سباق تحقيق الأهداف – طريق الإسلام

لكن بعد قليل إذا  بتلك الأهداف تُنسى في طي الأيام والمشاغل والمسؤوليات، وتذهب أدراج الريح، ونُفاجأ بعام جديد قد اقترب، وما زِلنا لم نحقق تلك الأهداف التي خطَّطنا لها من قبل.

أ . سمر سمير

 

بانقضاء كل عام وبداية عام جديد في حياة الإنسان يبدأ موسم كتابة الأهداف، فنجد الكثيرَ من الفيديوهات والدورات التي تشجِّعنا على كتابة أهداف للعام الجديد، وتحفِّزنا على جلسة مع النفس؛ لتدارُك ما بقِيَ من أعمارنا في تحقيق أهدافٍ كنا نسيناها مع طيِّ الأيام.

نتحفز ونحضر الدفاتر الجميلة، والألوان الْمُزركشة، ونبدأ في كتابة أهدافنا – أقصد أحلامنا – لتكون بداية جديدة ومفيدة لعامٍ مُشرق بإنجاز الأهداف.

ولكن بعد قليل إذا  بتلك الأهداف تُنسى في طي الأيام والمشاغل والمسؤوليات، وتذهب أدراج الريح، ونُفاجأ بعام جديد قد اقترب، وما زِلنا لم نحقق تلك الأهداف التي خطَّطنا لها من قبل.

فلماذا يحدث هذا مع الكثير منا ويتكرر، حتى نيأس من أنفسنا، ويتملكنا الإحباط وعدم الجدوى؟ لماذا يكون خط البداية مليئًا بالمتنافسين، وخط النهاية فارغًا إلا من القليل؟

هناك الكثير من الأفكار المغلوطة التي تجعلنا نصل لتلك المرحلة، كما أن هناك بعض الأفكار والسلوكيات الصحيحة التي لو عرَفناها، فستساعدنا في طريق تحقيق أهدافنا.

فدَعُونا نتعرف على هذه الفِخاخ التي نقابلها في طريقنا؛ حتى لا نسقط فيها، ونتعرف أيضًا على بعض قواعد السَّير في طريق الأهداف.

أهمية تحديد الأهداف:

أهداف بلا مرمى:

اجتمع مجموعة من الأولاد ليلعبوا مباراة كرة قدم، كانوا متحمِّسين وفرِحين للغاية، وبالفعل بدأت المباراة، واندمج الفريقان في اللعب، واقترب أحد الفريقين من مرمى الفريق الآخر ليُحرز هدفًا، ولكن اللاعبين صُدموا عندما لم يجدوا مرمى أمامهم ليُسددوا فيه الهدف، فأصابهم التشتُّت والفوضى لفترة من الوقت، ولم يُحرزوا أي هدف.

وكان هذا درسًا من مدربهم الذي قام بهذه الحيلة، وأزال المرمى المتحرك من مكانه؛ ليُعطيهم درسًا في أهمية تحديد الأهداف في الحياة.

لا تعِشْ حياتك بلا تحديد مرمى أهداف تُسدد فيه جهدك ووقتك وقدراتك، وإلا ضاعت حياتك سَبَهْلَلًا، لا في أمر الدنيا، ولا في أمر الآخرة.

فخ الكتابة:

يظن البعض منا أنه بمجرد كتابة الأهداف، فإنه قد أدى ما عليه، وأن الباقي سيأتي تباعًا دون بذل جهد وعناء، وهذا فهم خاطئ تمامًا، بل الكتابة مجرد خطوة من خطوات تحقيق الأهداف، فهي أول درجة سُلَّمٍ نَرتقيها، وما زال أمامنا الكثير من الدرجات والخطوات التي تحتاج إلى بذل، لا شكَّ أن الكتابة في حد ذاتها خطوة مهمة، وتُذكِّرنا دائمًا بهدفنا، لكن لا يجب أن نعوِّل عليها فقط.

قاعدة الغاية العظمى:

ينسى البعض أن يربط أهدافه بغاية عظمى، فجميع أهدافنا لا بد أن تصُبَّ في غايتنا العظمى؛ وهي عبادة الله وطلب رضاه.

فالغاية شيء، والأهداف شيء آخر؛ الغاية هي الرؤية العامة التي تتبعها في حياتك، وهي نهاية المطاف من الأهداف.

أما الأهداف، فهي الخطوات العملية التي تسلكها للوصول لهذه الغاية.

إذًا لا بد أن تكون الأهداف كلها موصِّلة إلى الغاية، وإلا لو كانت تُبعدك عن الغاية، فسيكون تأثيرها سلبيًّا في حياتك.

قال تعالى: {﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾} [الأنعام: 162]، إذا وضعتَ أي هدف من أهدافك، فانظر له واسأل نفسك: هل هذا الهدف يخدُم الغاية من حياتك، ويُعزِّزها ويوثِّقها أم العكس؟

لو كان هدفك – مثلًا – الانتهاء من دراسة معينة، أو تعلم لغة جديدة، أو تنمية مهارة معينة تنفعك في دينك ودنياك، فإن هدفك مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالغاية.

أما إذا كان الهدف تعلُّمَ شيء لا يجوز شرعًا، فإنه يضر بالغاية ضررًا كبيرًا، فيجب عليك تجنُّبه.

والجميل في الغاية أنها تكون محفِّزًا لك إذا فَتَرت همَّتُك وعزيمتك، فتدفعك دفعًا إلى تحقيق الهدف والانتهاء منه؛ لأن وراءه قيمة وغاية جليلة.

قاعدة الاستعانة:

من أهم القواعد التي ننساها عندما نسعى لتحقيق أهدافنا أن الأمر أولًا وأخيرًا بيد مالك الملك؛ فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو سبحانه مُسبِّب الأسباب، وهو الموفَّق والمستعان.

ولولا عون الله للفتى 

فأول ما يجني عليه اجتهاده 

ففي خضم انشغالنا بالأسباب، لا بد أن نُوقن أن التوفيق من عند الله: {﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾} [هود: 88]، لا بد أن ندعوه ونرجوه أن يُكلِّل أعمالنا بالنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، لا بد أن نستعين به على ما يشق علينا، لا بد أن ندعوه أن يُذهِبَ عنا العجز والكسل، والهم والحزن، وغيرها من الْمُشتِّتات التي تُخرجنا من دائرة التركيز على أهدافنا.

قاعدة: لماذا؟

لماذا اخترت هذا الهدف بالذات دون غيره؟

سؤال مهم جدًّا، لا بد أن تقف معه عند اختيارك لأهداف العام؛ لأن هذا السبب والدافع من العمل هو الذي سيحفزك ويحمِّسك، إذا أصابك الإحباط أو الملل في وسط الطريق.

فمثلًا: إذا كانت امرأة تضع هدفًا أن تنقص وزنها، فلا بد مثلما كتبت هذا الهدف أن تكتب أسبابه ودوافعه.

هل أريد إنقاص وزني فقط ليرضى عني زوجي أو أصدقائي، ولا ينظرون إليَّ نظرة انتقاص، أم لأحافظ على صحتي ولأُغيِّر نمط حياتي لنمط الغذاء الصحي، فأتمتع بصحة أفضلَ وحياة ونفسية أجود؟

هناك فرق كبير بين الدافعين، وإن كان الدافع الأول مطلوبًا أيضًا، ولكن الدافع الثاني أكثر نفعًا وتأثيرًا.

وهذا ما يسمى بإيجاد المعنى؛ وهي مدرسة في علم النفس تدعو لإيجاد معنى إيجابي لكل ما تقوم به في يومك؛ ليُحفِّزك ذلك على المضيِّ قُدُمًا في طريقك وهدفك وعملك.

ذهب أحد مديري الإنشاءات إلى أحد مواقع العمل؛ حيث كان العمال يقومون بتشييد مبنى ضخم، واقترب من عامل، وسأله: ماذا تفعل؟ رد العامل بعصبية: “أقوم بتكسير الأحجار الصلبة بهذه الآلات البدائية، ثم أرتِّبها كما أمرني رئيس العمال، وأتصبَّب عرقًا في هذا الحَرِّ الشديد، إنه عمل مرهق للغاية، ويسبب لي الضيق من الحياة بأكملها.”

تركه المدير، وتوجه بالسؤال نفسه لعامل آخر، فقال: “أنا أقوم بتشكيل هذه الأحجار إلى قطع يمكن استعمالها، ثم أجمعها حسب تخطيط المهندس المعماري، وهو عمل متعب ومُمِلٌّ حينًا، ولكني أكسب منه قُوتِي أنا وأسرتي، وهذا أفضل عندي من أن أظل بلا عمل”.

أما ثالث العمال فردَّ قائلًا وهو يشير إلى الأعلى: “ألَا تراني أقوم ببناء ناطحة سحاب؟”.

وهكذا اختلف إقبال وحماس كل شخص لعمله وفقًا لنظرته لقيمة ما يعمل، ووفقًا لمعرفة المعنى الناتج والمحصِّلة المرجوَّة من العمل.

