قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد)
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: (ما هذا الحبل؟) قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد)» [متفق عليه] ..
قال العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ – رحمه الله -:
ذكر المؤلفُ – رحمه الله – فيما نقله أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد – يعني المسجد النبوي – فإذا حبل ممدود بين ساريتين، أي بين عمودين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا حبل لزينب تربطه، فإذا تعبت من الصلاة تعلقت به من أجل أن تنشط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حلُّوه» يعني أخِّروه وأزيلوه. ثم قال: «ليُصلِ أحدُكم نشاطَه، فإذا فتَرَ فليرقد».
ففي هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعمق وأن يتنطع في العبادة، وأن يكلف نفسه ما لا تطيق، بل يصلي ما دام نشيطًا، فإذا تعب فليرقد ولينم، لأنه إذا صلى مع التعب تشوش فكره وسئم ومل وربما كره العبادة، وربما ذهب ليدعو لنفسه فإذا به يدعو عليها، فلو سجد وأصابه النعاس ربما أراد أن يقول: رب اغفر لي، قال: رب لا تغفر لي، لأنه نائم، فلهذا أمر النبي – عليه الصلاة والسلام – بحل هذا الحبل، وأمرنا أن يصلي الإنسانُ نشاطه، فإذا تعب فليرقد.
وهذا وإن ورد في الصلاة فإنه يشمل جميع الأعمال، فلا تكلف نفسك ما لا تطيق، بل عامل نفسك بالرفق واللين، ولا تتعجل الأمور، الأمور ربما تتأخر لحكمة يريدها الله عز وجل، لا تقل أنا أريد أن أتعب نفسي، بل انتظر وأعط نفسك حقها، ثم بعد ذلك يحصل لك المقصود.
ومن ذلك أيضًا ما يفعله بعض الطلبة، حيث تجده مثلًا يطالع في دروسه وهو نعسان، فيتعب نفسه ولا يحصل شيئًا، لأن الذي يراجع وهو نعسان لا يستفيد، وإن ظن أنه يستفيد فإنه لا يستفيد شيئًا أبدًا؛ ولهذا ينبغي على الإنسان إذا أصابه النعاس وهو يراجع كتبًا – سواء كتبًا منهجية أو غير ذلك – ينبغي له أن يغلق الكتاب، وأن ينام ويستريح.
وهذا يعم جميع الأوقات، حتى لو فرض أن الإنسان أصابه النعاس بعد صلاة العصر وأراد أن يرقد ويستريح فلا حرج، أو بعد صلاة الفجر وأراد أن يرقد ويستريح فلا حرج، كلما أتاك النوم فنم، وكلما صرت نشيطًا فاعمل { ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ } [الشرح: 7، 8]، كل الأمور اجعلها بالتيسير، إلا ما فرض الله عليك فلابد أن يكون في الوقت المحدد له، وأما الأمور التطوعية فالأمر فيها واسع، لا تتعب نفسك في شيء. نسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2 /227 – 229)
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية
Source link