام الله لم أسو لها الطريق؟. وها هي الخنساء المرأة التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها “صخرا” فملأت الآفاق عليه بكاء وعويلا وشعرا حزينا، ترك الزمن لنا منه ديوانا كان الأول من نوعه في شعر المراثي والدموع، ولكنها بعد إسلامها نراها امرأة أخرى، نراها تقدم فلذات أكبادها إلى الميدان أي إلى الموت راضية مطمئنة بل محرضة دافعة وعندما بلغها نبأ استشهادهم لم تلطم خدا ولم تشق جيبا ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وصبر المؤمنين وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. ما الذي غير عمر القديم وصنع عمر الجديد؟ وما الذي غير خنساء النواح والبكاء إلى خنساء التضحية والفداء؟ انه صانع المعجزات إنه الإيمان!!(9)

وهذا التغير الذي غيرت فيه العقليات ووجهات الأنظار ومناهج التفكير وطرق المعيشة والأخلاق والعادات، كان له أثر واضح على المسلمين الأوائل، فالذين كانوا يأتون الفاحشة من الرجال اصبحوا حماة لأعراض النساء، والذين كانوا يعاقرون الخمر عادوا دعاة لإلغاء المسكرات واستئصال شأفتها، والذين كانوا دينهم التلصص وقطع الطريق بلغوا من الورع والعفاف مبلغا جعلهم يتحرجون من الأكل عند أصدقائهم حذرا أن يكون من قبل أكل المال بالباطل إلى أن انزل الله في كتابه ما جعلهم يطمئنون إلى أنه لا جناح عليهم فيما طعموا في مثل تلك الظروف، والذين كانوا من شيماتهم شن الغارات والاعتداء على حقوق الناس صعدوا أعلى معارج الزهد والتقى حتى انه لما فتحوا عاصمة بلاد الفرس وجد جندي من عامة جنودهم التاج الكسروي الذي يناهز ثمنه ملايين الدنانير فأسرع به إلى أمير المؤمنين في الليل المظلم مخفيا إياه تحت كسائه المرقع عسى أن لا يراه أحد فيشوب صدقه وإخلاصه وأمانته شئ من شوائب الرياء، والذين ما كانوا يقيمون وزنا للنفس البشرية ويسفكون الدماء في غير طائل ويئدون بناتهم وفلذات أكبادهم بأيديهم بلغوا من شعورهم بحرمة النفس أن اصبحوا لا يقدرون أن ينظروا إلى طائر صغير يراق دمه من غير شفقة ولا رحمة، والذين ما كانوا من قبل الأمانة والعدل في شئ اصبحوا برره يضرب المثل بأماناتهم وتعففهم حتى انه لما ذهب لجباية الخراج عاملهم إلى يهود خيبر بعد ما انقادت لأمر الإسلام وخضعت له قدموا له مبلغا كبيرا من المال ليخفف عنهم بعض ما عليهم من خراج الحكومة أبي أن يقبل الرشوة ورفضها رفضا باتا بل شطر جميع ما أغلته أرضهم في ذلك العام شطرين وخيرهم أن يأخذوا أيهما شاءوا، ولما رأت اليهود من العامل هذه المعاملة الغريبة أخذ العجب منهم مأخذا عظيما واستولت عليهم الدهشة حتى صاحوا قائلين: ما قامت السموات والأرض إلا بمثل هذا العدل والقسط. ونبع منهم ولاة وأمراء ما كانوا يسكنون في قصور الحكومة بل يعيشون بين الرعية في مثل بيوتهم وكانوا يمشون في الأسواق على أرجلهم ولم يكن لهم حرس على أبوابهم حتى انه كان ميسورا لكل فرد من أفراد الشعب أن يزورهم في أية ساعة من ساعات الليل والنهار، ونبع فيهم من القضاة من قضى لرجل من اليهود على الخليفة نفسه حينما رفع الخليفة القضية إلى المحكمة فقضى لليهودي ولم يقبل دعوى أمير المؤمنين لأنه لم يتمكن من تقديم الشهود على دعواه غير ابنه ومولاه، ونبع فيهم من قواد العسكر من رد الجزية برمتها إلى أهل مدينة “وهي حمص من مدن الشام” حينما اضطر إلى إخلائها لمصلحة حربية مصرحا لهم بأنهم المسلمين كانوا  أخذوها جزاء منعتهم فوجب ردها للعجز عن هذه المنعة قائل: قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم0 فما كان جوابهم إلا أن تأثروا بصنعه هذا وصاحوا قائلين: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم، ونشأ فيهم من الرعية من بلغ من شعوره بالمسئولية الخلقية أن كان أحدهم يقترف جناية فيأتي الأمير ويعترف له بجنايته ويلح عليه أن يقيم حدود الله عليه ولا يتهاون في أمره وهو يعلم علم اليقين انه تعدى حدا من حدود الله يعاقب صاحبه بقطع اليد أو يرجم بالحجارة حتى يهلك وذلك ليتطهر من أرجاس الإثم الذي اجترحه ولا يأتي ربه سارقا أو زانيا، ونشأ فيهم من الجنود من كانوا لا يقاتلون ابتغاء الرزق بل كانوا يحاربون على نفقتهم إعلاء للكلمة التي آمنوا بها لا يريدون جزاء ولا بديلا ولا يستأثرون بما تناله أيديهم من الغنائم بل يأتون بها كلها إلى أمير الجيش ليقضى فيها حسب ما نزل به التشريع0000(10) كل هذا التغير النفسي لا يمكن أن يتم إلا بوسيلة واحدة وهي الإيمان وهذا التغير في النفوس تبعه تغير في أحوالهم فخضعت لهم إمبراطورية الفرس والروم وبلغت الفتوحات الإسلامية إلى أنها لا تغيب عنها الشمس . ولقد حار المؤرخون الغربيين في فهم السر العجيب الذي حول هذه الأمة من رعاة غنم إلى رعاه أمم ومن قبائل بداوة إلى أمة حضارة وهيأ لها سبيل النصر على كسرى وقيصر وفتح لها باب السيادة على معظم الدنيا القديمة في عشرات من السنين لا عشرات من القرون ولكن السر معروف والسبب معلوم أن مرده هو إكسير الإيمان الذي صبه محمد عليه السلام في نفوس أصحابه فنقلهم من حال إلى حال من وثنية إلى توحيد ومن جاهلية إلى إسلام(11)

إن من الأسباب الرئيسية التي جعلت من اليابان تلك الدولة التي لا تتجاوز مساحتها ثلث مساحة مصر وعدد سكانها لا يتجاوز 125 مليون نسمة أغنى دول العالم أن شعبها يتحلى بعدة صفات ويطبق في حياته عددا من المبادئ هي الإخلاص والصدق والشرف والتعاون وإتقان العمل والتكافل الاجتماعي واحترام الابن لأبيه وحسن استقبال الضيوف والواقع أن هذه الصفات الحميدة والمبادئ السامية هي جوهر الإسلام ويوم كانت سائدة في مجتمع المسلمين سادوا وحققوا اعظم إمبراطورية في زمانهم.

يقول الأستاذ ت ب إيرفنج الأستاذ بجامعة تنسي الأمريكية حينما وقف مخاطبا تجمعا للمسلمين في مدينة جلاسجو ببريطانيا منذ سنوات قال فيها: إنكم لن تستطيعوا أن تنافسوا الدول الكبرى علميا أو تقنيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا ولكنكم تستطيعون أن تجعلوا تلك الدول تجثوا على ركبها أمامكم بالإسلام أفيقوا من غفلتكم لقيمة هذا النور الذي تحملونه والذي تتعطش إليه أرواح الناس في مختلف جنبات الأرض تعلموا الإسلام وطبقوه واحملوه لغيركم من البشر تنفتح أمامكم الدنيا ويدن لكم كل ذي سلطان أعطوني أربعين شابا ممن يفهمون هذا الدين فهما عميقا ويطبقونه علي حياتهم تطبيقا دقيقا ويحسنون عرضه على الناس بلغة العصر وأسلوبه وأنا افتح بهم الأمريكتين(12)

المراجع

(1) في ظلال القرآن سيد قطب ج5 ص2773

(2) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص435

(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص562

(4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص435

(5) في ظلال القرآن سيد قطب ج5 ص2773

(6) عوامل الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي حمزة الجميعي الدموهي ص292

(7) في ظلال القرآن سيد قطب ج3 ص1535 – 1536 وج4 ص2049

(8) الحل الإسلامي فريضة وضرورة يوسف القرضاوي ص24

(9) الأيمان والحياة يوسف القرضاوي من ص312 إلى ص318

(10) منهاج الانقلاب الإسلامي أبو الأعلى المودودى من ص53 إلى 58

(11) الأيمان والحياة يوسف القرضاوي ص316

(12) قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي المعاصر زغلول راغب النجار ص137

 

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

لا تبطلوا أعمالكم – طريق الإسلام

إن مما يغفُل عنه الناس اليوم أن يغيب عنهم ميزان الحق والعدل في أقوالهم وألفاظهم، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *