إطالة الشعر إن اعترض الوالدين – خالد عبد المنعم الرفاعي

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن الثابت عن فِعل النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنَّهُ كان يُطِيلُ شَعره حتَّى يبلُغَ شَحْمَةَ أُذُنِه، على العادات التي كانت معروفةً عند العرب، فكان شعرُه فَوْقَ الجُمَّةِ وَدُونَ الوَفْرَةِ، وكانَتْ جُمَّتُه تَضْرِبُ شَحْمَة أُذُنَيْهِ؛ فعن البَرَاء بْنِ عازبٍ – رضي الله عنهما – قال: ((كانَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلَّم – مربوعًا بَعيدَ ما بَيْنَ المَنكِبَيْنِ، له شَعرٌ يبلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِه، رأيْتُه في حُلَّةٍ حمراءَ لم أَرَ شيئًا قَطُّ أحسنَ مِنْه))؛ متفق عليه واللفظ للبخاري.

وكان يصِلُ شعرُهُ أحيانًا إلى مَنْكِبِه أو عاتِقِه؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: ((كان شَعرُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رَجِلاً، ليس بالسَّبْطِ ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه)) وفي رواية: ((كان يَضرب شعرُه مَنْكِبَيْهِ))؛ متفق عليهما.

وإطالةُ النبيِّ – صلى الله عليه وسلَّم – شَعْرَه على هذا النحو من سُنَن العادات الجِبِلّيّة، وليست مِنْ سُنَنِ الهَدْيِ التي يُؤْجَر المسلمُ على فِعلِها،  ولا تدخل فيما ينبغي الاقتداء به.

وقد نَصَّ الآمديُّ في “الإحكام” على أنَّ ما كان من الأفعال الجِبِلّيّة – أى الطّبيعيّة؛ كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه – فلا نِزاعَ في كونِه على الإباحةِ بالنسبة إلى النبي – صلى الله عليه وسلَّم – وإلى أُمَّتِه”.

قال العلوي الشنقيطي في “مراقي السعود”:

وَفِعْلُهُ الْمَرْكُوزُ فِي الْجِبِلَّهْ  = كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَيْسَ مِلَّهْ

وقال الشوكاني: “إنَّ ما لا يتعلَّق بالعبادات ووَضَحَ فيه أَمْرُ الجِبِلّيّة؛ كالقِيام والقعود ونحوهما فليس فيه تَأَسٍّ ولا به اقْتِدَاءٌ، ولكنه يدُلُّ على الإباحة عند الجمهور”.

ثُم أورد خلافًا لغيرهم في ذلك؛ فقد نقل الباقلانيُّ عن قوم أنه مندوبٌ، وكذا الغزالي في كتابه “المنخول”، وقال: “لأنَّ عبدالله بنَ عمر يَتَتَبَّعُ مثل هذا ويقتدي به، كما هو معروف عنه”. اهـ.

وهو المذهبُ عند الحنابلة؛ قال الإمام أحمدُ فيه: “سُنةٌ حسنةٌ، لو أمكَنَنَا اتَّخذناه – يعني الشَّعر -“. وقال ابنُ قُدامةَ: “ويُستَحَبُّ أن يَكونَ شَعْرُ الإِنسانِ على صِفةِ شَعْرِ النَّبِيّ – صلى الله عليه وسلم -؛ إذا طال فإلى مَنْكِبَيْهِ، وإن قَصُرَ فإلى شحمة أُذُنَيْهِ، وإنْ طوَّلَهُ فلا بأس. نصَّ عليه أحمدُ. وقال أبو عبيدة: كانتْ له عَقِيصتانِ، وعثمانُ كانَتْ له عَقِيصتان”. اهـ.

قال السمعاني في “أماليه”: “إنَّ الأعمال الخارجة عن العبادة لا تُفِيدُ الثَّوابَ إلا إذا نَوَى بِها فاعِلُها القُرْبَةَ؛ كالأكل إذا نوى به القُوَّة على الطاعة، أوْ هيئَةِ الأَكْلِ إِذَا نَوَى بِها الاقتداءَ بالنبي – صلى الله عليه وسلم -؛ كالأكل بثلاثٍ أوْ مُتربّعًا، ونحو ذلك”. اهـ.

والذي يظهر أن أمر اللباس وإطالة الشعر وغيرها من الجبليات ينبغي اتّباعُ العُرْفِ السائد في البلد، حتّى لا يُعَرّضَ

المسلمُ نَفْسَهُ للسخرية، واغْتِيابِ النَّاس له؛ قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في “فتاوى نور على الدرب”: “إطالةُ شعر الرأس لا بأس به؛ فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – له شعر يَقْرُبُ أحيانًا إلى مَنْكِبَيْهِ، فهو على الأصل لا بأس به، ولكنْ مَعَ ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرفُ واستقرَّتِ العادةُ بأنَّه لا يَستعمِلُ هذا الشيءَ إلا طائفةٌ معيَّنة نازلة في عادات الناس وأعرافهم؛ فلا ينبغي لذَوِي المُرُوءة أن يستعملوا إطالَةَ الشعر؛ حيث إنه لدى الناس وعاداتِهم وأعرافِهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة. فالمسألة إذًا بالنسبة لتطويل الرَّجُلِ لرأسه من باب الأشياء المباحةِ التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلِّهم شريفِهم ووضيعِهم؛ فلا بأسَ به، أمَّا إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضَّعَة؛ فلا يَنبغِي لِذَوِي الشرف والجاه أن يستعمِلُوها، ولا يرِد على هذا أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلم – وهو أشرف الناس وأعظمُهم جاهًا كان يتَّخذُ الشعر؛ لأنَّنا نرى في هذه المسألةِ أنَّ اتِّخاذَ الشعر ليس من باب السُّنَّة والتعبُّد، وإنما هو من باب اتّباع العرف والعادة”.

وقال في “الباب المفتوح” تعليقًا على حديث ((احْلِقْهُ كُلَّه أوِ اترُكْهُ كُلَّه)): “ولو كان الشعر مِمَّا ينبغي اتّخاذه لقالَ: أَبْقِهِ؛ وعلى هذا فنقول: اتّخاذُ الشعر ليس من السّنَّة، لكن إن كان الناس يَعتادون ذلك فافعل، وإلاَّ فافْعَلْ ما يعتادُه النَّاس” اهـ.

إذا تقرر هذا فينبغي على السائل أن يطيع والديه في حلق شعره؛ لأن إطالة الشعر ليس من سنن الهدي والعبادة، وحتى لا يجعل نفسه موضع تهمة إن كان أهل الفسادفي بلده هم من يطيلون الشعر،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حكم صيام الست من شوال يوم الاثنين والخميس – الإسلام سؤال وجواب

منذ حوالي ساعة لا حرج في أن تجعل صيام الست من شوال يوم الاثنين والخميس، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *