العلم من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فالعلم من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
[كتاب: الفروسية المحمدية]
المناظرة في العلم: للتمرين والتدرب، ولنصر الحق وكسر الباطل:
المسابقة والمناضلة هي من باب الاستعداد للجهاد، فإذا تعلم الناس أسبابه وتدربوا فيها، وتمرنوا عليها قبل لقاء العدو، ألفاهم ذلك عند اللقاء قادرين على عدوهم، مستعدين للقائه.
وهذا كجدل المتناظرين في العلم، فإن أحدهما يورد على صاحبه من الممانعات والمعارضات، وأنواع الأسئلة ما يرد الآخر جوابه؛ ليعرف الحق في المسألة، فإذا جادله مبطل كان مستعدًّا لمجادلته بما تقدم له من المناظرة مع صاحبة.
فالمناظرة في العلم نوعان: أحدهما: للتمرين والتدرُّب على إقامة الحجج ودفع الشبهات. والثاني: لنصر الحق، وكسر الباطل.
فروسية العلم والبيان:
الفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية الرمي والطعان.
ولما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في الفروسيتين، فتحوا القلوب بالحجة والبرهان، والبلاد بالسيف والبنان، وما الناس إلا هؤلاء الفريقان، ومن عداهما، فإن لم يكن رِدءًا وعونًا لهما، فهو كَلٌّ على نوع الإنسان.
[كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]
بذل الجهد في تعلم العلم النافع لإخراج النفس من جهلها:
العبد في الذنب له نظر إلى محل الجناية ومصدرها وهو النفس الأمارةُ بالسوء ويفيده نظره إليها أموراً منها أنها جاهلة ظالمة فيوجب له ذلك بذل الجهد في العلم النافع الذي يُخرجها به عن وصف الجهل والعمل الصالح الذي يُخرجها به عن وصف الظلم.
من لا يصحبه العلم فسلوكه على غير طريق:
منزلة العلم, وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه فسلوكه على غير طريق, وهو مقطوع عليه طريق الوصول, مسدود عليه سبلُ الهدى والفلاح, مغلق عنه أبوابها…ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم, ونواب إبليس وشُرطُه.
فضل العلم وشرفه:
العلم هو حياة القلوب, ونور البصائر, وشفاء الصدور, ورياض العقول, ولذة الأرواح, وأنس المستوحشين, ودليل المتحرين. وهو الميزان الذي به تُوزن الأقوال والأعمال والأحوال, وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين والغي والرشاد والهدى والضلال, وبه يُعرف الله ويُعبد, ويذكر ويُوحد, ويُحمد ويمجد, وبه اهتدى إليه السالكون, ومن طريقه وصل إليه الواصلون, ومن باب دخل عليه القاصدون.
وبه تعرف الشرائع والأحكام, ويتميز الحلال من الحرام, وبه تُوصل الأرحام, وبه تُعرف مراضي الحبيب, وبمعرفتها ومتابعتها يُوصل إليه من قريب.
الفرار إلى العلم والعمل الصالح:
الفرار المذكور: الفرار من الجهلين, من الجهل بالعلم إلى تحصيله اعتقاداً ومعرفةً وبصيرةً, والفرار من جهل العمل إلى السعي النافع والعمل الصالح قصداً وسعياً.
تهذيب الأخلاق بالعلم:
تهذيب الأخلاق بالعلم فالمراد به إصلاحها وتصفيتها بموجب العلم, فلا يتحرك بحركةٍ ظاهرةٍ أو باطنةٍ إلا بمقتضى العلم, فتكون حركات ظاهره وباطنه موزنةً بميزان الشرع
الجود بالعلم:
الجود بالعلم وبذله, وهو أعلى مرتب الجود, والجود به أفضل من الجود بالمال, لأن العلم أشرف من المال.
[كتاب:الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]
العلم المزكِّي للنفوس:
فليس العلم في الحقيقة إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل طلبًا وخبرًا، فهو العلم المزكي للنفوس، المكمل للفطر، المصحح للعقول، الذي خصه الله باسم العلم… وشهد لأهله أنهم أولو العلم؛ فقال تعالى: {﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾} [الروم: 56]، وقال: {﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾} [آل عمران:18] والمراد أولو العلم بما أنزله على رسله ليس إلا، وليس المراد أولو العلم بالمنطق والفلسفة وفروعهما.
وقال تعالى: {﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ } [طه: 114]، فالعلم الذي أمره باستزادته هو علم الوحي، لا علم الكلام والفلسفة والمنطق.
[كتاب: أعلام الموقعين عن رب العالمين]
العلم والحلم:
قال بعض السلف: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم.
فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله، وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات، فالحليم لا يستفزه البدوات، ولا يستخفه الذين لا يعلمون، ولا يُقلقله أهل الطيش والخفة والجهل، بل هو وقور ثابت ذو أناة يملِك نفسه عند ورد أوائل الأمور عليه، ولا تملكه أوائلها، وملاحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب والشهوة، فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره، وعند الشر فيصبر عنه.
العلم نور:
العلم نور يقذفه الله في القلب، يفرق به العبد بين الخطأ والصواب.
[كتاب: زاد المعاد في هدى خير العباد]
العلم يشرح الصدر:
العلم…يشرح الصدر, ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا, والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس, فكلما اتسع علم العبد, انشرح صدره واتسع, وليس هذا لكل علم, بل للعلم المورث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع, فأهله أشرحُ الناس صدراً, وأوسعهم قلوباً, وأحسنهم أخلاقاً, وأطيبهم عيشاً.
[ كتاب الصلاة]
الشاذ من العلم
لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشاذِّ من العلم.
[كتاب: بدائع الفوائد]
أهمية طلب العلم على الشيوخ والعلماء:
سمعت شيخنا أبا العباس ابن تيمية يقول: يستحيل دخول ” لام العاقبة ” في فعل الله, فإنها حيث وردت في الكلام, فهي لجهل الفاعل بعاقبة فعله, كالتقاط آل فرعون لموسى, فإنهم لم يعلموا عاقبته, أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة نحو: لِدُوا للموت وابنُوا للخَرَاب. فأما في فعل من لا يعزبُ عنه مثقال ذرة, ومن هو على كل شيءٍ قدير, فلا يكون قط إلا ” لام كي ” وهي لام التعليل.
ولمثل هذه الفوائد التي لا تكادُ توجد في الكتب يُحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء
العلم والعمل:
العلم والعمل توأمان أمُّهما علو الهمة.
.[كتاب: الفوائد]
العلم الذي لا يضرّ الجهل به لا ينفع العلم به:
كل علم لا يضرُّ الجهل به, فإنه لا ينفع العلم به, وكان النبي صلى الله عليه وسلك يستعيذ بالله من علم لا ينفع, وهذا حال أكثر العلوم الصحيحة المطابقة التي لا يضُرُّ الجهل بها شيئاً. كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته وعدد الكواكب ومقاديرها, والعلم بعدد الجبال وألوانها ومساحتها.
أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان. ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله: {﴿ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ ﴾ } [المجادلة:11]
لو نفع العلم بلا عمل, لما ذمَّ الله سبحانه أحبار أهل الكتاب, ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذمَّ المنافقين.
من آثر الدنيا من اهل العلم:
كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها, فلا بد أن يقول على الله غير الحق, في فتواه وحكمه, في خبره وإلزامه, لأن أحكام الربِّ سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس.
[كتاب: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح]
مفتاح العلم:
مفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء
من أنفع أبواب العلم:
وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم, وهو معرفة مفاتيح الخير والشر, لا يُوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه, فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يُدخل منه إليه,
[كتاب: روضة المحبين ونزهة المشتاقين]
الغيرة على دقيق العلم
من الغيرة: الغيرة على دقيق العلم, وما لا يدركه فهم السامع أن يُذكر له, ولهذا الغيرة قال على بن أبي طالب: حدِّثوا الناس بما يعرفون, أتحبون أن يُكذب الله ورسوله ؟ وقال ابن مسعود: ما أنت بمحدثٍ قوماً حديثاً لا تبلغهُ عقولهم إلا كان لبعضهم فتنةً. فالعالم يغار على علمه أن يبذله لغير أهله, أو يضعه في غير محله.
[كتاب: مفتاح دار السعادة]
تشبيه العلماء بالنجوم:
أما تشبيه العلماء بالنجوم, فلأن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر, وكذلك العلماء, والنجوم زينة للسماء, وكذلك العلماء زينة للأرض.
وهي رجوم للشياطين حائلة بينهم وبين استراق السمع, لئلا يلبسوا بما يسترقونه من الوحي الوارد إلى الرسل من الله على أيدي ملائكته, وكذلك العلماء رجوم لشياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً, فالعلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين, ولولاهم لطُمست معالم الدين بتلبيس المضلين, ولكن الله سبحانه أقامهم حُراساً وحفظةً لدينه ورجوماً لأعدائه وأعداء رسله
الفقيه:
قال الحسن البصري: الفقيه: الزاهد الراغب في الآخرة, البصير بدينه, المداوم على عبادة ربه, الذي لا يهمز من فوقه, ولا يسخر ممن دونه, ولا يبتغي على علم علَّمه الله تعالى أجراً, وقال بعض السلف: إن الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله, ولم يؤمنهم من مكر الله, ولم يدع القرآن رغبةً عنه إلى ما سواه
الأمثال التي يضربها الله للناس المنتفعون بها أهل العلم:
سبحانه أخبر عن أمثاله التي يضربها لعباده – يدلهم على صحة ما أخبر به – أن أهل العلم هم المنتفعون بها, المختصون بعلمها, فقال تعالى: ﴿ تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت:43] وفي القرآن بضعة وأربعون مثلاً.
وكان بعض السلف إذا مرَّ بمثل لا يفهمه يبكى ويقول: لستُ من العالمين.
وجوه فضل العلم على المال:
فضلُ العلم على المال يُعلمُ من وجوه:
أحدها: أن العلم ميراثُ الأنبياء, والمال ميراثُ الملوك والأغنياء.
الثاني: أن العلم يحرسُ صاحبه, وصاحب المال يحرسُ ماله.
الثالث: أنَّ المال تُذهِبُه النفقات, والعلمُ يزكو على النفقة.
الرابع: أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله, والعلمُ يدخلُ معه قبره.
الخامس: أن العلم يحكم على المال, والمال لا يحكم على العلم.
السادس: أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبرِّ والفاجر, والعلمُ النافع لا يحصل إلا للمؤمن.
السابع: أن العالِمَ يحتاجُ إليه الملوكُ فمن دونهم, وصاحب المالُ إنما يحتاج إليه أهلُ العُدم والفاقة.
الثامن: أن النفسَ تشرفُ وتزكو بجمع العلم وتحصيله, وذلك من كمالها وشرفها, والمالُ لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال, بل النفس تنقصُ وتشحُّ وتبخلُ بجمعه والحرص عليه, فحرصها على العلم عين كمالها, وحرصها على المال عين نقصها.
التاسع: أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء, والعلمُ يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية فالمالُ يدعوها إلى صفات الملوك, والعلمُ يدعوها إلى صفات العبيد
العاشر: ما أطاع الله أحد قط إلا بالعلم, وعامة من يعصيه إنما يعصيه بالمال.
الحادي عشر: أن العلم حاجب موصل لها إلى سعادتها التي خُلقت لها والمال حجاب عنها وبينها.
الثاني عشر: أن المال يستعبدُ مُحِبَّه وصاحبه, فيجعلُه عبداً له, والعلم يستعبده لربه وخالقه.
الثالث عشر: أن قيمة الغني مالُه, وقيمة العالم علُمه, فهذا متقوم بماله, فإذا عُدِمَ عُدمت قيمتُه فبقي بلا قيمة, والعالمُ لا تزولُ قيمته بل هي في تضاعفٍ وزيادة دائمة
الرابع عشر: أن العالم يدعو الناس إلى الله بعلمه وحاله, وجامعُ المال يدعوهم إلى الدنيا بحاله وماله.
الخامس عشر: أن اللذة الحاصلة من غنى المال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية, فإن صاحبه إن التذَّ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية, وإن التذَّ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية, وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية, وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها. وفرق بين اللذتين.
السادس عشر: أن غنى المال مقرون بالخوف والحزن, فهو حزين قبل حصوله, خائف بعد حصوله. وكلما كان أكثر كان الخوف أقوى, وغنى العلم مقرون بالأمن والفرح والسرور.
السابع عشر: أن الغنى بالمال هو عين فقر النفس, والغنى بالعلم هو غناها الحقيقي, فغناها بعلمها هو الغنى, وغناها بمالها هو الفقر.
الثامن عشر: أن غنى المال يبغضُ الموت ولقاء الله, فإنه لحبه ماله يكره مفارقته ويحب بقاءه,…وأما العلم فإنه يحبِّبُ للعبد لقاء ربه, ويزهده في هذه الدنيا…الفانية
التاسع عشر: أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم, والعلماءُ يموتون ويحيا ذكرُهم.
العشرون: أن من قُدِّم وأُكرم لماله إذا زال ماله ذهب تقديمه وإكرامه, ومن قُدِّم وأُكرِم لعلمه فإنه لا يزداد إلا تقديماً وإكراماً.
أفضل الأعمال بعد الفرائض طلبُ العلم:
كثير من الأئمة صرَّحوا بأن أفضل الأعمال بعد الفرائض طلبُ العلم.
فقال الشافعي: ليس شيء بعد الفرائض أفضلَ من طلب العلم.
وحكاه الحنفية عن أبي حنيفة. وأما الإمامُ أحمد فحُكي عنه ثلاث روايات:
إحداهن: أنه العلم, والرواية الثانية: صلاة التطوع, والرواية الثالثة: أنه الجهاد.
وأما مالك فقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم, فخرجوا على أئمة محمد صلى الله عليه وسلم بأسيافهم, ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك.
يقبح بالإنسان أن يكون غاقلًا عن العلوم النافعة:
لا شيء أقبحُ بالإنسان من أن يكون غافلاً عن الفضائل الدينية والعلوم النافعة والأعمال الصالحة, فمن كان كذلك فهو من الهمج الرّعاع الذين يُكدرون الماء ويُغلون الأسعار, إن عاش عاش غير حميد, وإن مات مات غير فقيد, ففقدُهم راحة للبلاد والعباد ولا تبكى عليهم السماء ولا تستوحش لهم الغبراء
لشرف العلم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يسأله المزيد منه:
سبحانه أمر نبيه أن يسأله مزيد العلم, فقال تعالى: {﴿ فَتَعالَى اللَّـهُ المَلِكُ الحَقُّ وَلا تَعجَل بِالقُرآنِ مِن قَبلِ أَن يُقضى إِلَيكَ وَحيُهُ وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا ﴾ } [طه:114] وكفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن سأله المزيد منه
العلم طعام القلب:
العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه وحياته موقوفة على ذلك, فإذا فقد القلب العلم فهو ميت, ولكن لا يشعر بموته.
مراتب العلم:
أولها حُسنُ السؤال
الثانية حُسنُ الإنصات والاستماع
الثالثة حُسنُ الفهم
الرابعة: الحفظ
الخامسة: التعليم
السادسة: وهي ثمرته وهي العمل به
استغفار الحيوانات للعالم:
قوله صلى الله عليه وسلم: (( «إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء » )) قيل: إن (( من في السموات ومن في الأرض )) المستغفرين للعالم عام في الحيوانات, ناطقها وبهيمها, طيرها وغيره, ويؤكد هذا قوله: (( حتى الحيتان في الماء, وحتى النملة في جحرها )) فقيل: سبب هذا الاستغفار أن العالم يعلّم الخلق مراعاة هذه الحيوانات, ويعرفهم ما يحلُّ منها وما يحرُم, ويعرّفهم كيفية تناولها, واستخدامها, وركوبها, والانتفاع بها, وكيفية ذبحها على أحسن الوجوه وأرفقها بالحيوان, والعلمُ أشفق الناس على الحيوان, وأقومهم ببيان ما خُلِقَ له.
العلم غنى بلا مال, وعز بلا عشيرة, وسلطان بلا رجال.
الله سبحانه جعل صيد الكلب الجاهل ميتةً يحرمُ أكلها, وأباح صيد الكلب المعلَّم. وهذا أيضاً من شرف العلم: أنه لا يباح إلا صيد الكلب العالِم, وأما الكلب الجاهل فلا يحلُّ أكل صيده, فدلَّ على شرف العلم وفضله.
محبة العلم من علامات السعادة:
محبةُ العلم من علامات السعادة وبغضُ العلم من علامات الشقاوة, وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به, وورثوه للأمَّة, لا في كلِّ ما يسمى علماً.
أمراض القلب دواؤها العلم
وللقلب أمراض أُخر من: الرياء, الكِبر, والعُجب, والحسد, والفخر, والخُيلاء, وحبِّ الرياسة والعلوِّ في الأرض.
هذه الأمراض كلُّها متولدة عن الجهل, ودواؤها العلم.
فأمراض القلوب أصعبُ من أمراض الأبدان, لأن غاية مرض البدن أن يُفضي بصاحبه إلى الموت, وأمَّا مرضُ القلب فيُفضي بصاحبه الشقاء الأبدي, ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم.
ولهذا سمى الله تعالى كتابه شفاءً لأمراض الصدور, قال تعالى: {﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ ﴾} [يونس:57] فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفُّس في الهواء, بل أعظم وبالجملة, فالعلم للقلب مثلث الماء للسَّمك إذا فقده مات.
نواب إبليس في الأرض هم الذين يثبطون الناس عن طلب العلم والتفقه في الدين
[كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى]
أنواع العلوم:
العلوم بين علم لا ينفع, وبين ظنون كاذبة، وبين علم نفعه في العاجلة وليس من زاد المعاد, … وعلم سعادة النفوس وشقاوتها، وعلم صلاح القلوب وأمراضها.
[كتاب: الرسالة التبوكية]
العلماء والأمراء هم أولي الأمر:
قال تعالى: { ﴿ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ } [النساء:59] فأمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله…وأما أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول, لا طاعة مفردة مستقلة , كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( على المرء السمع والطاعة فيما أحب كره, ما لم يؤمر بمعصية الله, فإن أُمِرَ بمعصية الله, فلا سمع ولا طاعة ))
وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في أولي الأمر, فعنه فيه روايتان:
إحداهما: أنهم العلماء.
والثانية: أنهم الأمراء.
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية, والصحيح أنها متناولة للصنفين جميعاً, فإن العلماء والأمراء هم ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله.
فالعلماء ولاتُه حفظاً وبياناً, وبلاغاً, وذباً عنه, ورداً على من ألحد فيه وزاغ عنه, وقد وكلهم الله بذلك, فقال تعالى: {﴿ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ﴾ } [الأنعام:89] فيا لها من وكالة أوجبت طاعتهم والانتهاء إلى أمرهم, وكون الناس تبعاً لهم.
والأمراءُ وُلاتهُ قياماً, ورعايةً, وجهاداً, وإلزاماً للناس به, وأخذهم على يد من خرج عنه. وهذان الصنفان هم الناس, وسائر النوع الإنساني تبع لهم ورعية.
[كتاب: تهذيب سنن أبي داود]
العلم والأخلاق
العلم…به يعرف معالي الأخلاق وسفسافها، فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به، ويترك هذا ويتخلى عنه
[كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]
من أراد الله به خيرًا علّمه ما ينفعه:
الإنسان خلق في الأصل ظلوماً وجهولاً, ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه, ويُلهمه رُشده, فمتى أراد به الخير علّمه ما ينفعه, فخرج به من الجهل, ونفعه بما علمه, فخرج من الظلم. ومتى لم يُرد به خيراً أبقاه على أصل الخلقة.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
Source link