فَـأَمَّا أَبُـو بَكـْرٍ وَعَاصِـمٌ اسْمُهُ … فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلَا
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا … وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلَا
من أشهر أصحاب الإمام عاصم بن أبي النَّجود الكوفي (المتوفى سنة 128 هـ) أحد القراء السبعة راويان أخذا القراءة عنه، وهما:
حفص بن سليمان (ت 180 هـ)، وأبو بكر شعبة بن عياش (ت 193 هـ)، وكلاهما إمام متقن في قراءة الإمام عاصم.
قال أبو بكر بن مجاهد (ت 324 هـ) في كتابه السبعة في القراءات (ص: 71): أضبط من أخذ عن عاصم: أبو بكر بن عياش فيما يقال؛ لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا، وكان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش.
وقال الخطيب البغدادي في ترجمة حفص في تاريخ بغداد (9/ 64): هو صاحب عاصم في القراءة، وابن امرأته، وكان ينزل معه في دار واحدة، فقرأ عليه القرآن مرارا، وكان المتقدمون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحرف الذي قرأ به على عاصم.
وقال ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 254): قال أبو هاشم الرفاعي: كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم، وقال ابن المنادى: قرأ على عاصم مرارا، وأقرأ الناس دهرا.
وما أحسن ما قاله الشاطبي في منظومته المشهورة المسماة حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع (ص: 3):
فَـأَمَّا أَبُـو بَكـْرٍ وَعَاصِـمٌ اسْمُهُ … فَشُعْبَةُ رَاوِيهِ المُبَرِّزُ أَفْضَلَا
وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا … وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ مُفضَّلَا
قال أبو شامة في كتابه إبراز المعاني من حرز الأماني (ص: 31): قول الشاطبي: وبالإتقان كان مفضلا يعني بإتقان حرف عاصم.
وقال الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام (4/ 1261): قرأ أبو بكر بن عياش على عاصم القرآن ثلاث مرات، وهو أنبل أصحاب عاصم، وقد ثبت أنه مكث أربعين عاما يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة! عُمِّر أبو بكر بن عياش حتى قارب المائة، وكان قد قطع الإقراء قبل موته بنحو من عشرين سنة، لكنه كان يروي الحروف.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 497): كان أبو بكر بن عياش قيِّما بحرف عاصم، وحفص أيضا حجة في القراءة.
وقد روى الخطيب البغدادي تاريخ بغداد (9/ 64) عن يحيى بن معين قال: قال أيوب بن متوكل البصري وكان من القراء: حفص أصح قراءة من أبي بكر بن عياش، وأبو بكر أوثق من حفص.
قال محقق كتاب جامع البيان في القراءات السبع للداني (1/ 203): الذي يظهر لي أن حفصا وأبا بكر شعبة كفَرَسَي رِهان، وأن قوما قدَّموا حفصا؛ لطول ملازمته عاصما، حيث إنه تربى في حجره، وأن آخرين قدَّموا شعبة، لجلالته، وتوثيق المحدثين.
والناظر في كتب القراءات يجد أن أكثر علماء القراءات السابقين يُقدِّمون ذكر رواية أبي بكر بن عياش على حفص، ومنهم:
ابن خالويه (ت 370 هـ) في كتابه إعراب القراءات السبع، وأبو منصور الأزهري الهروي (ت 370 هـ) في كتابه معاني القراءات، وابن مهران (ت 381 هـ) في كتابه المبسوط في القراءات العشر، وأبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي (ت 408 هـ) في كتابه المنتهى، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت 444 هـ) في كتابيه التيسير في القراءات السبع وجامع البيان في القراءات السبع، والأهوازي (ت 446 هـ) في كتابه الوجيز في شرح قراءات القرأة الثمانية، وأبو طاهر ابن خلف السرقسطي (ت 455 هـ) في كتابه العنوان في القراءات السبع، وأبو القاسم الهذلي (ت 465 هـ) في كتابه الكامل في القراءات، وأبو جعفر ابن البَاذِش الغرناطي (ت 540 هـ) في كتابه الإقناع في القراءات السبع، وأبو طاهر ابن سوار البغدادي في كتابه المستنير في القراءات العشر، وأبو محمد الواسطي (ت 741 هـ) في كتابه الكنز في القراءات العشر.
والقصد من هذا المقال حث قراء القرآن لا سيما من أنعم الله عليهم بعرض القرآن الكريم على المشايخ المسندين برواية حفص عن عاصم أن يأخذوا أيضا رواية شعبة عن عاصم، حتى يتم لأحدهم أخذ قراءة عاصم من طريق راوييه حفص وشعبة، وذلك أمر يسير، فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 497) أن الكلمات التي فيها فرق بين رواية شعبة ورواية حفص خمس مائة حرف.
وكثير من تلك الفروق مكررة في أكثر من آية، مثل: الغُيوب والبُيوت والعُيون، يقرؤها حفص بالضم، ويقرؤها شعبة بالكسر الغِيوب والبِيوت والعِيون.
ومثل: الميِّت يقرؤها حفص بالتشديد ويقرؤها شعبة بالتخفيف الميْت.
ومثل: إدغام شعبة اتخذتم حيث وقعت، فيقرؤها بالإدغام هكذا اتختُّم بدون ذال.
ومن تلك الحروف: آية وآيات – يرجعون وترجعون – أَحَل وأُحِل – حَرَّم وحُرِّم – نزَل ونزَّل – يحشرهم ونحشرهم – كفوا وكفؤا – زكريا وزكرياء – أجريْ وأجريَ – أسرارهم وإسرارهم – السَّلم والسِّلم.
فيا أيها القارئ الكريم خذ مصحفا برواية حفص، واقرأ كتابا من الكتب التي جمعت رواية شعبة، واكتب بقلمك على هوامش مصحفك الكلمات التي يقرؤها شعبة خلاف حفص، وكل من يستطيع أن يقرأ القرآن برواية حفص يستطيع أن يقرأ القرآن برواية شعبة، لكن الأفضل أن تجلس مع قارئ للقراءات، وتسرد عليه الكلمات التي يقرأ بها شعبة، ولن يستغرق ذلك أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات، فإن لم يتيسر لك قارئ للقراءات يجلس معك فاسأل عما أشكل عليك.
والكتب التي أفردت رواية شعبة كثيرة، منها كتاب الروض الباسم في رواية شعبة عن عاصم لمحمد بن موسى نصر، ومنها كتاب عون المهرة في رواية شعبة لمحمد بن عبد اللطيف، وهو ضمن كتب برنامج المكتبة الشاملة الذهبية، وهو في 63 صفحة فقط.
وبحمد الله تم مؤخرا طباعة عدة مصاحف برواية شعبة، وتنزيلها مجاني من الإنترنت، فيمكنك تنزيل أحدها إلى هاتفك بسهولة، فالحمد لله الذي يسر كتابه، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
ومن التحدث بنعمة الله وتشجيعا لغيري أقول: قرأت رواية حفص من أول المصحف إلى آخره على شيخنا محمود بن أحمد القدسي، ثم قرأت عليه المصحف كاملا برواية شعبة، وأجازني في الروايتين بسنده المتصل إلى شعبة وحفص عن عاصم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كما قرأت الكلمات القرآنية التي فيها روايتان عن عاصم (شعبة وحفص) في نحو عشرة مجالس على شيخنا محمد بن مهدي الساري، ثم أجازني فيهما بسنده المتصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن اختبرني في جميع أبواب التجويد اختبارا تحريرا بالكتابة، وأما شيخ مشايخنا إسماعيل بن عبد العال المصري نزيل صنعاء فقد اختبرني في روايتي شعبة وحفص في مجلسين، ثم أجازني بإسناده المتصل إلى شعبة وحفص عن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من فضل الله، والحمد لله وحده.
فما أسهل رواية شعبة! فاستعن بالله أيها القارئ لتتعلمها ولا تعجز، وستستفد بذلك علما وأجرا، وإكثارا من تلاوة القرآن الكريم، وربما تنشط بعد تعلم رواية شعبة لتتعلم بعض الروايات الأخرى بهذه الطريقة السهلة، والله الموفق وحده.
Source link