وذلك لأن أي سلوك نقوم به هو نتيجة أفكار ومشاعر متعلقة به، فإذا كانت الفكرة والمشاعر المرتبطة بالعمل إيجابية، فسيكون العمل والهدف إيجابيًّا مثمرًا في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

فخ المثالية في كمِّ وكيف الأهداف:

يضع البعض في بداية العام أهدافًا كبيرة وكثيرة، وغير مناسبة لقدراته، ويظن أنه مع شعلة الحماسة هذه ستكون سهلةَ التنفيذ، ولكنه يُصدَم عندما يجد نفسه لم يحقق شيئًا منها، والصحيح أنه لا بد أن تكون الأهداف واقعية مناسبة لقدراتك ووقتك، ودورك الاجتماعي وعملك.

فلا تظلم نفسك بوضع أهداف تعجز عن تنفيذها ما يصيبك بالإحباط، بل ضَع هدفًا واحدًا ذا قدر محدَّد، تستطيع إنجازه بسهولة، ثم بعد ذلك عندما تقوى لديك قوة الإرادة والعزيمة والهمة، اخْتَرْ هدفًا آخر.

فإذا كنت – مثلًا – تضع هدف حفظ القرآن في عام، ولكن قدراتك على الحفظ أقل من ذلك، فاجعل هدفك ربع القرآن فقط، ثم إذا انتهيت من هذا الهدف، فضَعْ هدفًا أكبر.

فتعمل على أهداف متوالية، وليست متوازية؛ أي: تنتهي من هدف، ثم تبدأ بالآخر، ولا تعمل على هدفين في نفس الوقت؛ حتى لا تُصاب بالتشتُّت والإحباط.

فخ المقارنات:

البعض يضع أهدافًا مقيسة ومقارَنة بأهداف غيره؛ ولذلك يفشل في تحقيقها؛ لأنها غير مناسبة لظروفه واحتياجاته وقدراته.

يريد أن يدرس الدبلومة الفلانية مثل صديقه، ويريد أن يلتحق بهذه الدورة التي التحق بها أصدقاؤه.

يقارن نفسه دائمًا بغيره، ليس لديه أولويات يختار من بينها، بل يختار مما يُمليه عليه المحيطون به، وما يراه في السوشيال ميديا.

ليس ذلك فحسب، بل يُقارِن تحصيله ونتائجه بمن سبقوه، فيظن أنه أقل منهم، ولن يصل إلى ما وصلوا إليه مهما حصل.

وهذا ظلم بيِّنٌ لنفسه، من الظلم أن تُقارِن قدراتك وطاقتك بقدرات وطاقات غيرك، فأنت مختلف عن غيرك، وليس مطلوبًا منك أن تكون نسخة من غيرك.

كلنا مختلفون في القدرات والمهارات، والظروف والذكاءات، والتربية والبيئة المحيطة، والخبرات والمشاعر وقوة الإرادة؛ لأننا لسنا قوالبَ ولا آلاتٍ ولا روبوتاتٍ بنظام تشغيل واحد، بل نحن بشر يختلف بعضنا عن بعض.

فلا تقارن بدايتك بمواسم حصاد الآخرين، فمن غير المنطقي أن تكون في أول طريق العلم مثلًا، وتقارن نفسك بالعلماء الكبار في الإنتاج والعلم، فالوقت عامل كبير لتحقيق الأهداف، لا يجب عليك إهماله.

لا تكن نسخة من أحد، ولا تستنسخ أهدافَ أحد – نسخًا ولصقًا – بل كُنْ أفضل نسخة من نفسك، وحدِّد أهدافك تبعًا لشخصيتك وأولوياتك وقِيَمك في الحياة.

فخ الأهداف الهلامية:

عندما تضع هدفًا ما لا بد أن يكون محدَّدًا بدقة، ويمكن قياسه وتحديده بزمنٍ؛ حتى تستطيع قياس مدى تقدمك فيه.

فمثلًا، لا تكتب: هدفي حفظ القرآن، أو هدفي رضا الله، أو هدفي إنقاص وزني، أو كتابة كتاب، فهذه أمنيات وأحلام وليست أهدافًا.

بل قُلْ: هدفي حفظ القرآن في مدة عامين ونصف بمعدل جزء في الشهر؛ أي: صفحة أو أقل يوميًّا بهذا تستطيع قياس التقدم اليومي.

وقُلْ كذلك: أريد أن أركِّز هذا العام على صيام النوافل يومي الاثنين والخميس، وأحافظ على أذكار الصباح والمساء، وأستمع إلى درس علمٍ يوميًّا.

وقُلْ: أريد أن أنقص وزني لمقدار عشرة كيلو في العام بمعدل كيلو في الشهر تقريبًا، مع ممارسة الرياضة يوميًّا لمدة عشر دقائق.

وقُلْ: هدفي كتابة مقال من الكتاب كل أسبوع.

وهكذا حدد هدفك بزمن وقياس محدد، ولا تجعله هدفًا هلاميًّا.

فخ الشغف:

لا تضع أهدافك وفقًا لشغفك فقط، فإن الشغف وإن كان مهمًّا، فإنه قد ينتهي سريعًا ولا بد وقتها أن تكمل ما بدأت فيه، وإن فقدت الشغف له.

فالشغف عامل مهمٌّ ومحفِّز في بداية سلوكك للطريق، لكن الانضباط والاستمرارية هي من سيكمل معك الطريق.

هل رأيت قبل ذلك مشاهدَ لإطلاق قمر صناعي للفضاء؟

في أول الأمر يحتاج القمر الصناعي لطاقة هائلة وخزانات وقود كبيرة جدًّا؛ لتساعده على التغلب والخروج من الجاذبية الأرضية، ولكن بعد فترة تنفصل عنه هذه الطاقة، ويظل هو يدور بانتظام في الفضاء بدون حاجة لطاقة وحرارة.

الشغف هو الوقود والطاقة التي تساعدك للخروج من منطقة الراحة إلى فضاء النجاح، وتحقيق الأهداف، وبعد ذلك يكون الأهم هو الانضباط الذاتي، والتكرار والاستمرارية؛ لتظل سابحًا في فضاء النجاح.

فخ الأحلام الوردِيَّة والتوقُّعات المغلوطة:

يظن البعض أن طريق تحقيق الأهداف طريقٌ ورديٌّ محفوف بالورود والعصافير، وأنه طريق الراحة والهناء، وكأنه يرفع شعارَ: نَمْ وارتاح، يأتِك النجاح، والعكس تمامًا هو الصحيح، فمن يرِدْ أن يصل لخط النهاية في أي لعبة رياضية، فلا بد له من ساعات تدريب طويلة يومية، ولا بد له من ترك الكثير من المتع واللذات التي يتمتع بها غيره، ولا بد له أن يبذل قصارى جهده في التدريب المستمر.

جميعنا يريد أن يصل إلى خط النهاية، لكن دون أن يبذل، ودون أن يترك أيًّا من الرغبات واللذات، والراحة والنوم والنزهات، دون أن ينتقل من منطقة الراحة إلى جسر التعب، ومن ثَمَّ إلى منطقة النجاح.

يريد أن يأتي النجاح ويطرُق على بابه، ويقول له: تفضَّل أنت الفائز، وكأنها أوراق يناصيب، أو أهداف، تتحقق بمصباح علاء الدين، والعصا السحرية.

وينسى قول الشاعر:

لولا المشقةُ ساد الناس كلُّهم 

الجود يُفقِر والإقدام قتَّالُ 

وقول ابن القيم: “من أراد الراحة تَرَكَ الراحة، ومن أراد النعيم تَرَكَ النعيم”.

صحيحٌ أن التعب مؤلم، لكن ألم الراحة والفراغ مؤلم بشكل أكبر، فلا بد لك من أن تختار بين أحد الألمين؛ ألم التعب الجسدي الذي يؤدي بك للراحة النفسية عندما تصل للنجاح والإنجاز، أو ألم الراحة الذي يؤدي بك لتعب نفسيٍّ وحسرة وضياع بعد ذلك، فأي الألمين تختار؟

معرفتك أن الأهداف العظيمة ليست سهلةً، بل تحتاج جهدًا ومجاهدةً، وصبرًا ومقاومة الملل، وتخطِّي العقوبات، واستثمار الفشل، كل هذا يحضرك نفسيًّا لسلوك طريق الأهداف، حتى إذا صادفك خلال الطريق إحدى العقبات أو الحوادث، فلا تيأس وتقف في منتصف الطريق، بل تعلم أن هذه هي طبيعة الطريق الذي سلكه الناجحون قبلك، فتتصبَّر وترتاح قليلًا، ثم تكمل مسيرتك.

فخ انتظار ساعات الصفاء:

بعضنا يؤجِّل الأهداف ويسوِّفها حتى تحينَ الظروف المناسبة والنفسية المهيَّأة، والأجواء الهادئة، وساعات الصفاء الذهني، وللأسف هذا لا يحدث كثيرًا، والنتيجة أن نتوقف عن العمل.

والصحيح هو أن نعمل في أصعب الظروف، وأن نعمل على رغم عدم الرغبة في العمل.

لا تنتظر اعتدال الجو وصفاء الذهن وهدوء البيت.

لا تنتظر انتهاء الاختبارات وانتهاء شهر رمضان، لا تنتظر وقت الفراغ وانشغال الأولاد.

لا تنتظر الإلهام حتى تكتب، بل ابدأ واكتب وسيأتي الإلهام تباعًا.

لا تنتظر صديقًا معينًا أو مشجعًا، اعمل على رغم عدم وجوده.

قال عمر بن عبدالعزيز: “أفضل الأعمال ما أُكرهت عليه النفوس”.

قال قتادة: “يا بن آدم، إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفَتْرَةِ وإلى الملل أَمْيَلُ، ولكن المؤمن هو المتحامل”.

أَكْرِهْ نفسك، وألزِمها على العمل والإنجاز على رغم القصور والصعوبة والملل، وشيئًا فشيئًا ستدور عجلة إنتاجك دون تعب.

قاعدة أدْوَمه وإن قلَّ:

كيف تأكل بقرة كاملة؟

أقْسِمُها إلى قطع صغيرة، وآكُلُ جزءًا كل يوم.

قسِّم أهدافك الكبيرة إلى أهداف صغيرة، وداوِم عليها بانتظام إذا حقَّقت هذه الأهداف الصغيرة، فاحتفل بها، وكافئ نفسك لتشعر بالإنجاز.

لا بد من إيمانك بأن التغيير الكبير لن يحدث بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى استمرارية ومداومة على الفعل لمدة طويلة، وهذا ما يُعرَف بنظرية المزرعة؛ وهي أن تعرف أن الأهداف كالبذرة الصغيرة التي تزرعها في الأرض وتسقيها يوميًّا بالماء، حتى تكبُر شيئًا فشيئًا، قد لا تلاحظ نموها يومًا بيوم، لكن لو صوَّرتها في أول شهر وآخر شهر قبل الحصاد، فستلاحظ الفرق.

نفس الفكرة في كرة الثلج، تبدأ صغيرة، ثم بمجرد أن تتدحرج على الثلج يتضاعف حجمها.

فلا تستعجل نتائج نموك، بل ابدأ وانضبط واستمرَّ؛ لتحصُد ما تريد بعد فترة من المداومة.

أما أن تمشي بمبدأ: أكثرُه وإن انقطع، بأن تعمل على الهدف وتتحمس له فترة، ثم تكسل عنه وتتركه فترة، فلن تصل إلى ما تريد؛ لأن التراكمات الصغيرة تصنع الفرق، وأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر.

ويحضرني هنا قصة تحكي أنه كان هناك رجل يملك معملًا لتصنيع الذهب، وكان بخيلًا لدرجة أنه كان يفرش على الأرض قماشًا أبيض كي يهبط عليه غبار الذهب المتطاير، وفي نهاية الأسبوع يبلِّل قدميه بالماء، ثم يدوس على القماش ذهابًا وإيابًا حتى تتجمع حبيبات الذهب على قدميه، كان يحصل بهذه الطريقة على عدة غرامات إضافية، وكان يعتبر “هذه الحركة” من أسرار المهنة!

فلا تحتقر الخطوات الصغيرة؛ فإنها على المدى البعيد تُحدِث فرقًا هائلًا، كن كالسلحفاة مع بطئها، ولكنها استمرت في السير، ولا تكن كالأرنب الذي تحمس في البدايات، ثم تراخى وتكاسل، وتذكَّرْ أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع.

وتقرَّب إلى الله شبرًا واحدًا يتقرب إليك ذراعًا.

قاعدة العادات:

لا بد أن ندرك أن خلق العادات أهم بكثير من تحقيق الأهداف، ما معنى هذا الكلام؟

معناه أن الأهداف غالبًا تنتهي بمجرد تحقيقها، أما العادات فهي منظومة مستمرة معك طول حياتك، وهي الأكثر فاعلية في نجاحك وفلاحك.

قد تضع هدفًا أن ينقص وزنك إلى وزن معين، وما أن تصل إلى هدفك، فإنك تترك المحافظة على وزنك، ولربما ازداد وزنك مرة أخرى.

أما إذا تدرَّبت على عادة الأكل الصحي، واستمررت عليها دائمًا، فإن ذلك سيكون أهم من مجرد وضعك لهدف واحد، ينتهي بوقتٍ مُعيَّن.

وذلك لأن العادة لا تحتاج قوة إرادة للقيام بها؛ لأنها أصبحت مبرمجة في الدماغ، فيسهُل عملها دون عناء، بعكس الأهداف فإنها تحتاج لقوة إرادة لتنفيذها.

وهذه قاعدة مهمة جدًّا، لا يدركها الكثيرون، ركِّز على صنع العادات اليومية الصغيرة الثابتة؛ فهي التي تسهِّل تحقيق الأهداف الكبيرة.

ولا أجد هنا خيرًا من كتاب “العادات الذرية” لِأنصحَ به في موضوع صنع العادات الحسنة، والتخلص من العادات السيئة، سيفيدك كثيرًا إن شاء الله في هذا المجال، فلا تتكاسل عن قراءته، أو حتى سماعه صوتيًّا، ستجده على الكثير من القنوات أو اليوتيوب.

قاعدة التوازن:

من أهم القواعد التي يجب مراعاتها في تحديد الأهداف أن تختار هدفًا في كل جانب من جوانب حياتك، ولا تقتصر على جانب واحد، وتُهمل باقي الجوانب؛ لأن ذلك سيُحدِث خللًا عظيمًا في حياتك في المستقبل.

فمن غير المعقول أن تركز على جانب العلم والتعلم، والمحاضرات والدورات، وتُهمِل صحتك أو وظيفتك، أو تنمية مهاراتك.

وللأسف الكثيرون يغفُلون عن هذه النقطة، فتجده متبحرًا في كتب العلم الديني مثلًا، ولكنه لا يعمل بعلمه، ولا يزكي قلبه بهذا العلم الذي يقضي جُلَّ وقته فيه.

وأهم الجوانب التي تحرص على وضع هدف لها:

الجانب الاجتماعي، والعائلي، والديني، والتعليمي، والنفسي، والصحي، والمالي، والمهني.

فمثلًا:

أهداف روحية لتنمية علاقتك بالله: بالصلاة والذِّكر، ودروس العلم، وقراءة القرآن وتدبره، وتزكية نفسك، وتفحُّص أعمال القلوب؛ كالتوكل وحسن الظن بالله، والرضا بقضاء الله وقدره، وحب الله والخوف منه سبحانه.

أهداف صحية جسدية للحفاظ على صحتك، ومظهرك وشكلك الخارجي.

أهداف عقلية بتنمية عقلك بالقراءة والدورات والمحاضرات.

أهداف مهارية لتنمية ما ينقصك من مهارات تحتاجها في طريقك؛ كإدارة الوقت ومهارات التواصل الاجتماعي، وتعلم لغة جديدة، ومهارات الإلقاء.

أهداف مالية بتوفير ذمة مالية خاصة بك، وهكذا في جميع الجوانب.

فلا تكن أحادي النظرة، بل عدِّد زوايا نظرك لتشمل جميع حياتك.

فخ المشتِّتات:

تخيل أن أولادًا يلعبون لعبة كرة القدم، وأخذ أعضاء الفريق يقترب من المرمى ليُسدِّد الهدف، فإذا بهم يجدون بدل المرمى الواحد أكثر من مرمى، وهم لا يعرفون في أيها سيُحرزون الكُرة، تخيَّل حَيرتهم وتشتتهم، والفوضى التي ستحدث لهم؛ ذلك لأنهم تشتَّتوا بين الكثير من الأهداف.

كثيرة هي المشتتات التي تأخذ بعقولنا عن مواصلة السير نحو أهدافنا، خاصة في زمن مواقع التواصل التي تأخذ الكثير من أوقاتنا.

ومن أعظم المهارات التي تساعدك على إدارة أهدافك هي قدرتك على التركيز، والبعد عن هذه المشتتات قدر الإمكان، وتحديد وقت محدد لها لا تتخطَّاه أبدًا، وألَّا تسمح لنفسك بالدخول على مواقع التواصل، إلا بعد أن تُنهي بعض أهدافك ومسؤولياتك اليومية.

فلا تسأل عن الإنجاز والأهداف إذا كنت أول ما تبدأ به يومك، وتفتح عليه عينك، هو تصفح رسائل الواتس أب، والفيس بوك، وغيرها.

فكلما كنت أكثر تحكمًا في هذا الأمر، كنت أكثر تحكمًا في وقتك ونفسك وأهدافك بفضل الله.

فلا تضيِّع عمرك هباءً منثورًا؛ فإنما أنت أيامٌ، بل أنفاس، إذا ضاعت ضاع عمرك.

قاعدة الصحبة:

الإنسان اجتماعي بطبعه، ويتأثر بمن يحيطون به رغمًا عنه، فتجد نفسك تقلِّد أصحابك دون وعي منك؛ لأنك جزء منهم، ولا تحب أن تختلف وتشذَّ عنهم.

لذلك قيل: “قل لي من صاحبك، أقل لك من أنت”، وقيل: “الصاحب ساحب”.

وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «المرء على دين خليله» ))؛ [صحيح].

وتأمل كلمة “دين” لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: المرء على أخلاق خليله مثلًا، بل على دينه وهذا إن دلَّ على شيء، فإنه يدل على قوة تأثير الصحبة والبيئة المحيطة بك.

ثم تأمَّل أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم باتخاذ صحبة صالحة له، والصبر على ذلك، ونهيه له عن طاعة غافل القلب، ومُتَّبع الهوى، ومن كان أمره فرطًا؛ كما قال تعالى: {﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ } [الكهف: 28]، فما أحوجنا نحن لتلك الصحبة في كل أمورنا!

فلا بد أن تبحث عن صحبة مشتركة معك في نفس أهدافك؛ فإنها محفز كبير جدًّا فلا تهمله.

إذا حاوطت نفسك بالجادين، فستحب أن تكون جادًّا مثلهم، وإذا صاحبتَ التافهين والفارغين، فستكون مثلهم، وستتحدث بلغتهم، وتعمل أعمالهم رغمًا عنك.

أما إذا قلت: لا أجد تلك الصحبة المعينة بسهولة، أقول لك: لا يشترط أن تكون هذه الصحبة على أرض الواقع، فوسائل التواصل الآن مليئة بها.

وما أكثر مجموعات التحفيز والتحديات اليوم على وسائل التواصل، التي تجد فيها صحبة مجتمعة لتحقيق هدف معين! فمثلًا: من يرِد إنقاص وزنه، فسيجد العديد من المجموعات المشتركة في هذا الهدف، ومن يرِد تنمية مهارة القراءة أو الكتابة، أو ممارسة الرياضة، أو حفظ القرآن، أو غيرها من الأمور، فسيجد أيضًا.

انتبه؛ فأنت متوسط أقرب خمسة أشخاص تقضي وقتك معهم.

قاعدة الأولويات والأدوار الاجتماعية:

جميعنا لديه العديد من الأدوار الاجتماعية في الحياة؛ فالمرأة – مثلًا – قد تكون زوجةً وأمًّا، وابنة وموظفة، وغيرها من الأدوار المهمة التي لا تحلو حياتنا ولا تكتمل إلا بها.

ولكن ماذا لو تعارضت الأهداف الشخصية مع الأدوار الاجتماعية؟

كأن تكون امرأة لديها مشروع ما أو هدف تقوم به، ولكن أيضًا عندها أولاد في سن صغيرة، ويحتاجون لرعاية منها؟

هل تتركهم لمربِّيَة طول اليوم وتخرج لعملها، وتفرط في وظيفتها الأهم والأولى في هذا الوقت، أم ماذا تفعل؟

الحل هنا أن توازن بين الأمرين إن استطاعت، فإن كان لديها مقدرة على رعاية أبنائها، وفي نفس الوقت تحقق أهدافها، فبها ونعمت، وإلا تؤخِّر بعض أهدافها أو تجزِّئها بحيث لا توثِّر في وظيفة الأمومة التي لن يقوم بها أحدٌ خيرًا منها.

وتجعل أعظم أهدافها وقتئذٍ هي أن تُنشِّئ أولادًا صالحين بارِّين، وما أعظمه من هدف لا يقل أهمية عن أهداف شخصية أخرى، قد تؤجِّلها إلى أن يكبَر أولادها وتطمئنَّ عليهم!

وعليها وقتها أن تُغيِّر تفكيرها، وتعرف أن نجاح أبنائها الناتج عن تربيتها هو نجاح لها، بل أعظم نجاح تُقدِّمه لنفسها ومجتمعها، بل سيعود عليها بالأجور العظيمة يوم القيامة، فخير ما يدَّخره المرء لبعد الموت ولدٌ صالح يدعو له، ويتصدق عنه، ويذكُره إذا نساه الناس.

قاعدة احترم ضعفك:

نحن بشر ولسنا قوالبَ أو آلات، نَمَلُّ ونمرض ونُصاب بالإحباط أحيانًا، أو المشاعر السلبية أحيانًا، فلا تنزعج من ذلك، إذا كان ذلك سيوقفك عن استكمال هدفك أحيانًا.

فكما قال النبي: ((إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً، فمن كانت شِرَّته إلى سُنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غيرِ ذلك، فقد هلك)).

أي: إن كل عمل يكون أوله رغبة ونشاط، وحرص وإقبال، ثم يعقُب ذلك خمولٌ وضعف وسكون، وهذا في كل عمل ديني أو دنيوي.

فاحترم وتقبَّل فترات الملل والضعف، حتى تقوم لنشاطك في العمل والسير من جديد، ولا تُحبط وتترك الطريق بالكلية، عندما تمر بهذه الحالة.

فخ الفشل:

يُحبَط الكثيرون عندما يتعرضون للفشل في طريق سيرهم نحو أهدافهم، وينسَون أن النجاح ما هو إلا تراكم خبرات الفشل.

لا بد أن تُغيِّر هذه القناعة الخاطئة، وتعلم أن الفشل حقًّا هو التوقف في منتصف الطريق، لكن أن تقوم ثم تقف، ثم تسقط ثم تقوم مرة أخرى، فهذا هو النجاح.

وهذه قصة رجل وضع ماله كله وأمله في قطعة الأرض التي اشتراها، فلما ذهب ليزرعها وجدها مُقْفِرةً لا تصلح للزراعة، ولا تنفع للرعي، وليس فيها إلا الأعشاب، وجد الأرض تعيش فيها مئات الحيَّات والثعابين، وكاد يُصاب بالجنون لولا أن خطرت له فكرة عبقرية؛ وهي أن يربي هذه الحيات، ويستفيد منها، وفعل ذلك ونجح نجاحًا باهرًا، وكان يستخرج السموم ويرسل بها لمعامل الأدوية، ويبيع جلودها بأغلى الأثمان، ويحفظ لحومها في علب لمحبي لحم الثعابين، وبعد فترة كان يقصده السياح من كل مكان؛ لرؤية أول مزرعة لتربية الثعابين.

وهكذا كل فشل يمكن أن يكون فرصة عظيمة للنجاح، لو استثمرته استثمارًا جيدًا.

فالفشل المتكرر هو سُلَّم الوصول للنجاح، شرطَ أن تتعلم من الخطأ، ولا تستسلمَ أو تتوقف.

قاعدة المرونة:

قد تسير في طريق ما وتقطع فيه مسافة كبيرة، ثم تجد أن آخره مُغلق، أو به إصلاحات، ولا يمكنك السير فيه واستكماله.

ومن الحكمة وقتها أن تُغيِّر طريقك، وترجع وتستبدل به طريقًا آخرَ، وإلا طال انتظارك، ولن تصل لغايتك.

وهذا بالضبط ما يحدث معك في بعض الأهداف، التي قد تعمل عليها لفترة، ثم تجد أنك أخطأت في اختيارها لسبب ما، أو تجد أنها غير مُجدية، أو تضيع وقتك دون فائدة، أو الخسارة الناتجة عنها أكثر من الفائدة.

فمن الحكمة وقتها أن تكون مرنًا، وتُغيِّر الهدف أو تعدِّله، وتُوقِف نزيف الخسارة في الوقت والمجهود.

كمن يفتتح مشروعًا أو مطعمًا في مكان ما، ويظل يحاول فيه لسنوات وهو يخسر كثيرًا جدًّا، فمن الأفضل أن يعدل فيه أو يُغيِّره، ولا يندم على ما فات من وقت وجهد، وإلا فسيخسر المزيد والمزيد.

وليس معنى ذلك أن تتخلى عن هدفك سريعًا وتَمَلَّ منه، فلا بد لأي هدف من عوائق طبيعية في طريق تحقيقه، ولكن إذا كانت الخسائر كثيرة ومتكررة بنفس النسبة، فوقتها فكِّر جيدًا، وأعِدِ التفكير قبل أن تخسر المزيد.

وهكذا بفضل الله نكون توقفنا عند بعض عوائق الطريق؛ لنكون على حذر منها، وعَرَضنا كذلك بعض قواعد السلامة في طريق تحقيق الأهداف.

وما علينا إلا أن نبدأ السير، ونتابع المسير بجِدٍّ، خطوة خطوة، وإن طال الطريق؛ لنصل إلى خط النهاية، ونحقق ما نرجو بتوفيق الله ومعونته، وبإدمان السير.

أسأل الله لنا ولكم تحقيق أهدافنا، والوصول إلى غايتنا، ونحن في صحة ونعمة، وأمن وأمان.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

من أقوال السلف في أشراط الساعة – فهد بن عبد العزيز الشويرخ

فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن للساعة علامات وأشراط قبل وقوعها من أجل يستعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *