أيها المسلمون، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله سبحانه، وسأتكلم في هاتين الخطبتين عن صحابِيَّين جليلين، هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
{﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾} [آل عمران: 102].
{﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾} [النساء: 1].
{﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ } [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد:
أيها المسلمون، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله سبحانه، وسأتكلم في هاتين الخطبتين عن صحابِيَّين جليلين، هما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
أبو بكر الصِّدِّيق، اسمه عبد الله بن عثمان القُرَشي التَّيمي، أول من أسلم من الرجال، الصحابي الوحيد الذي ذكره الله بصحبة نبيه في القرآن، قال الله سبحانه: {{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}} [التوبة: 40]، قال له النبي عليه الصلاة والسلام حين خاف أن يرى المشركون رسول الله وهو في غار ثور: (لا تحزن إن الله معنا)، ولم يقل: إن الله معي فقط، فالله مع رسوله ومع أبي بكر بالحفظ والنصر والتأييد، وبدأت الآية بضمير المفرد الغائب إخبارًا عن نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}} ، ثم رجع الضمير إلى النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الآية فقال سبحانه: {{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}} [التوبة: 40].
أيها المسلمون، صحب أبو بكر النبيَّ صلى اللَّه عليه وسلم قبل البِعثة، وسبق إلى الإيمانِ به، واستمر معه طولَ إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجَّ بالناس في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، واستقر خليفة بعده، ولقَّبه المسلمون خليفة رسول اللَّه، وروى عنه العلم كثير من الصحابة والتابعين.
وكان أبو بكر ممن ترك الخمر في الجاهلية قبل الإسلام، وكان عاقلًا يحبه قومه ويعرفون قدره، وكان تاجرًا ذا خُلُقٍ ومعروف، ولما أسلم دعا إلى الإسلام مَنْ وثِق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، خمسة من المبشرين بالجنة كلهم أسلموا علي يدي أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الله تعالى: {{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى}} [الليل: 17 – 21]، أجمع المفسرون أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي تعم كل من كان تقيًا متصدقًا مخلصًا.
أيها المسلمون، وأجمع المفسرون أن آية ثالثة أخرى نزلت في أبي بكر، وهي قوله سبحانه: {{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} [النور: 22]، وذلك حين حلف أبو بكر أن يترك النفقة على مِسْطح بن أُثاثة حين خاض مع أهل الإفك في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، وكان ينفق عليه أبو بكر لكونه من أقاربه، وكان مسكينًا من المهاجرين، فأنزل الله هذه الآية، فقال أبو بكر: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي)، فرجع إلى الإنفاق على مِسْطح رضي الله عنه، ومعنى الآية: ولا يحلف أهل الفضل في الدِّين وأصحاب السَّعة في المال على ترك إعطاء أقربائهم المحتاجين، فأخبر الله تعالى أن أبا بكر من أهل الفضل في الدين، وهذه منقبة عظيمة لأبي بكر.
أيها المسلمون، ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ((مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ))، فبكى أبو بكر، وقال: (هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!)» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ))» .
وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: « أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عَائِشَة))، فقلت: من الرجال؟ فقال: ((أَبُوهَا))، قلت: ثم من؟ قال: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ))» .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال: « (أبو بكر سيِّدُنا، وخيرُنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). »
أيها المسلمون، فضائل أبي بكر كثيرة، وهو أكثر صحابي صَحِب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد صَحِبه في مكة 13 سنة قبل الهجرة، ثم صَحِبه في هجرته، وصَحِب النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حضرًا وسفرًا، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وغزوة حنين حين تولى الناس، وكان أبو بكر من أعلم الصحابة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وكان فقيها عالمًا بالقضاء والأنساب وتعبير الرؤى، وكان من الخطباء، وكان من العُبَّاد الزُّهَّاد، شديد الورع، كثير البكاء من خشية الله، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع غزواته، وأمَّره النبي عليه الصلاة والسلام على الحج سنة 9 للهجرة، وفي مرض موته اختاره ليصلي بالناس دون غيره، وحين توفي النبي صلى الله عليه وسلم شك بعض الصحابة في موته فقال أبو بكر: (من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وقرأ قول الله تعالى: {{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}} [الزمر: 30]، وقوله سبحانه: {{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}} [آل عمران: 144].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّر أبا بكر فأمَّ الناس، فأيُّكم تطيب نفسُه أن يتقدم أبا بكر؟! فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه.
وبايع علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا بكر الصديق، وكان من وزرائه ومستشاريه، وكان يعرف فضل أبي بكر، وصح عنه أنه قال: « (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر)، وقال ابنه محمد ابن الحنفية: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أبو بكر)، قلت: ثم من؟ قال: (ثم عمر)» .
وقال علي رضي الله عنه: (أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين).
وأبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، وأول من أمر بالجهاد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، فحين ارتد كثير من العرب بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ومنع بعضهم الزكاة جهَّز أبو بكر الصديق الجيوش لقتالهم، وبعد أن انتصر عليهم ورجع غالب المرتدين إلى الإسلام جهَّز أبو بكر الجيوش لغزو فارس والروم، فهو أول من بدأ الفتوح الإسلامية التي استمرت بعد موته، وله أجرها وأجر من أسلم في تلك البلدان، كما له أجر جمع القرآن الكريم في المصاحف وأجر من تلا القرآن وتعلمه إلى يوم القيامة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والإمام أبو بكر هو الثاني في الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الأول، وأبو بكر هو الثاني كما قال الله تعالى: {{ثَانِيَ اثْنَيْنِ}} ، فهو ثاني اثنين في التقدم في الإسلام، وثاني اثنين في الدعوة إلى الإسلام، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في الهجرة، كان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام الثاني، وبعد موت النبي كان هو الثاني في القيام بالإمامة وأمر الأمة، وسُمِّي خليفة رسول الله ولم يُسمَّ بذلك أحدٌ سواه، فهو إمام المسلمين بعد رسول الله، واستمر خليفة سنتين وثلاثة أشهر، وحين توفي دُفِن جوار النبي عليه الصلاة والسلام، فقبره هو القبر الثاني، اختاره الله لصحبة نبيه في حياته ومجاورته بعد موته.
توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة النبوية سنة 13 للهجرة، وعمره 63 عامًا كعُمْرِ النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يترك دينارًا ولا درهمًا، ودُفِن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أحد أقرب منه من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد موته، ويوم القيامة يُبعث من نفس البقعة التي يَبعث الله منها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيكون أقربَ الناس من النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، فهو صاحب النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، رضي الله عنه وأرضاه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، أما بعد:
تحدثنا في الخطبة الأولى عن أبي بكر الصديق ثاني اثنين، وفي هذه الخطبة نتحدث عن عمر الفاروق رضي الله عنه، هو عمر بن الخطاب أبو حفص القُرَشي العَدَوي رضي الله عنه، أسلم وعمره بضع وعشرون سنة في السنة السادسة من البعثة النبوية، وأعز الله المسلمين بإسلامه، وهو من السابقين الأولين من المهاجرين، شهد مع النبي عليه الصلاة والسلام جميع غزواته، وثبت معه في غزوة أُحُدٍ وحُنَين، وتوفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو عنه راضٍ، واستخلفه أبو بكر الصديق يوم مات، فبايعه الناس، فقام بأعباء الخلافة لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين، وأول من ابتدأ التاريخ الهجري، وأول من بنى المدن في الإسلام، أمر ببناء البصرة والكوفة في العراق، وفتح بيت المقدس بنفسه، وأمر أن يُبنى في ساحة المسجد الأقصى مسجدًا، وهو المسمى المسجد العُمَري، وفضائل عمر كثيرة، منها ما يلي:
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}} [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهن: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن)، فنزلت هذه الآية.
أيها المسلمون، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه عمر وعليه قميصٌ يَجُرُّه، وعبَّر ذلك بالدِّين، وفي رؤيا أخرى قال عليه الصلاة والسلام: «((رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ)) قالوا: فما أوَّلْتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: ((الْعِلْمَ))» .
كان عمر من أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر، وكانا وزيرَي النبي عليه الصلاة والسلام، وتزوَّج النبي عليه الصلاة والسلام عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان أبو بكر وعمر يُكثِران من الجلوس مع النبي عليه الصلاة والسلام حضرًا وسفرًا، في الأمن والخوف، والسِّلم والحرب.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن عمر كان أعلَمَنا بكتاب الله، وأفقَهَنا في دين الله).
مكث عمر في الخلافة عشر سنوات ونصف، وكان يحج بالناس في كل عام، وجهَّز الجيوش بعد الجيوش حتى يسَّر الله الفتوح العظيمة في عهده، ففُتِحت الشام والعراق وإيران وأذربيجان وأرمينية وجنوب تركيا ومصر وليبيا، وولَّى عمر الولاة على الأمصار، وكان يتابع ولاته بأوامره ونصائحه، ويحاسبهم، ويعزل من يرى عزله منهم، وكان في خلافته يُعلِّم ويُفتي ويَقضي بين الناس، ويؤتي الزكاة مستحقيها، ويقسم الفيء بين المسلمين، وولَّى علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب قِسمة صدقةِ رسول الله من نخل بني النضير على بني هاشم، ودوَّن عمر الدواوين قبل أن يموت بعام.
أيها المسلمون، كان عمر بن الخطاب عابدًا زاهدًا، خاشعًا متواضعًا، يلبس الثياب المرقَّعة، وكان كثير التلاوة لكتاب الله، ويُطيل القراءة في الصلاة، ويحب سماع القرآن الكريم من غيره، وكان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله بالصلاة يقول لهم: (الصلاة الصلاة)، ويتلو هذه الآية: {{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} } [طه: 132].
وكان عمر يكثر من هذا الدعاء: (اللهم اجعل عملي صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا)، ويكثر أن يقول: (اللهم عافِنا واعفُ عنا).
وكان علي بن أبي طالب يحب عمر ويُجِلُّه، وكان من وزرائه ومستشاريه، وزوَّج عليٌّ ابنته أم كلثوم من عمر، وسمَّى عليٌّ بعض أبنائه عمر.
ومن أقوال عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبَوا، فإنه أهون لحسابكم، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر، {{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ }} [الحاقة: 18]).
وقال عمر: (لا تؤخروا عمل اليوم لغد، وإذا خُيِّرتم بين أمرين أحدهما للدنيا والآخر للآخرة فاختاروا أمر الآخرة على أمر الدنيا، فإن الدنيا تفنى، وإن الآخرة تبقى، وتعلَّموا كتاب الله؛ فإنه ينابيع العلم، وربيع القلوب).
أيها المسلمون، استُشْهِد عمر في المدينة بعد رجوعه من الحج بأيام آخر سنة 23 للهجرة، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر، ولما طُعِن صلَّى بالناس عبد الرحمن بن عوف، وحُمِل عمر إلى بيته، فصلى الفجر وجرحه يسيل دمًا، وقال: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، فجعل الناس يثنون عليه، فقال: (وددتُّ أني خرجتُ منها كَفافًا لا عليَّ ولا لي، لو أنَّ لي طِلاع الأرض ذهبًا لافتديت به من هَوْلِ المُطَّلَع، وقد جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد)، وأجَّل الستة ثلاثًا، وقال لهم: (قوموا فتشاوروا، وأمِّروا أحدكم)، وأمر صُهيبًا أن يُصلي بالناس، ورأى عمر وهو في فراش الموت شابًا مسبِلًا إزاره، فقال له: (يا ابن أخي، ارفع ثوبَك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك)، ثم أمر أن يحسبوا ما عليه من الدَّين، وأمر ابنه عبد الله أن يقضيه، وقال لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقُل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه)، فأذنت عائشة رضي الله عنها أن يُدفن عُمَر في حُجْرتها بجوار قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وُضِع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له، فترحم عليه علي بن أبي طالب وقال: (ما خلَّفتُ أحدًا أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثلِ عملِه منك، والله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، كنت كثيرًا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «((ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ))،» فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما).
رضي الله عن أبي بكر وعمر، صاحباه في حياته، وجاراه بعد موته في قبره، اللهم ارض عنهما وعن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وجميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وصل وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
أيها المسلمون، {{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}} [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، {{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}} [العنكبوت: 45].
Source link