الحج والعمرة.. فضلهما ومنافعهما – طريق الإسلام

الحج هو آخر ما فرض من الشعائر والعبادات، إذ كانت فرضيته في السنة التاسعة من الهجرة النبوية على أرجح الأقوال

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب  أ:   أشرف شعبان أبو أحمد

الحج هو آخر ما فرض من الشعائر والعبادات، إذ كانت فرضيته في السنة التاسعة من الهجرة النبوية على أرجح الأقوال…. (1) وهو أحد أركان الإسلام الخمسة وفرض من الفرائض التي علمت من الدين بالضرورة فلو أنكر وجوبه منكر كفر وارتد عن الإسلام….(2) وقد فرضه الله على كل مستطيع قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين ) سورة آل عمران آية 97 …. (3) ولا يكتمل إيمان العبد القادر إلا بأدائه…. (4) وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور عند الاستطاعة عليه بينما ذهب الشافعي والثوري والأوزاعي ومحمد بن الحسن إلى أن الحج واجب على التراخي فيؤدى في أي وقت من العمر ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة…. (5) وقد أجمع العلماء على إن أشهر الحج التي لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة واختلفوا في ذي الحج هل هو بكماله من أشهر الحج أو عشر منه؟ فذهب ابن عمر وابن عباس وابن مسعود والأحناف والشافعي وأحمد إلى الرأي الثاني، وذهب مالك إلى الرأي الأول ورجحه ابن حزم فقال: إن قول الله تعالى في سورة البقرة آية 197 ( الحج اشهر معلومات ) لا يطلق على شهرين وبعض آخر أشهر….(6) كما أجمع العلماء على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة إلا أن ينذر بأدائه فيجب الوفاء بالنذر، وما زاد عن الفريضة فهو تطوع فعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( يا أيها الناس كتب عليكم الحج ) فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال ( لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه….(7) 

أما العمرة فقد ذهب الأحناف ومالك إلى أنها سنة لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال ( لا، وأن تعتمروا هو أفضل ) رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح بينما عند الشافعية وأحمد أنها فرض لقوله تعالى في سورة البقرة آية 196 ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فقد عطفت على الحج وهو فرض فهي فرض كذلك والرأي الأول أرجح. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت العمرة جميع أيام السنة فيجوز أداؤها في أي يوم من أيامها وذهب أبو حنيفة إلى كراهتها في خمسة أيام هي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة وذهب أبو يوسف إلى كراهتها في يوم عرفة وثلاثة أيام بعده واتفقوا على جوازها في أشهر الحج. ويجوز تكرارها فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة مع حجته رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بسند رجاله ثقات وعن نافع اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعواما في عهد ابن الزبير عمرتين في كل عام، وعن القاسم إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات، ويجوز للمعتمر أن يعتمر في أشهر الحج من غير أن يحج فقد اعتمر عمر في شوال ورجع إلى المدينة دون أن يحج كما يجوز له الاعتمار قبل أن يحج كما فعل عمر رضي الله عنه…. (8) هذا وتؤدى العمرة بمفردها كما ذكر أو مع الحج ووجوه أدائهما معا فثلاثة هي…. (9) الأول: القران ومعناه أن يحرم من عند الميقات بالحج والعمرة معا ويقول عند التلبية لبيك بحج وعمرة وهذا يقتضي بقاء المحرم على صفة الإحرام إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحج معا أو يحرم بالعمرة ويدخل عليها الحج قبل الطواف، الثاني: التمتع ومعناه هو الاعتمار في أشهر الحج ثم يحج من عامه الذي اعتمر فيه وهذا يقتضي أن يحرم من الميقات بالعمرة وحدها ويقول عند التلبية لبيك بعمرة والبقاء على صفة الإحرام حتى الانتهاء من أعمالها ويتحلل إلى أن يجئ يوم التروية فيحرم من مكة بالحج، الثالث: الإفراد ومعناه أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج وحده ويقول في التلبية لبيك بحج ويبقى محرما حتى تنتهي أعمال الحج ثم يعتمر بعد ذلك أن شاء…. (10)

وقد اتفق الفقهاء إن للحج والعمرة شروط وجوب وشروط صحة وهي نفس الشروط فيهما ماعدا وقت الأداء فيشترط لوجوبهما، الإسلام البلوغ العقل الحرية الاستطاعة. ويشترط لصحتهما الإسلام التمييز الإحرام والمكان المخصص لأداء كل ركن من أركانهما والوقت المخصص لأداء كل ركن من أركانهما…. (11)

وللحج والعمرة أركان وواجبات وسنن ومفسدات، فيجب للعمرة ما يجب للحج وكذلك يسن لها ما يسن له وبالجملة فهي كالحج في الإحرام والفرائض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمفسدات والإحصار ولكنها تخالفه في بعض الأمور أنها ليس لها وقت معين وليس فيها وقوف بعرفة ولا نزول بمزدلفة وليس فيها رمي جمار ولا طواف قدوم وميقاتها الحل لجميع الناس بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي الحرم…. (12) وأركان الحج التي لا يصح الحج بدونها هي الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف بعرفة…. (13) أما واجبات الحج فهي الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة جزء من النهار وجزء من الليل والمبيت بالمزدلفة ليلة النحر أو البقاء بها مدة من النصف الثاني من الليل ورمي الجمار على الترتيب وبالكيفية المطلوبة والمبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة وأيام التشريق وطواف الوداع…. (14) وأما محظورات الحج والعمرة فهي لبس المخيط أو المحيط كما يحرم لبس الخف والحذاء أو ما يغطي الكعبين وتغطية الرأس والوجه أو بعضهما بأي ساتر…. (15) وقد أجمع العلماء على أن هذا مختص بالرجل أما المرأة فلها أن تلبس جميع ذلك ولا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الطيب والنقاب والقفازان….(16) مس الطيب أو شمه أو حمله أو استعماله في البدن أو الثياب وكذلك استعمال ما فيه طيب أو شرب أو أكل ما اختلط به طيب، قص الأظفار أو إزالة أي شعر بالحلق أو القص أو النتف أو الحك لقوله تعالى في سورة البقرة آية 196 ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) الجماع ودواعيه ومقدماته كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء، عقد النكاح لنفسه أو لغيره، التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح أو الدلالة عليه أو الإشارة إليه أو إيذاؤه أو إفساد بيضه كما يمنع الأكل منه إذا صاده بنفسه أو صاده محرم آخر لقوله تعالى ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) سورة المائدة آية 96 …. (17) كما يمنع على المحرم اكتساب السيئات واقتراف المعاصي والمخاصمة مع الرفقاء والمشاتمة والكلام الفاحش والجدال والأصل في تحريم هذه الأشياء قوله تعالى ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) سورة البقرة آية 197، قتل أي شئ ماعدا الفواسق الخمسة وهي الحدأة والغراب والحية والعقرب والكلب العقور، دهن الشعر أو البدن وكذلك الخضاب بالحناء في الشعر أو البدن، لبس الثياب المصبوغة بما له رائحة طيبة، التعرض لشجر الحرم أو حشيشه بقطع أو قلع أو إتلاف كما لا يجوز تنفير صيده…. (18) أما مفسدات الحج والعمرة فهي ترك ركن من أركانهما أو الجماع بأي كيفية في قبل أو دبر مع آدمي أو غيره قبل التحلل الأصغر في الحج وقبل التحلل في العمرة …. (19) وينبغي أن تكون نفقة الحج أو العمرة وكذلك سائر معاملات المسلم المالية من نفقة طيبة ففي الحديث الصحيح ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا خرج الحاج بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك ناداه مناد من السماء  لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور )….(20)

وتبدأ  أعمال الحج بالميقات وهو المكان الذي حدده الرسول عليه الصلاة والسلام  ليحرم منه أو بحذائه من يريد الحج أو العمرة، ولكل أهل جهة مكان معين ولا يجوز لحاج أو معتمر أن يتجاوزه دون أن يحرم، ويتحقق الإحرام  بتقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والوضوء أو الاغتسال وهو أفضل وتسريح اللحية وشعر الرأس والتجرد من الثياب المخيطة ولبس ثوبي الإحرام وهما رداء يلف النصف الأعلى من البدن دون الرأس وإزار يلف به النصف الأسفل منه وينبغي أن يكونا أبيضين فإن الأبيض أحب الثياب إلى الله تعالى والتطيب في البدن والثياب وصلاة ركعتين ينوي بهما سنة الإحرام يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص. ويبدأ المحرم بالتلبية من وقت الإحرام إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر بأول حصاة ثم يقطعها، وقال مالك  يلبي حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها هذا بالنسبة للحج وأما المعتمر فيلبي حتى يستلم الحجر الأسود ولفظها: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويستحب الجهر بها وللمرأة أن تسمع نفسها ومن يليها ويكره لها أن ترفع صوتها أكثر من ذلك، كما تستحب التلبية عند الركوب أو النزول وكلما عل شرفا أو هبط واديا أو لقي ركبا وفي دبر كل صلاة وبالأسحار ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بعدها. ثم يتجه الحاج إلى الكعبة قاصدا الحجر الأسود فيقبله بدون صوت فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله فإن عجز عن ذلك أشار إليه بيده ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف سبعة أشواط يستحب أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فيسرع في المشي ويقارب الخطا مقتربا من الكعبة ويمشي مشيا عاديا في الأشواط الأربعة الباقية ويستحب أن يستلم الركن اليماني ويقبل الحجر الأسود أو يستلمه في كل شوط كما يستحب له أن يكثر من الذكر والدعاء، فإذا فرغ من الأشواط السبعة صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في أي مكان بالمسجد وبهذا ينتهي الطواف وإن كان  الطائف قارنا أو متمتعا كان هذا الطواف طواف العمرة ويجزى عن طواف التحية والقدوم وعليه أن يمضي في استكمال عمرته فيسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ويبدأ بالصفا ويختم بالمروة على أن يكون السعي في الطريق الممتد بينهما ولا يشترط الموالاة في السعي، كما ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا تشترط الطهارة فيه وإن كان المستحب أن يكون المرء على طهارة في جميع مناسكه ويجوز السعي راكبا وماشيا والمشي أفضل، ويندب المشي بين الصفا والمروة فيما عدا بين الميلين فإنه يندب الرمل بينهما، ويستحب الرقي على الصفا والمروة واستقبال البيت والدعاء بما شاء من أمر الدين والدنيا كما يستحب  أثناء السعي بينهما الدعاء وذكر الله تعالى وقراءة القرآن. وبالطواف والسعي تنتهي أعمال العمرة ويحل المحرم من إحرامه بالحلق أو التقصير إن كان متمتعا ويبقى على إحرامه إن كان قارنا ولا يحل إلا يوم النحر ويكفيه هذا السعي عن السعي بعد طواف الفرض إن كان قارنا ويسعى مرة أخرى بعد طواف الإفاضة إن كان متمتعا ويبقى بمكة حتى يوم التروية ومن السنة التوجه إلى منى يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ويستحب الإكثار من الدعاء والتلبية عند التوجه إلى منى وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والمبيت بها وأن لا يخرج الحاج منها حتى تطلع شمس يوم التاسع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن ترك ذلك أو شيئا منه فقد ترك السنة ولا شئ عليه و يسن التوجه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم التاسع عن طريق ضب مع التكبير والتهليل والتلبية ويستحب النزول بنمرة والاغتسال عندها للوقوف بعرفة ويستحب أن لا يدخل عرفة إلا بعد الزوال والمقصود بالوقوف بعرفة هو الحضور والوجود في أي جزء من عرفة ولو كان نائما أو يقظان أو راكبا أو قاعدا أو مضجعا أو ماشيا وسواء أكان طاهرا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجنب، ويجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة لأن عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة فإن الوقوف به لا يجزئ بالإجماع ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات أو قريبا منها حسب الإمكان ويندب الاغتسال للوقوف بعرفة كما ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة واستقبال القبلة والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء بما فيه خير الدين والدنيا مع الخشية وحضور القلب ورفع اليدين  وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة ويسن الإفاضة من عرفة بعد غروب الشمس بالسكينة ويستحب التلبية والذكر فإذا أتى المزدلفة صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين من غير تطوع بينهما، وتأخذ الحصى من المزدلفة وعددها سبعون حصاة أو تسع وأربعون، سبع يرمى بها يوم النحر عند جمرة العقبة وإحدى وعشرون في اليوم الحادي عشر موزعة على الجمرات الثلاث ترمى كل جمرة منها بسبع، وإحدى وعشرون يرمى بها في اليوم الثاني عشر وكذلك في اليوم الثالث عشر فيكون عدد الحصى سبعين حصاة فإن لم يرم في اليوم الثالث عشر جاز ويكون الحصى الذي يرميه الحاج تسعا وأربعين. فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى فإذا أتى محسرا أسرع قدر رمية بحجر، وتبدأ أعمال يوم النحر بالرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف بالبيت وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره يحل لمحرم كل ما كان محرما عليه بالإحرام فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب ماعدا النساء وهذا هو التحلل الأول فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شئ حتى النساء وهذا هو التحلل الثاني والأخير وقد  أجمع المسلمون على أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج وأن الحاج إذا لم يفعله بطل حجه لقول الله  تعالى ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) سورة الحج آية 29 وجمهور العلماء يرى أنه سبعة أشواط وأول وقته نصف الليل من ليلة النحر عند الشافعي وأحمد ولاحد لآخره0 وآخر ما يفعله الحاج الغير مكي عند إرادة السفر من مكة إن يطوف طواف الوداع وسمي بهذا الأسم لأنه توديع للبيت وهو طواف لا رمل فيه فإذا طاف الحاج سافر فورا دون أن يشتغل ببيع أو بشراء ولا يقيم زمنا ليكون آخر عهده بالبيت فإن فعل شيئا من ذلك أعاده اللهم  إلا إذا قضى حاجة في طريقه أو اشترى شيئا لا غنى له عنه من طعام فلا يعيد لذلك….(21)

وفي فضل الحج والعمرة فقد جاء  أن الحج أفضل الأعمال فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال ( إيمان بالله ورسوله ) قيل: ثم ماذا؟ قال ( جهاد في سبيل الله ) قيل: ثم ماذا؟ قال ( ثم حج مبرور ) كما جاء عنه أنه جهاد فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( جهاد الكبير والضعيف والمرأة  الحج ) رواه النسائي بإسناد حسن. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله ترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال ( لكن أفضل الجهاد حج مبرور ) رواه البخاري ومسلم. كما أنه وكذلك  العمرة إلى العمرة يمحقا الذنوب وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري ومسلم. وعن عمرو بن العاص قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله فقلت: ابسط يدك فلأبايعك قال فبسط فقبضت يدي فقال ( مالك يا عمرو ؟ ) قلت: أشترط. قال ( تشترط ماذا؟ ) قلت: أن يغفر لي؟ قال ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله ) رواه مسلم. وعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) رواه أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة. وثواب أداء عمرة في رمضان يعدل ثواب حجة لكن أداؤها في هذا الشهر الكريم لا يسقط الحج المفروض فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) رواه أحمد وابن ماجة. كما أن الحجاج والعمار وفد الله الذي تجاب دعواتهم فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم ) رواه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما ولفظهما ( وفد الله ثلاثة الحاج والمعتمر والغازي ) وفي فضل النفقة في الحج عن بريدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة ضعف ) رواه ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني والبيهقي وإسناده حسن…. (22) ولبيان فضل كل نسك من مناسك الحج أو العمرة روى ابن ماجة عن جابر رضي الله عنه في فضل التلبية قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من محرم يضحي يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه )….(23) وفي فضل الطواف روى البيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ينزل الله كل يوم علي حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين ) كما إن الصلاة في المسجد الحرام خير من مائة الف فيما سواه من المساجد….(24) وفي فضل الشرب من ماء زمزم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( ماء زمزم لما شرب له إن شربته تستشفي شفاك الله وإن شربته لشبعك، الله أشبعك وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله وهي هزمة ” أي حفرة” جبرائيل وسقيا الله إسماعيل ) رواه الدار قطني والحكم وزاد ( وإن شربته مستعيذا أعاذك الله )….(25) وفي فضل يوم عرفة عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ) فقال رجل: هن أفضل أم من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال ( هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة ) وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير )….(26)

وعن منافع الحج والعمرة قال تعالى ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم  ) سورة الحج الآيات 26-28 قال ابن عباس منافع الدنيا والآخرة فأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات وأما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى…. (27) والمنافع التي يشهدها الحجيج كثيرة وكل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته….(28) ويمكن تقسيم المنافع  الدنيوية التي يشهدها الحجيج سواء عادت عليهم كأفراد أو على سائر المسلمين وسواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى منافع معنوية ومنافع مادية.

يمكن إيجاز بيان بعض المنافع المعنوية في الأتي: التقوى والتقوى هدف عظيم من أهداف مناسك الحج النافعة وثمرة طيبة من ثمراتها الإيمانية اليانعة لهذا جاءت الدعوة إليها بعد ذكر آيات الحج لتؤكد على وجوب الالتزام بها والانتفاع بفضائلها فقال جل وعلا ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب ) سورة البقرة آية 197 فالحج   موسم لمجاهدة النفس وتزكيتها وتربيتها على التقوى….(29) يتزود المسلم فيه بشحنة روحية كبيرة تملأ جوانحه خشية وتقى لله وعزما على طاعته وندما على معصيته….(30) حيث تبدأ رحلة الحج المباركة بإعلان التوبة الخالصة من الذنوب والإقلاع الفعلي عنها مع إظهار الندم على فعلها ورد المظالم لأهلها، وفي وداع الحاج للأهل وترك كل مشاغل الدنيا استعدادا  للرحيل ومغادرته للوطن، وخلعه للملابس العادية وارتداء ملابس الإحرام وهي أشبه بما يغطي جسم الميت من لباس الكفن، و موقف الحشود الكثيرة العدد المختلفة الألسنة والأشكال والألوان في مناسك الحج وقد فقد الكل صفته المميزة تذكره للحاج بيوم الفراق الأبدي للدنيا….(31) فيشعر الحاج بقصر أجله في الدنيا مهما طال ومهما أوتى من قوة وسلطان وبصغر حجم الدنيا مهما كبرت وامتلأت بالمتع والمشتهيات ويشعر كم هي غرته وفتنته وأخرجته عن رشده ولو لبعض الوقت وانه في أشد الحاجة إلى إن يقبل على عبادة ربه بقلب منيب خاشع ونفس صافية تائبة ضارعة، ومما لا شك فيه انه لو اصطبغت حياة المسلم بالتقوى قلبا وقالبا قولا وفعلا ما ظهر منها وما خفي لأتت التقوى ثمارها على المسلم رزقا وعلى من حوله عدلا وإحسانا في معاملته لهم.

وعندما يتنقل الحاج أو المعتمر بخيالاته وأفكاره عبر هذه الأرض المقدسة متذكرا تاريخ بدأ الدعوة إلى الإسلام وأحداثها وما لقاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام من عذاب وحرمان في سبيل الله وكيف هجروا الأرض والمال والأهل فرارا بدينهم وكيف عادوا فاتحين منتصرين وكيف انتشر الإسلام في كافة أرجاء المعمورة، تزداد في الحاج عاطفة الحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولمن عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه0 والذكريات في هذه الأرض لا تنتهي فهي  أقدس وأطهر وأحب مكان إلى الله عز وجل، ففي هذه الأرض أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين، وهي مهد النبوة ومهبط الوحي ومبعث الإلهامات ومجمع الذكريات فتتوارد علي مخيلة الحاج صور وأطياف كثيرة، طيف إبراهيم الخليل عليه السلام وهو يودع البيت وزوجته وفلذة كبده إسماعيل ويتوجه بقلب الخافق الواجف إلى ربه ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) سورة إبراهيم آية 37 وطيف هاجر وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة المتلهبة حول البيت وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش وهدها الجهد وأضناها الإشفاق على الطفل ثم ترجع في الجولة السابعة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع وإذا هي زمزم ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب، وطيف إبراهيم عليه السلام وهو يري الرؤيا فلا يتردد في التضحية بفلذة كبده ويمضي في طاعته لربه ( قال  بابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ) سورة الصافات آية 102 فتجيبه الطاعة الراضية في إسماعيل عليه السلام ( قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) سورة الصافات آية 102 وإذا رحمة  الله تتجلى في الفداء، قال تعالى في سورة الصافات الآيات 104 – 107 ( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين أن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم ) ويلوح طيف عبد المطلب وهو يندر دم ابنه العاشر إن رزقه الله عشرة أبناء وإذا هو عبد الله وإذا عبد المطلب حريصا على الوفاء بالنذر وإذا قومه من حوله يعرضون عليه فكرة الفداء  ويقبل منه الفداء فينحر مائة ناقة وينجو عبد الله ينجو ليودع رحم آمنة أطهر نطفة وأكرم خلق الله على الله  محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتواكب الأطياف والذكريات من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طفولته وصباه، وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفئ الفتنة التي كادت تنشب بين القبائل، وهو يصلى وهو يطوف وهو يخطب وهو يعتكف وإن خطواته عليه الصلاة والسلام لتنبض حية في الخاطر وتتمثل شاخصة في الضمير يكاد الحاج يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات وخطوات الحشد من صحابته الكرام وأطيافهم ترف وتدف فوق هذا الثري حول ذلك البيت تكاد تسمعها الأذن وتكاد تراها الأبصار….(32) وعندما يجد الحاج إخوانا له من قارات الدنيا اختلفت أقاليمهم واختلفت ألوانهم واختلفت لغاتهم  إنصهروا جميعا في هذا الفرن العالي الذي تذوب في حرارته النزعات القومية والوطنية والفوارق الاجتماعية والامتيازات الطبقية والعصبيات الجاهلية وتختفي فيه كل الشعارات والجنسيات إلا شعارا واحدا ( إنما المؤمنون إخوة ) سورة الحجرات آية 10 وجمعتهم  جميعا في أجلى صور المساواة وأتمها بين الناس رابطة الإيمان والإسلام يتذكر المسلم حق أخيه المسلم عليه فتوقظ فيه مشاعر الأخوة لأبناء دينه في كل مكان مهما تباعدت الأوطان وتناءت الديار مما يحقق توثيق الروابط الأخوية والمحبة بين المسلمين في شتى بقاع الأرض ويدعم وحدة الأمة الإسلامية وهذا التجمع يوحي بالقوة  مما يطرد عوامل اليأس من نفس المسلم ويبعث الهمة فيها وتوقد في صدره شعلة الحماسة لدينه والغيرة على حرماته….(33) ولبيان أهمية إظهار القوة والإيحاء بها فقد سن الرسول صلى الله عليه وسلم للرجال الاضطباع وهو إن يجعل المحرم طرف الرداء تحت إبطه اليمنى فيظهر الكتف الأيمن ويلقي طرفه الآخر على كتفه الأيسر كما سن لهم أيضا الرمل في الثلاثة أشواط الأولى من كل طواف يعقبه سعي وهو المشي بسرعة مع تقارب الخطى وهز الكتفين….(34) فقد روى ابن عباس رضى الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمي ولقوا منها شرا فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوه فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمي قد وهنتهم؟ هؤلاء اجلد منا، ولقد بدا لعمر رضي الله عنه أن يدع الرمل بعد ما انتهت الحكمة منه ومكن الله للمسلمين في الأرض إلا أنه رأى إبقاءه على ما كان عليه في العهد النبوي لتبقى هذه الصورة ماثلة للأجيال بعده….(35) وما أحوجنا الآن لبث الرعب في قول أعدائنا أكثر من ذي قبل لأثره الواضح في تحقيق النصر، ففي صحيح البخاري حدثنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وأعطيت الشفاعة )….(36) وإن كان الشعور بالمساواة والأخوة والوحدة والقوة مكاسب معنوية يحققها موسم الحج إلا إنها لو تجسدت بيننا وتحولت إلى كيان مادي ووجود حقيقي وواقع ملموس في حياتنا يبدو على تصرفاتنا وسلوكياتنا لعادت علينا  بمكاسب  مادية.

وفي السفر للحج والتضحية بالراحة تربية للمسلم على احتمال الشدائد والصبر على المكاره فهو يلتقي مع الصوم  في إعداد المسلم للجهاد وحياة الحاج حياة تنقل وارتحال واعتماد على النفس وبعد عن الترف والتكلف وقد تجلت الحكمة الإلهية حين جعل الحج إلى واد غير ذي زرع ولا يصلح لأن يكون مصيفا أو مشتى كما جعله دائرا مع السنة القمرية فأشهر الحج تأتي أحيانا في وقدة الصيف وأحيانا في زمهرير الشتاء ليكون المسلم على استعداد لتحمل كل  الأجواء والاصطبار على كل ألوان الصعوبات. وفي الحج يعيش المسلم في حالة سلام مع نفسه ومع من حوله حتى مع أعدائه فهو رحلة سلام إلى أرض سلام في زمن سلام فمعظم أعمال الحج يقع في شهرين ذي القعدة وذي الحجة من الأشهر الحرام التي جعلها الله هدنة إجبارية تغمد فيها السيوف وتحقن فيها الدماء  قال تعالى في سورة المائدة آية 97 ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام ) والمسلم حين يحرم بالحج لا يجوز له أن يقطع نباتا أو يعضد شجره أو أن يذبح حيوانا صاده غيره له أو يرمي هو صيدا في الحرم أو خارجه قال تعالى في سورة المائدة آية 95 ( يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) كما قال في آية 96 من نفس السورة ( حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) بل لا يجوز للمحرم أن يحلق شعر نفسه أو يقص ظفره حتى يتحلل من إحرامه فيقص ويحلق أو يقصر، وأرض الحج هى البلد الحرام والبيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا حيث يتوفر الأمن الشامل الذي أنعم الله به علي عباده فقال تعالى ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) سورة العنكبوت آية 67 وقال ( ومن دخله كان آمنا ) سورة آل عمران آية 97 والذي قال فيه عمر: لو وجدت فيه قاتل أبي ما مسته يدي….(37) وقد أكد القرآن الكريم على أمن قاصدي منطقة الحرم ومنع التعرض لهم بأذى ومراعاة حرمة منطقة الحرم وذلك في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) سورة المائدة آية 20 وأن مجرد إرادة الظلم في البلد الحرام يستحق فاعله من الله سبحانه وتعالى العقوبة الأليمة فقد قال تعالى ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) سورة الحج آية 25 وقال صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح ) رواه مسلم….(38) ولو دام السلام الذي يعيشه المحرم مع نفسه ومع من حوله وتمثل في سلوكه سلام الرحمة على المؤمنين والذلة لهم والعفو عند المقدرة  سلام الشدة على الكافرين والعزة عليهم والقدرة على رد أي اعتداء وقع على أي مسلم في أي بقعة من بقاع العالم لتحولت حياتنا كثيرا عما هي عليه الآن. 

كما أن موسم الحج يعتبر فرصه إجبارية لمن أخذته مشاغل الدنيا عن الاهتمام بأمور المسلمين والاطلاع على أحوالهم  أن يراها ويشاهدها عن قرب، فهو فرصة لأن يلتقي رجال العلم ورجال الإصلاح ورجال السياسية وإذا كان التقدم الملموس في وسائل المواصلات والاتصالات يسر عليهم الاتصال والالتقاء إلا أن الحج سيظل وإلى الأبد هو الفرض الذي يجتمع  له شمل المسلمين من كافة أنحاء العالم ويتفرغ له العباد للعبادة ويجوز لهم الاشتغال بأمور الدنيا فهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة، ولقد نبهنا الرسول الكريم إلى قيمة هذا المؤتمر حين اتخذ منه منبرا لإذاعة أهم القرارات والبلاغات التي تتصل بالسياسية العامة للمسلمين، ففي أول سنة حج فيها المسلمون تحت إمارة أبي بكر بعث النبي صلى الله عليه وسلم وراءه عليا ليعلن على الناس إلغاء المعاهدات التي كانت بينه وبين المشركين الناكثين وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وفي السنة التالية التي حج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه أعلن فيها علي الجمهور خطبة البلاغ أو الوداع التي لخص فيها أهم مبادئ الإسلام ودستور الإسلام، وقد عرف علماء الإسلام قيمة هذا المؤتمر فاتخذوا منه فرصة لتبادل الآراء وتعارف الأفكار ورواية الأحاديث والأخبار كما عرف الخلفاء قيمة هذا الموسم العالمي فجعلوا منه ساحة لقاء بينهم وبين أبناء الشعب القادمين من كل فج عميق وبينهم وبين ولاتهم في الأقاليم فمن كانت له مظلمة أو شكاية فليتقدم بها إلى الخليفة ذاته بلا وساطة ولا حجاب وهناك يواجه  الشعب الوالي أمام الخليفة بلا تهيب ولا تحفظ فيغاث الملهوف وينصف المظلوم ويرد الحق إلى أهله ولو كان هذا الحق عند الوالي أو الخليفة، وهذا المؤتمر لم يكن فرصة للمسلمين وحدهم للتظلم من ولاتهم وطلب حقوقهم بل وجد فيه غير المسلمين ممن يعيشون في ظل دولة الإسلام هذا المعنى وتلك الفرصة والتاريخ يطلعنا على قصة ابن القبطي الذي سابق ابن والي مصر وفاتحها عمرو بن العاص فسبق القبطي فضربه ابن عمرو فأنهى أبوه مظلمته إلى عمر فاقتصه منه في موسم الحج على مرأى ومسمع من ألوف الحجيج  ثم قال كلمته المشهورة أمام شهود المؤتمر الكبير ( يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ )

 إن الأرض المقدسة وما لها من ذكريات وشعائر الحج وما لها من أثر في النفس وقوة الجماعة وما لهام من إيحاء في الفكر والسلوك كل هذا يترك أثره واضحا في أعماق المسلم فيعود من رحلته أصفى قلبا وأطهر مسلكا وأقوى عزيمة على الخير وأصلب عودا أمام مغريات الشر وكلما كان حجه مبرورا خالصا لله كان أثره في حياته المستقبلة يقينا لا ريب فيه فإن هذه الشحنة الروحية العاطفية تهز كيانه المعنوي هزا بل تنشئه خلقا آخر وتعيده كأنما هو مولود جديد يستقبل الحياة وكله طهر ونقاء ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم  ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري وأحمد والنسائي…. (39)

أما المنافع المادية التي يحققها الحج فتتعدد أيضا ويمكن حصر بعضها في الأتي: فمن الأحاديث الشريفة ما هو يدل  على أن المتابعة بين العمرة والحج من مفاتيح الرزق ولبيان المراد بالمتابعة بين الحج والعمرة يقول الشيخ أبو الحسن السندي: اجعلوا أحدهما تابعا للآخر واقعا على عقبه أي إذا حججتم فاعتمروا وإذا اعتمرتم فحجوا فإنهما متعابعان، وقد روي الأئمة أحمد والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ) ففي هذا الحديث الشريف بين الصادق المصدوق الناطق بالوحي أن ثمرة المتابعة بين الحج والعمرة زوال الفقر والذنوب وقد عنون الإمام ابن حبان على هذا الحديث في صحيحه بقوله: ذكر نفي الحج والعمرة الذنوب والفقر عن المسلم بهما، وقال الإمام الطيبي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم ( فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ) إزالته للفقر كزيادة الصدقة للمال، كما روى الإمام النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديث ) فعلى الراغبين في نفي الفقر والذنوب عنهم المبادرة إلى المتابعة بين الحج والعمرة….(40) وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم     قال ( هذا البيت دعامة الإسلام فمن خرج يؤم أي يقصد هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضمونا على الله إن قبضه أن يدخله الجنة وإن رده رده بأجر وغنيمة ) رواه ابن جريح بإسناد حسن….(41)          

كما لا بأس للحاج أن يتاجر ويؤاجر ويتكسب وهو يؤدي أعمال الحج والعمرة قال ابن عباس إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله تعالى ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) سورة البقرة آية 198 فأمروا أن يتجروا إذا أفاضوا من عرفات وعن أبي أمامة التيمي أنه قال لابن عمر: إني رجل أكري أي أؤجر الرواحل للركوب في هذا الوجه وإن ناسا يقولون لي: أنه ليس لك حج فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار قال: قلت: بلى  قال: فإن لك حجا وقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني فسكت حتى نزلت هذه الآية ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) فأرسل إليه وقرأ عليه هذه الآية وقال ( لك حج ) رواه أبو داود وسعيد بن منصور…. (42) لذا فإن الحج فرصة متاحة لتبادل المنافع التجارية على نطاق واسع بين المسلمين فأصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقا رائجة حيث تجبي إلى البلد الحرام ثمرات كل شئ من أطراف الأرض ويقدم للحجيج من كل فج ومن كل قطر ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتي المواسم يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد فهو موسم تجارة ومعرض نتاج وسوق عالمية تقام في كل عام …. (43) مما يحمل الحجاج على اقتناء الهدايا ويندر أن يرجع حاج إلى بلدته غير محمل بكثير أو قليل منها ولهذا فهي تعتبر مصدر رزق للمشترى منه والمحمولة إليه، كما تعتبر أشهر الحج وأوقات العمرة موسم انتعاش اقتصادي لشركات الملاحة والطيران والنقل البري والسياحة والجمعيات والنوادي والهيئات المنظمة لرحلات الحج

وكذلك لمكاتب البريد والاتصالات السلكية ولمنتجي مستلزمات الحجاج ولجميع من يؤدون خدمات للحجيج0

ومن بين هذه المنافع أيضا وتعتبر مصدر رزق للمنتفع بها الهدى وهو ما يهدى من النعم إلى الحرم تقربا إلى الله عز وجل قال تعالى ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ) سورة الحج آية 36 – 37 وقال عمر رضي الله عنه أهدوا فإن الله يحب الهدي وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل وكان هديه تطوعا وللمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة  فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سبعة شياه. 

وينقسم الهدي إلى مستحب وواجب، فالهدي المستحب للحاج المفرد والمعتمر المفرد، والهدي الواجب أقسامه كالآتي واجب على القارن والمتمتع، وواجب على من ترك واجبا من واجبات الحج كالإحرام من الميقات ورمي الجمار والجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة أو منى أو ترك طواف الوداع….(44) والفدية هنا ذبح شاة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد العودة وهناك أمور توجب ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام هي لبس المخيط أو المحيط للرجال تغطية الرجل رأسه والأنثى وجهها استعمال الطيب دهن شعر الرأس أو اللحية بأي نوع من الدهان إزالة أكثر من شعرتين من الرأس أو الجسد أو أكثر من ظفرين إن كان ذلك عمدا، مقدمات الجماع كالقبلة والمباشرة وكذلك الملامسة التي تنقض الوضوء والنظر بشهوة أو التفكير إن أعقبه إنزال وكذلك الاستمناء…. (45) وواجب بالجناية على الحرم كالتعرض لصيده أو قطع شجره….(46) والفدية جزاء قتل الصيد على الترتيب التالي أن يذبح مثل الصيد من النعم ويتصدق به على فقراء الحرم، أن يشتري بقيمته طعاما يتصدق به لكل مسكين ما يوازي نصف صاع من القمح، أن يصوم أياما بعدد المساكين الواجب إطعامهم فلو كانت القيمة توازي صاعين من القمح مثلا صام أربعة أيام ولا يلزم في هذا الصيام التتابع، هذا إن كان الصيد غير مملوك لأحد أما إن كان مملوكا للغير فعليه مثلان للمصيد أحدهما الجزاء المتقدم والثاني العوض لمالكه وتنطبق هذه الأمور علي شجر الحرم وحشيشه فمن قطع أو أتلف منها شيئا وجبت عليه الفدية بالذبح أو الإطعام بقيمة ما أتلفه أو الصيام…. (47) ولأصحاب المذاهب الفقهية أراء أكثر تفصيلا وتوضيحا لموجبات الهدى في شتي مناسك الحج والعمرة منذ بداية الإحرام والتلبية وإلى نهاية طواف الوداع إذا لم تؤدى بالكيفية المحددة لها، فعلي سبيل المثال لا الحصر يرى الأحناف يلزم ترك التلبية دم وكذلك مشهور مذهب مالك أنها واجبة يلزم بتركها أو ترك اتصالها بالإحرام مع الطول دم…. (48) وعن الحسن في الحجامة فدية وإن لم يقطع شعرا…. (49 ) وفي إزالة  المحرم للشعرة من جسمه مد وفي الشعرتين مدان….(50) ويرى الحنفية أن الطهارة من الحدث في الطواف ليس شرطا وإنما هي واجب يجبر بالدم فلو كان محدثا حدثا أصغر وطاف صح طوافه ولزمه شاة وإن طاف جنبا أو حائضا صح ولزمه بدنة ويعيده مادام بمكة….(51) من ترك ركعتي الطواف عليه دم….(52) وذهب أبو حنيفة والثوري والحسن إلى أن السعي بين الصفا والمروة واجب وليس  بركن لا يبطل الحج أو العمرة بتركه وأنه إذا تركه وجب عليه دم ورجح صاحب المغني هذا الرأي…. (53) عند المالكية من سعى راكبا من غير عذر أعاد إن لم يفت الوقت وإن فات فعليه دم لأن المشي عند القدرة عليه واجب وكذا يقول أبو حنيفة….(54) وقالت الأحناف الواجب الحضور بالمزدلفة قبل فجر يوم النحر فلو ترك الحضور لزمه دم إلا إذا كان له عذر….(55) وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن لم يراع الترتيب التالي في أعمال يوم النحر حيث يبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف بالبيت فقدم نسكا على نسك فعليه دم…. (56) وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير فذهب أكثرهم إلى انه واجب يجبر تركه بدم….(57) ويرى أبو حنيفة أن ركن الحج من طواف الإفاضة أربعة أشواط لو تركها الحاج بطل حجه وأما الثلاثة الباقية فهي واجبة وليست بركن ولو ترك الحاج هذه الثلاثة أو واحدا منها فقد ترك واجبا ولم يبطل حجه وعليه دم وعند أبي حنيفة ومالك أن وقت طواف الإفاضة يدخل بطلوع فجر يوم النحر واختلفا في آخر وقته فعند أبي حنيفة يجب فعله في أي يوم من أيام النحر فإن أخره لزمه دم وقال مالك لا بأس بتأخيره إلى آخر أيام التشريق وتعجيله أفضل  ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة فإن أخره عن ذلك لزمه دم وصح حجه….(58) وقالت الأحناف والحنابلة ورواية عن الشافعي إن طواف الوداع  واجب يلزم بتركه دم….(59) 

وإذا جامع المحرم زوجته قبل التحلل الأول فقد أفتى أبو العباس الطبري بفساد حجه سواء أكان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعده ويجب عليه أن يمضي في فاسده ويجب عليه بدنة والقضاء من قابل فإن كانت المرأة محرمة مطاوعة فعليها المضي في الحج والقضاء من قابل وكذا الهدي عند أكثر أهل العلم وذهب بعضهم إلى أن الواجب عليهما هدي واحد وهو قول عطاء، وإذا عجز عن البدنة وجب عليه بقرة فإن عجز فسبع من الغنم فإن عجز قوم البدنة بالدراهم والدراهم طعاما وتصدق به لكل مسكين مد فإن لم يستطع صام عن كل مد يوما، وقال أصحاب الرأي إن جامع قبل الوقوف فسد حجه وعليه شاة أو سبع بدنة وإن جامع بعده لم يفسد حجه وعليه بدنة. والقارن إذا أفسد حجه يجب عليه ما يجب علي المفرد ويقضي قارنا ولا يسقط عنه هدي القران. والجماع الواقع بعد التحلل الأول لا يفسد الحج ولا قضاء عليه عند أكثر أهل العلم وذهب بعضهم إلى وجوب القضاء وهو قول ابن عمر وقول الحسن وإبراهيم ويجب به الفدية، وتلك الفدية بدنة أو شاة؟ اختلف فيه فذهب ابن عباس وعطاء إلى وجوب البدنة وهو قول عكرمة وأحد قولي الشافعي، والقول الآخر يجب عليه شاة وهو مذهب مالك….(60)

ومن أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن الطواف في العمرة أو عن الوقوف بعرفة أو طواف الإفاضة في الحج لوجود عدو أو مرض يزيد بالانتقال والحركة أو خوف أو ضياع النفقة أو موت محرم الزوجة في الطريق وغير ذلك من الأعذار المانعة سمى ذلك بالإحصار. وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم ومنع هو وأصحابه في الحديبية عن المسجد الحرام فنزل قوله تعالى ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ) سورة البقرة آية 196 فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا إن حلق وجامع نساءه ونحر هديه حتى اعتمر عاما قابلا فيما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه، وقد استدل بهذا الجمهور من العلماء على أن المحصر يجب عليه ذبح شاة أو بقرة أو نحر بدنة وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية السابقة يقول من أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن البيت فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها يذبح عنه فإن كان حجة الإسلام فعليه قضاؤها وإن كان حجة بعد حج الفريضة فلا قضاء عليه. وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال الأول للجمهور أنه يذبح هديه حيث يحل في حرم أو حل، الثاني للحنفية أنه لا ينحره إلا في الحرم، الثالث لابن عباس وجماعة أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه ولا يحل حتى ينحر في محله وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحر في محل إحصاره، وذهب كثير من العلماء إلى جواز أن يشترط المحرم عند إحرامه أنه إن مرض تحلل، فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة ( حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني ) فإذا أحصر بسبب من الأسباب من مرض أو غيره إذا اشترطه في إحرامه فله أن يتحلل وليس عليه دم ولا صوم….(61)

كما يسن لكل قادر أن يضحي “أي يذبح أضحية تقربا إلى الله تعالى” سواء كان قائما بأعمال الحج أو لا، باتفاق الشافعية والحنفية والحنابلة وخالف المالكية فقالوا لا تطلب من الحاج، ويضحي بشاة من الضأن أو المعز تجزي عنه وعن أهل بيته فهي سنة كفاية يكره تركها عند القدرة عليها ففيما روى البخاري ومسلم عن أنس قد ثبت أن

النبي صلى الله عليه وسلم ضحي بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وتجوز المشاركة في الأضحية

 إذا كانت من الإبل أو البقر وتجزئ البقرة أو الجمل عن سبعة أشخاص فعن جابر قال نحرنا مع النبي صلى الله عليه

وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

والهدي أو الأضحية سواء، لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم فلا تجزئ من غير هذه الثلاثة قال تعالى في سورة الحج آية 34 ( ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) واتفق العلماء على أن الأفضل هذا الترتيب باعتبار ما هو أنفع للفقراء ويشترط إن كانت من الإبل ما لها خمس سنين ومن البقر ما له سنتان ومن  المعز ما له سنة ومن الضأن ما له سنة أو ستة أشهر علي خلاف بين الأئمة وأن يكون سليما من العيوب. والهدي سواء أكان واجبا أم تطوعا لا يذبح  إلا في الحرم، أما الأضحية فتذبح في مكان تواجد المضحي. واختلف العلماء في وقت ذبح الهدي فعند الشافعية أن وقت ذبحه يوم النحر وأيام التشريق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( وكل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد. فأن فات وقته ذبح الهدي الواجب قضاء، وعند مالك وأحمد وقت ذبح الهدي سواء أكان ذبح الهدي واجبا أم تطوعا أيام النحر وهذا رأي الأحناف بالنسبة لهدي التمتع والقران وأما دم النذر والكفارات والتطوع فيذبح في أي وقت وحكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي وقتها من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة، كما يشترط في الأضحية ألا تذبح إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد ويمر من الوقت قدر ما يصلى العيد ويصح ذبحها بعد ذلك في أي يوم من الأيام الثلاثة في ليل أو نهار ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام فعن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  ( إن أول ما نبدأ به في  يومنا هذا أن نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شئ ) وقد أمر الله بالأكل من لحوم الهدي فقال ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) وهذا الأمر يتناول بظاهره هدي الواجب وهدي التطوع وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك فذهب أبو حنيفة وأحمد إلى جواز الأكل من هدى المتعة وهدى القران وهدى التطوع ولا يأكل مما سواها وقال مالك يأكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه ولفوات الحج ومن هدي المتمتع ومن الهدي كله إلا فدية الأذى وجزاء الصيد وما نذره للمساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله0 وعند الشافعي لا يجوز الأكل من الهدي الواجب مثل الدم الواجب في جزاء الصيد وإفساد الحج وهدي التمتع والقران وكذلك ما كان نذرا أوجبه على نفسه أما ما كان تطوعا فله أن يأكل منه ويهدي ويتصدق، وللمهدي أن يأكل من هديه الذي يباح له الأكل منه أي مقدار يشاء أن يأكله بلا تحديد وله كذلك أن يهدي أو يتصدق بما يراه وقيل يأكل النصف ويتصدق بالنصف وقيل يقسمه أثلاثا فيأكل الثلث ويهدي الثلث ويتصدق بالثلث، كما يسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب ويتصدق منها على الفقراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم    ( كلوا وأطعموا وادخروا ) وقد قال العلماء: الفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها ولا يعطى الجزار من لحمها شيئا كأجر وله أن يكافئه نظير عمله وإنما يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به وعند أبي حنفية أنه يجوز بيع جلدها ويتصدق بثمنه وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت….(62) وتيسرا على الحجاج وتحقيقا للمصلحة العامة يقوم البعض منهم بدفع  ثمن الهدي والأضاحي  نقدا وتقوم المملكة العربية السعودية بتوزيع لحومها على الفقراء هناك ويتم شحن باقي الكميات جوا وبرا وبحرا إلى عدد من البلدان الإسلامية.

المراجع

      1.         العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 296

      2.         فقه السنة السيد سابق ج1 ص 625

      3.         العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 297

      4.          مجلة الحج العدد الثامن للسنة الرابعة والخمسون صفر 1420 هـ / يوليه 1999م ص 34

      5.         فقه السنة السيد سابق ج1 ص 628

      6.         فقه السنة السيد سابق ج1 ص 651

      7.         فقه السنة السيد سابق ج1 ص 628

      8.         فقه السنة السيد سابق ج1  من ص  749  –  751

      9.         إحياء علوم الدين أبى حامد الغزالي ج1 ص 218

    10.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 656 و ص 657

    11.      الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي من  ص  154  –  ص  157

    12.      الفقه علي المذاهب الأربعة  عبد الرحمن الجزيري ج1 ص 687

    13.      إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص218

    14.       الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي ص 155

    15.      إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص218 و ص 219

    16.       فقه السنة السيد سابق ج1 ص 672

    17.      إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص218 و ص 219

    18.       الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي ص 160 و161

    19.      الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي من ص 156  –  ص  158

    20.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 640

    21.      فقه السنة السيد سابق ج1 من ص  653  – 753

    22.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 626 و627 و628

    23.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 662

    24.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 695 و696

    25.      فقه السنة السيد سابق ج1  ص 706 و707

    26.      فقه السنة السيد سابق ج1 من  ص 717    ص 721

    27.      تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص 216

    28.      في ظلال القرآن سيد قطب ج4  من ص  2418  –  ص  2420

    29.      مجلة الحج العدد الثامن للسنة الرابعة والخمسون صفر 1420 هـ / يوليه 1999م ص 37و38و39

    30.      العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 302

    31.      مجلة الحج العدد الثامن للسنة الرابعة والخمسون صفر 1420 هـ / يوليه 1999م ص 37و38و39

    32.      في ظلال القرآن سيد قطب ج4 ص 2419

    33.      العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 302      309

    34.      الفقه علي المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 ص 658

    35.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 701 و 702

    36.      فتح الباري بشرح صحيح البخاري  للأمام الحافظ أحمد بن علي  بن حجر العسقلانى ج1 ص634

    37.      العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 302      309

    38.      مجلة الحج العدد الثامن للسنة الرابعة والخمسون صفر 1420 هـ / يوليه 1999م ص 39

    39.      العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 302      309

    40.      مفاتيح الرزق في ضوء الكتاب والسنة فضل إلهي من ص  47  –  50

    41.      كيف تحقق غنى النفس وسعة الرزق سعيد عبد العظيم ص 14

    42.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 641

    43.      في ظلال القرآن سيد قطب ج4 ص2419    ص 2420

    44.      فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 736  –  ص738 

    45.      الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي ص 169

    46.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 738

    47.      الإسلام وأركانه ياسين محمد رشدي ص 170

    48.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 661و662

    49.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 667

    50.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 681

    51.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 696

    52.      أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ج1 ص 40

    53.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 709

    54.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 712

    55.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 724

    56.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 726

    57.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 742

    58.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 746

    59.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص 752

    60.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص  682     ص 683

    61.      فقه السنة السيد سابق ج1 ص  757  –  ص  760

    62.      فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 736  –  ص743 ومن ص317  –   ص 325

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ

كل صيغ وألفاظ الصلاة علي الرسول ﷺ: كيفية الصلاة علي النبي محمد ﷺ كل صيغ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *