(فلما) يكون حصول الجملة الثانية مباشرة بعد الجملة الأولى بلا تراخ، و أما (لما) فيكون حصول الجملة الثانية بعد الجملة الأولى بتراخ وفاصل زمني.
وردت (فلما) في سورة يوسف 13 مرة، ووردت (لما) 6 مرات، ومعلوم أن لما حرف ربط، يقال لها في علم النحو: حرف وجود لوجود، وهي تقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود الأولى، وهي مختصة بالماضي، فلا فرق في الإعراب بين: فلما ولما، لكن في القرآن لا بد أن يكون هناك حكمة في التفريق بينهما، ويظهر لي والعلم عند الله أن (فلما) يكون حصول الجملة الثانية مباشرة بعد الجملة الأولى بلا تراخ، و أما (لما) فيكون حصول الجملة الثانية بعد الجملة الأولى بتراخ وفاصل زمني.
فمثلا قوله تعالى: {{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}} [يوسف: 15] حين ذهبوا به أجمعوا مباشرة أن يجعلوه في البئر.
وقوله: {{فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}} [يوسف: 50] لما جاء الرسول إلى يوسف وهو في السجن قال له مباشرة ارجع إلى الملك.
وقوله: {{فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}} [يوسف: 54] لما كلم الملك يوسف قال له مباشرة: إنك اليوم لدينا مكين أمين.
وقوله: {{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} } [يوسف: 96] لما جاء البشير إلى يعقوب ألقى القميص مباشرة على وجهه بلا تأخير.
وقوله: {{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}} [يوسف: 99] لما دخل أهل يوسف عليه آوى إليه أبويه مباشرة إكراما لهما، وشوقا إليهما.
وأما الآيات التي فيها (ولما) فيكون حصول الجملة الثانية بعد حصول الجملة الأولى بمدة زمنية، وليس مباشرة، فمثلا قوله تعالى: { {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}} [يوسف: 22] آتاه الله الحكم والعلم بعد بلوغه، وليس ذلك مباشرة، فلم يحصل أنه بلغ فآتاه العلم في ليلة وضحاها.
وقوله: {{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}} [يوسف: 69]. لما دخل إخوة يوسف على يوسف ضم إليه أخاه، ولم يكن ضمه له مباشرة بعد دخولهم عليه.
وقوله: {{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}} [يوسف: 94] لما خرجت العير من مصر بمدة زمنية قال يعقوب لمن عنده من أولاده: إني أجد ريح يوسف.
هذا ما ظهر لي، فإن كان صوابا فمن الله، فهو الهادي الموفق، وهو ذو الفضل العظيم، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان، والله أعلم بكتابه.
وقد رأيت للدكتور فاضل السامرائي كلاما في الفرق بين فلما ولما لا غير ما ذكرته، قال وفقه الله كما في كتاب: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل – محاضرات (ص: 652، بترقيم الشاملة آليا)
من الناحية التعبيرية فالفاء تدل على الترتيب والتعقيب أما الواو فهي لمطلق الجمع. يأتي بالفاء عندما يكون هناك تعقيب {(قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون * فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون)} لا يوجد فاصل زمني بين الأمرين وهذا يدل على التعقيب والترتيب، وكذلك في قصة يوسف مع امرأة العزيز الأحداث تأتي الواحدة تلو الأخرى بترتيب وتعقيب وليس بين الأحداث أي تراخي أو فترة زمنية فاصلة طويلة لذا استخدمت (فلما) . أما في الآية التي جاء فيها (ولما) استغرق سنوات طويلة حتى بلغ أشده (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين). انتهى المراد منه.
والله أعلم، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
Source link